آراء وتحليلات
إجهاض مشروع الشرق الأوسط الكبير
إيهاب شوقي
مع عقود من التسامح مع مصطلح "الشرق الأوسط" واستخدامه بشكل دارج رغم أنه مصطلح استعماري يعبر عن حيز من الامبراطورية البريطانية الغابرة وينسب وفقا لاتجاهاتها وموقع عاصمتها، لم تكتف امريكا ولا الغرب الاستعماري بذلك، بل طوروا في مسمياته وألبسوها أثوابا مختلفة وكان أخطرها "الشرق الأوسط الكبير".
ويشكل مفهوم الشرق الأوسط حيرة لدى الباحثين حيث يجمعون على أن المفهوم لم يكن يشير في الواقع إلى حيز جغرافي معين ولا تاريخ محدد مشترك لشعوب المنطقة، بل استند بالأساس إلى نظرة السياسات الاستعمارية. غير أن مفهوم الشرق الأوسط بدأ في الانتشار أثناء الحرب العالمية الثانية على يد الحلفاء، للإشارة إلى الاقليم الممتد من جنوب اسيا إلى شمال افريقيا، ثم اخذ تعبير الشرق الأوسط يحل تدريجياً محل مصطلحات اخرى سادت مثل الشرق الاقصى، والشرق الادنى. ومع قيام الكيان الصهيوني عام 1948 ركز المؤسسون الأوائل على مفهوم الشرق الأوسط للتضليل الحضاري على المنطقة، وذلك باعتبار أن الشرق أوسطية كفكرة تنسب إلى مراكز خارج الشرق الأوسط، وهي لم تعبر ابداً عن نطاق جغرافي تاريخي محدد على وجه الدقة، بل تتعرض للانكماش والتوسع مع تغير المشاريع الغربية والأميركية تجاه المنطقة، كما أنها تركز على الجانب الجغرافي ولا تركز على القوميات أو التاريخ أو الثقافات بقدر ما تشكل في ذاتها هوية مستقلة قابلة للتمدد.
وقد تطور مشروع الشرق الأوسط الكبير مرتكزًا على أطروحات ومقولات ولافتات ودعايات، مضمونها أن الولايات المتحدة ليست بمنأى عن الإرهاب، وأن ذلك الإرهاب مصدره العالم العربي والإسلامي، ويرتبط إنتاج الإرهاب بالنظم التسلطية والديكتاتورية، وغياب الحرية في ظل هذه النظم، وسيادة نظم تعليمية تشجع الإرهاب وتدعم إنتاجه.
ولمواجهة ذلك، فإن الولايات المتحدة الأميركية مطالبة بأن تصوغ وتبلور عقيدة أمنية جديدة، تستند إلى ما تم تسميته "بالضربة الاستباقية" أو "الحرب الوقائية"، التي تطال مصادر التهديد المحتمل لأمن الولايات المتحدة وأمن مواطنيها. وترتب مفهوم الحرب على أفغانستان وإسقاط نظام طالبان، والحرب على العراق لإسقاط نظام صدام حسين، وانخراط الولايات المتحدة الأميركية في حرب عالمية على الإرهاب تسوغ لها تتبع كل من يشكل خطرا أو ضررا أو تهديدا محتملا لمصالحها، وعلى رأس ذلك تأتي حركات المقاومة للصهاينة وللهيمنة الأمريكية.
ويقول جون مكين في مقال نشر في فصلية فورين أفيرز: "يجب أن نسير قدماً نحو ربط الأمم الديموقراطية بعضها مع بعض في منظمة واحدة، منظمة رابطة الديموقراطيات العالمية".
وهو ما سعت إليه أمريكا في مشروعها الشرق أوسطي، وهو ما روج له المحافظون الجدد، حيث روجوا لفكرة تأسيس رابطة الدول الديموقراطية، وهدفها الدفاع والمحافظة على مصالح هذه الدول ومصلحة الولايات المتحدة، وهو الهدف الاكبر وراء مشروع الشرق الأوسط الكبير.
وقد كان للعدو الإسرائيلي ضلع كبير في هذا المشروع حيث استبقه شيمون بيريز بكتاب "الشرق الأوسط الجديد"، للتمهيد لدمج العرب والصهاينة في مشروع هويته الرئيسية هي الاقتصاد والمنفعة، وكان تمهيدا للمشروع الأمريكي الذي يشكل سيفًا على الرافضين لهذا الدمج باعتبارهم ارهابيين مشمولين بالتعريف الأمريكي للإرهاب، وبالتالي يحق لأمريكا وحليفها الصهيوني العدوان عليهم وتصفيتهم!
في هذه الأجواء خطط للعدوان على لبنان ولم تكن عملية "الوعد الصادق" إلا ذريعة لتنفيذ حرب واسعة خطط لها مسبقا لتصفية جيب للمقاومة يشكل حجر عثرة في منطقة "الهلال الخصيب" وفقا للتعبير الاستعماري، حيث تم الخلاص من مقاومة المغرب العربي بعد تحييد مصر، وتم الإجهاز على جيش العراق ولم يتبق الا سوريا ولبنان، وكان المنطلق أن الخلاص من المقاومة في لبنان سيحكم عزل سوريا وحصارها دون الحاجة ربما لحرب معها.
إلا أن ما حققته المقاومة في حرب تموز من صمود ثم تهديد للعمق الصهيوني، أوقف هذا المسار، بل والأكثر من ذلك أنه وجه ضربة للمشروع في مقتل له، وهو هدم الأسس التي قام عليها المشروع على المستويات الثقافية والدعائية، وكذلك العسكرية، وذلك باختصار كما يلي:
1- ثقافيا ودعائيا، لم ينجح العدوان في ترويج دعاياته عن المقاومة باعتبارها إرهابا، بل فوجئ بحجم التعاطف والمناصرة الشعبية في كافة أنحاء العالم العربي والاسلامي، وهي ضربة لمشروع دمج العدو الصهيوني مع شعوب المنطقة، وهي ضربة كبرى لأطروحة بيريز واستبدال الوجدان والتاريخ والثوابت بالاقتصاد والرفاهية المزعومة.
2- عسكريا، كرس لجيل جديد من الحروب غير التقليدية، حيث استطاعت المقاومة بتشكيلاتها وصواريخها وخفة حركتها ومناوراتها، تشكيل هزيمة وفشل للعدو لم تستطيع الجيوش التقليدية الحاقه به، وهذا النمط من الحروب شكل كابوسا لامريكا في افغانستان وللعدو الاسرائيلي في غزة، وأصبح من وقتها هو الراسم لتوازن الردع بل وتوازن الرعب أيضا بعد تنامي وتطور قدراته.
عندما يعلن الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، أن مشروع الشرق الأوسط الكبير تحطم في لبنان، فهو يعني جيدا ما يقوله وهي مقولة توضح الأبعاد الشاملة لمشروع الشرق الأوسط الكبير، والأبعاد العظيمة لانتصار تموز والتي لا يزال الكثيرون، إما ينكرون فضله، أو لا يعطونه قدره الحقيقي وعمقه وقدر انجازه وأهميته التاريخية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024