نقاط على الحروف
أرضنا لن تُترك
أحمد فؤاد
"إن الكلمات إذا رفعت سيفاً، فهي السيف".
صلاح عبد الصبور.
تحدث الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، وعدنا الصادق، وكان الجميع ينتظر خطابه، في ظرف دقيق، وحقائق كبرى تكاد تضيع في التباسات على هامش القضية المصيرية، ويشتد تعقيد ظروفها الواقعة والمَعيشة اليوم أكثر من أي وقت مضى. تكلم الرجل الثقة صدقًا كما عرفناه، وكان العدو قبل الصديق ينتظر كلمته، كانت كل الأطراف تنتظر الكلمة وكان ضروريًا أن ننصت لها.
في البداية، فإن السيد حسن يخاصم مفردات الخطاب العربي، الذي كنا نألفه، فلا هو خطاب حماسي تكثر فيه العبارات الرنانة والكلمات الجزلة، كعادة ذميمة قديمة بالتباهي بالفراغ واللاشيء، ولا هو خطاب ضعيف يستجدي ولا هو يتحسب أو يتهيب التزامًا قاطعًا بالمواقف الحاسمة المطلوبة في وقتها الصحيح. هو خطاب المؤمن القوي، الواثق بربه ونفسه وبرجال الله. كان خطابًا على مستوى الذكرى العزيزة السابعة عشرة لانتصار تموز المدوي، كلمات كالسيوف القاطعة، لا تعرف المهادنة ولا ترجو غير الحق.
لعل خطاب سماحة السيد يحتاج إلى قراءات عديدة، من جهة اشتماله على قضايا عدة تشغل أيامنا وقلوبنا، لكن أهمها على الإطلاق ما يتعلق بكيان العدو، والأزمة الناشبة عند حدود فلسطين المحتلة، والرغبة الأميركية المحمومة في إيجاد مخرج للكيان من "خيام الحزب"، بغير أن يتورط في حرب كبيرة، يعلمون يقينًا فداحة تكاليفها ومخاطرها الوجودية، ودون أن يسمح الأميركي بإهانة عميقة ولطمة جديدة على وجه مخفره الخائب.
كان السيد حاسمًا في الرد على كل ما جرى من وساطات، وما يتردد من تهديدات جوفاء من الكيان. الخيام باقية لأنها على أرض لبنانية، والأرض "لن تُترك" للعدو، وزاد من تأكيده على حسم الأمر تمامًا ونهائيًا أمام حكومة العدو بتفويضه المفتوح لرجال الله "الشباب لديهم توجيه للتعامل مع أي تعرض صهيوني"، بشكل ينقل مباشرة ومن دون جهد تفسير موقف حزب الله إذا ما قررت حكومة المجانين في تل أبيب الإقدام على حماقة.
والنقطة التالية المتعلقة بالكيان هي توضيح السيد لحادث الحدود، وكان هو الآخر قاطعًا في دلالاته حاسمًا في مفرداته "الحادثة على الحدود لا زالت قيد التحقيق، وبعدها يبنى على الشيء مقتضاه"، بما يعني أن المقاومة عمليًا وفي كل وقت تثبت معادلة الردع مع العدو، المعادلة التي شلت اليد الصهيونية -الطويلة سابقًا- ومنعتها وتمنعها وستمنعها من حيازة خيار العمل ضد لبنان، وفي هذه النقطة تحديدًا فإن الإعلام الصهيوني يصادق عليها ويعرفها جيًدا، ولديه يقين بأن اندلاع مواجهة مع حزب الله لن يكون إلا فاتحة خراب على رؤوسهم.
على سبيل المثال القريب، فإن موقع "والا" العبري قد نشر تقريرًا أمس عما يواجهه الكيان على جبهته الشمالية، قال فيه: "نجح حزب الله في زيادة قواته الخاصة "فرقة الرضوان" بطريقة تسمح بالتوغل السريع في الأراضي والسيطرة على المستوطنات، كما حسّن الحزب قدراته في المدى والنطاق والفتك، والدقة التي تسمح بإلحاق الضرر بالمنشآت الإستراتيجية والبنى التحتية الحساسة، وقام حزب الله بتحسين نظام دفاعه الجوي، ونطاق الطائرات من دون طيار ليس فقط لجمع المعلومات الاستخبارية ولكن للهجوم، ولا شك أن حزب الله في 2023 أقوى وأكبر مما كان عليه في 2006".
