آراء وتحليلات
تركيا بين الصراع العالمي والمحيط الإقليمي ونتائج الانتخابات
حيان نيوف
أسُدِلَ الستار على الانتخابات التركية بعد جولتين من التنافس المحتدم بين السلطة والمعارضة، لينتهي الاستحقاقان البرلماني والرئاسي بإعلان فوز صريح للسلطة الحاكمة ممثلة بحزب العدالة والتنمية وزعيمه الرئيس رجب طيب أردوغان مع حلفائهما بكلا الاستحقاقين الانتخابيين ولفترة جديدة مدتها خمس سنوات تضاف إلى ما يقارب عشرين سنة متواصلة من الاستحواذ على السلطة.
لا شكّ بأنّ أنظار العالم أجمع اتجهت نحو تركيا قبيل وخلال الانتخابات وخاصة الرئاسية منها على اعتبار أن رئيس البلاد يتمتع بسلطات موسعة بعد التعديلات الدستورية التي أجريت منذ خمس سنوات.
وأما الاهتمام العالمي بالانتخابات التركية فمردّه لعوامل عدة يمكن إيجاز أهمها بالآتي:
• الدور الجيوسياسي لتركيا.
• الدور التركي في الربيع العربي.
• الصراع العالمي بين الشرق والغرب.
• التمحور العالمي في ظل تكتلات جديدة وعالم متعدد الأقطاب.
• الدور التركي في المحيط الجغرافي والجيوسياسي.
وفي ظل تلك العوامل وغيرها تحوّلت تركيا وخاصة في السنوات الأخيرة الى ساحة للتجاذبات والمنافسات المتزايدة بين القوى العالمية وتحديدًا بين محورين شرقي أوراسي وغربي أطلسي. وبالرغم من أن تركيا كانت وما زالت طوال عقود من الزمن أحد أهم الأعضاء البارزين في حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فإنّ السنوات الأخيرة شهدت محاولات تركية عديدة للتفرد والتغريد خارج سرب السياسات الناتوية وتحديدًا بعد فشل مشروع "الربيع العربي" الذي جرى اسقاطه على الصخرة السورية، وما تلاها من ترددات لسقوطه في كل من مصر وتونس واليمن وانعكاس ذلك على السياسات والإستراتيجيات لدول الإقليم والعالم، وكذلك بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في العام 2016 واتهام تركيا للولايات المتحدة بالوقوف خلفها في مقابل دعم روسي/إيراني للسلطة الحاكمة بوجه الانقلاب.
داخليّاً؛ تنامى الشعور الجماهيري المعادي للولايات المتحدة داخل المجتمع التركي وخاصة بعد محاولة الانقلاب، وعمل اردوغان وحزبه على تغذية هذا الشعور عبر الإعلام مستغلين تورط الامريكي بالانقلاب وموقف الولايات المتحدة من القضية الكردية وكذلك العقوبات الامريكية على تركيا أو ما عرف بقانون "جاستا" والذي بموجبه تم اخراج تركيا من برنامج تصنيع مقاتلة الجيل الخامس الأمريكية F35 وكذلك قيام الولايات المتحدة بسحب بطاريات الباتريوت من تركيا، وكل ذلك في مقابل دعم متزايد من الولايات المتحدة لجار تركيا اللدود "واقصد اليونان".
وبالمقابل وجدت القوى المناوئة للولايات المتحدة وتحديدًا روسيا ومعها إيران ومن خلفهما الصين نفسها أمام فرصة سانحة للتشبيك مع تركيا بما تمثله من جغرافيا سياسية مترامية وشديدة الأهمية تتقاطع مع مشاريعها العابرة للحدود والجغرافيا في مجالات الطاقة والتجارة وسلاسل التوريد بالإضافة الى البعد الديمغرافي والعمق الأورواسيوي الممتد من البلقان الى القوقاز ووسط آسيا، ومن البحر الأسود الى المتوسط والشرق الأوسط. هذا التشبيك أخذ بعداً جيوسياسيًا في ساحات عديدة، في ليبيا والقوقاز وفي سوريا وأوكرانيا وغيرها، وتحولت العلاقة الروسية - التركية إلى خيار حتمي لكلا الطرفين قبل أن تنتقل الى مرحلة جديدة وتأخذ صيغاً اقليمية وجيوسياسية جديدة كما هو الحال في صيغة "آستانة" الخاصة بالملف السوري والتي وصلت إلى مرحلة اللقاءات الرباعية على مستوى وزراء الخارجية والدفاع، وقبلها كانت قمة طهران الثلاثية التي جمعت (ايران وروسيا وتركيا) والتي اعتبرت في حينها ردًا على زيارة بايدن للسعودية.
اليوم يمكن القول بأن فوز أردوغان يعني أن الدولة العميقة في تركيا تمكنت من وضع البلاد على طريق الحياد بين واشنطن وموسكو، أو بين الشرق والغرب، وهو ما تعتقد الدولة العميقة في تركيا أنه كفيلٌ بنقل البلاد إلى العالم الجديد بسلام وتثبيتها وكقوّة مركزية وفاعلة.
قد يكون هذا الاستنتاج صحيحًا إلى حدٍ ما وفق ما أفرزته نتائج الانتخابات لكن يبقى النجاح التركي إن صحّ محفوفاً بالمخاطر بتأثير عوامل عدّة نذكر منها:
• إلى أيّ حدّ تقبل الولايات المتحدة بالنهج المحايد لتركيا ؟
• هل تنجح تركيا في إعادة ترتيب علاقاتها مع محيطها والذي لعبت دورا محوريا في تفجيره كشرط لتثبيت هذا "النجاح"، وخاصةً العلاقة مع سورية؟
• هل تنجح تركيا بإنقاذ اقتصادها كشرط لا بد منه لضمان الاستقرار اللازم لتحصين هذا "النجاح"؟
• هل سيأخذ أردوغان ومن معه بالحسبان أن فارق الأصوات لم يكن كبيرًا مع معارضيه ويكاد يقارب نصف الأصوات التي تمثل نصف الشعب التركي وخاصة أطيافا معينة منه؟
إن الإجابة عن هذه التساؤلات ليست سهلة أبدًا، علمًا أن هذه التساؤلات مترابطة مع بعضها بعضا ولا يمكن فصلها، كما أن احتمالات النجاح والفشل متساوية.
يبقى القول بأن سياسات "المضاربة والاستثمار" التي انتهجها أردوغان طوال سنوات، لم تعد ناجعة واستمرارها يعني الفشل حكمًا. فهل يستطيع اردوغان التخلي عن طباعه الانتهازية ذات الخلفيات الأخونجية العثمانية؟ أم أنه سيفشل في معالجة هذه العوامل؟ أم أن للدولة العميقة رأيا آخر! ربما لن يطول الوقت كثيرًا حتى تظهر الإجابة عن ذلك في ظل تسارع الملفات الإقليمية والدولية الضاغطة..
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024