آراء وتحليلات
"زئير الأسد العجوز" والرهان الخاطئ
إيهاب شوقي
رغم التصعيد الكبير على مستوى الصراع الدولي والعديد من الانزلاقات الأفقية في جبهات مختلفة خارج نطاق الجبهة الرئيسية في أوكرانيا، إلا أن ملامح تراجع القوى الكبرى اتضحت، وبالأحرى اعتدلت الكثير من موازين الردع بما أضعف اليد الحرة والطليقة لقوة مثل أمريكا في العقود الماضية التي شهدت عالم أحادي القطبية.
وربما نلمس ظاهرة صوتية أكثر ما نلمس خطوات فعلية تعبر عن فائض القوة، وهو ما أطلق عليه مسؤول إيراني كبير واصفا تهديدات أمريكا لإيران بأنها "زئير الأسد العجوز".
يتساوى في ذلك مع أمريكا، الكيان الصهيوني العجوز وكذلك القوى الأوربية والتي تراجع نفوذها في مستعمراتها القديمة ولا تجرؤ على القيام بعمل عسكري لاسترداد عملائها ومواليها في هذه البلاد، مثلما حدث مؤخرا في النيجر وما تشهده من تهديدات مترددة بعمل عسكري، تحسب فرنسا وحلفائها له ألف حساب بعد تغير الحسابات العسكرية والاقتصادية والتي جعلت لكل تحرك كلفة ولم يعد مجرد نزهة كما كان في السابق.
وبالطبع من الخطأ البالغ أن نقول إن أمريكا لم تعد قوة عالمية كبرى، ولكن الأدق هو أنها قوة كبيرة ولكنها ليست القوة العظمى ذات الأجنحة المهيمنة وذات الشوكة النافذة، بل تآكلت قوتها وأصبحت غير قادرة على التوسع، وانحسرت هذه القوة في الهيمنة على بعض الملفات الدولية المفصلية والتي تقاتل للحفاظ عليها باعتبار فقدها سيجعل منها قوة عظمى سابقة كغيرها من الإمبراطوريات وهو ما لا تقبل به أمريكا حتى الآن.
والخطير هذه الأيام هو أن المعارك تنزلق باتجاه المعارك الصفرية، وأن سياسة "حافة الهاوية" تنزلق تدريجيا نحو الهاوية ذاتها، وهو ما نلمح له ظلالا في سوريا، حيث تصاعدت وتيرة الاحتكاك الروسي الأمريكي بشكل مباشر، بل وتم الإعلان بأنه يرتبط بشكل مباشر بالصراع في أوكرانيا/ عندما هاجمت مقاتلة روسية طائرتين مسيرتين أمريكيتين وألقت عليهما قنابل ضوئية، وكانت المقاتلة الروسية تحمل شعار "Z" وهو الشعار المميز للعملية الروسية في أوكرانيا!
ولا شك أن التلويح بالاستعانة بقوات فاغنر في النيجر وغير ذلك من اتساع دوائر المواجهات ينذر بأن عدم الاعتراف والقبول بالتوازنات الجديدة سيقود حتما للمواجهات الكبرى.
هذا المنطق ينطبق أيضا على الكيان الصهيوني، والذي يرفض الاعتراف بتوازنات المنظقة الجديدة رغم يقينه الاستراتيجي وتجاربه العملية التي أثبتت تغير الميزان باتجاه محور المقاومة.
ولايزال العدو الإسرائيلي يلوح بفائض وهمي للقوة وبتهديدات جوفاء يساعده عليها بعض المطبعين وبعض الأنظمة العربية التي تخدم أغراضه وتحذر رعاياها وتطالبهم بمغادرة لبنان لتنشر مناخا من القلق يساعد العدو على تجميل صورته.
والمراقب لحال الكيان سواء جبهته الداخلية الممزقة، أو التقارير العسكرية التي تتحدث عن عجز الذخيرة عن مواجهة أي معارك شاملة، يعلم أن تهديداته وما يناور به من اختراقات للحدود اللبنانية أو تدريبات تستعد للحرب، هي تماما كزئير الأسد الأمريكي العجوز.
والمراقب أيضا لما أعلن عن بلانامج زيارات نتنياهو في سبتمبر، يعلم أنه برنامج لا يتسق مع حرب أو إعداد للحرب، بل على العكس هو برنامج للالتفاف على الحرب وتجنبها باتباع نموذج أخر هو الحصار والاعتماد على الخيانة والتطبيع في مواجهة المقاومة.
فقد أعلن أن نتنياهو سيزور قبرص واليونان وتركيا والجمعية العامة للأمم المتحدة وربما يلتقي بايدن للمرة الأولى، وكذلك سيزور المغرب والإمارات.
والمتأمل لهذه الزيارات، يرى أن الجانب الاقتصادي وملف الغاز هو العامل الأهم بها حيث غاز شرق المتوسط مع قبرص وتركيا واليونان، وهو لا يتناسب مع حرب قد يتم تدمير منصات الغاز بها إذا ما قصفتها المقاومة.
كذلك زيارة المغرب والإمارات هي زيارات لتعميق التطبيع بغرض سياسي واقتصادي لا يتلاءم مع حرب ومواجهات قد لايجرؤ المطبعون معها على تعميق التطبيع في مواجهة شعوبهم.
والأهم من ذلك، هو أن لقاء نتنياهو وبايدن للمرة الأولى سيناقش، وفقًا لجميع التقارير الرصينة، قضية التطبيع السعودي - الإسرائيلي، باعتبارها رغبة ثلاثية مشتركة، حيث أرسلت السعودية إشارات بأنها ترغب في صفقة تطبيعية كبيرة وليس مجرد إجراءات متدرجة أو شكلية، كما يحلم نتنياهو بهذا الاختراق بعمل تطبيع مع دولة إسلامية كبرى تضم المثدسات الإسلامية وتضم هذا الحجم من المخزون النفطي والاقتصادي، وكذلك بايدن يتشوق لهذا الإنجاز في مواجهة خصومه وعلى رأسهم ترامب صاحب الصفقات الإبراهيمية والذي يقاتل للعودة والنزول إلى حلبة الانتخابات القادمة.
وهذه المناقشات المعقدة لصفقة تطبيعية كبرى لا يتناسب معها حرب ومواجهات توعدت المقاومة بأنها ستكون واسعة وشاملة وبالتالي سينزلق بها إضافة للكيان كل من القواعد الأمريكية وكل المتعاونين مع العدو.
ربما هذا البرنامج لزيارات نتنياهو وهذه الملامح الواضحة لعجز القوى الكبرى عن المواجهات المباشرة، يقود إلى طريق ورهان واحد، وهو استمرار عملية الحصار على محور المقاومة والرهان على التطبيع وعزل المقاومة، وهو رهان غير أنه خاطئ، فقد أصبح بمثابة القنبلة الموقوتة، لأن صبر المقاومة لن يطول على الحصار وقد توعدت أكثر من مرة بأنها لن تموت جوعا، بل ستقتل من يحاصرها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024