أما من حيث شكل خطاب سماحة السيد، فقد أعاد التأكيد على كون صوته هو المعبّر عن الشعب العربي الذي يرفض الهزيمة والاستسلام، صوت الأمة التي تفتقد في غيره ما تجده في السيد، الجماهير التي ترى الحق معها، لكن الهجوم عليها ضار وشديد، لكنها في النهاية ترى المقاومة تقدم النموذج الفريد في القدرة الخلاقة على التحدي والإنجاز، ليس هذا فقط، وإنما الاستمرارية بالوتيرة ذاتها وبالروحية وبتصميم وعزم لا يلين ولا يتأخر.
معادلة حياة الأمة العربية دون المقاومة تساوي الصفر، أو ربما أقل، نحن نقف أمام عدو خبيث يجيد –تاريخيًا- عقد التحالفات خلف الستار ومد الأيادي تحت الطاولات، يبرع في خلق الفتنة وتصديرها، وإيجاد أطراف محلية –ساقطة- تتبناها وتحمل لواءها، وهذا العدو سبق أن نجح بلؤمه في تصدير الأزمات وحتى الحروب الأهلية إلى الدول العربية حوله، وسبق أيضًا أن أبهرنا بقدرته على اختزال القضية المركزية –حتى في الخطاب العربي- معتمدًا على قدرة فائقة في خلط الأوراق والاستفادة من كل بادرة خلاف عربي - عربي، بأيسر الطرق وأكثرها شيطانية.
إن مفتاح الانتصار، حتى على المستوى الشخصي جدًا والمجرد، في حياة كل إنسان هو امتلاك هذا الإيمان وهذه الإرادة، والوعي بأن الحل الجذري الشامل والقاطع هو أول طريق النجاة وخطوة البداية في أي تغيير أو حركة.
..
بالابتعاد قليلًا عن الحرب القائمة –فعلًا- على لبنان وفيه، من قبل الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، يحلو للبعض أن يرد الوضع الاجتماعي الصعب القائم في لبنان إلى المقاومة وخيارها وتبعات استقلالها وقرارها، وهم في ذلك يمثلون الخطاب الأغبى في التاريخ الإنساني كله، ويسبقون عدوهم إلى ما يريد هو، بأقدامهم وعقولهم، لهؤلاء، قبل العام 1982، وقبل أن تصبح المقاومة جزءاً من معادلة المواجهة، ثم في 2006 حين تحوّلت المقاومة إلى قوة إقليمية لها وزنها وثقلها وتأثيرها في المنطقة كلها، هل كان لبنان قبل هذا كله آمنًا مطمئنًا من النار والبارود الصهيوني؟ هل كان البلد لؤلؤة في صدفة تحميها، متروكة مع أحلامها في قاع بحر بعيد هادئ، بعيدة عن الصراع معفية من الحرب والدمار، خارج العالم والتاريخ والحركة العامة في المنطقة؟!
ما كان يريده الأميركي والصهيوني من لبنان أن يتحول إلى "كيس قطن" يتلقى الضربات، ويصبح "أمثولة" أمام العالم العربي، ومنطقة يكسب فيها ساسة "تل أبيب" النقاط في صراعاتهم على كرسي رئاسة الوزارة، على نحو ما جرى في غزو لبنان 1982، وما جربه شمعون بيريس في عناقيد الغضب 1996، وهذا هو المطلوب تمامًا اليوم، بلد بلا قرار ولا فعل، بلد يُضرب فلا يغضب ولا يرد، بلد مدين عاجز ومريض، وهذا بالضبط موقف المصير لكل من طلب السلامة من مواجهة العدو، كلها مجتمعات ودول مفككة أو هي في سبيلها لذلك، الكل –سوى المقاومة- باطل وقبض الريح.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024