آراء وتحليلات
حرب اليمن: بين استراتيجية بايدن والتراجع السعودي
حيان نيوف
في خطابه الأول حول السياسة الخارجية بعد توليه رئاسة الولايات المتحدة قال الرئيس الأمريكي "جو بايدن" منذ أكثر من عامين بتاريخ الثاني من شباط/ فبراير "إن هناك "كارثة استراتيجية"، وأعطيت توجيهات بإنهاء دور أمريكا في العمليات الهجومية في اليمن، إضافة إلى صفقات الأسلحة المرتبطة بذلك. إن الحرب في اليمن يجب أن تتوقف، ووجّهت بفرض هدنة".
شكّل خطاب بايدن صدمة كبرى يمكن وصفها بالزلزال السياسي الذي أصاب عواصم الدول المشاركة في العدوان على اليمن، وعلى رأسها السعودية.
وبعد اشهر قليلة من خطاب بايدن، قامت الولايات المتحدة بسحب أحدث منظوماتها الدفاعية بما فيها بطاريات الباتريوت ومنظومة ثاد للدفاع الجوي بالإضافة إلى آلاف الجنود من الأراضي السعودية بحجة تنفيذ استراتيجيتها الجديدة لمواجهة الصين وروسيا.
لم يكن القرار الأمريكي عبثيا، وكان واضحاً من التعبير الذي استخدمه بايدن عند وصفه للحرب على اليمن بالكارثة الإستراتيجية، بأن هناك خطرا داهما يتهدد الهيمنة الامريكية على العالم، وأن الفخ اليمني يمثل على الاقل جزءا لا يتجزأ من هذا التهديد.
لا شك ان إدارة الرئيس الامريكي بايدن، كانت قد أعادت صياغة الإستراتيجية الامريكية حول العالم لتكون اكثر فاعليةً بمواجهة الصين وروسيا، في كل من أوروبا و جنوب شرق آسيا وما بينهما في الشرق الاوسط، وهذه المناطق الجيوسياسية تعرضت للإختراق بشكل متزامن في عهد ادارة الرئيس السابق "دونالد ترامب"، حيث تمددت روسيا بشكل متسارع في اوروبا وتوجّت نفوذها فيها بمشروع نورد ستريم2، وكذلك فعلت الصين الأمر ذاته بما يخص جنوب شرق اسيا و المحيط الهادئ عبر اتفاقيات التجارة المشتركة، وأما الشرق الاوسط فقد دخلته روسيا من البوابة السورية، والصين طرقت بابه عبر مشروع الحزام والطريق.
كل ذلك دفع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" للقول في حينها بأن الولايات المتحدة تسير بخطا ثابتة على طريق الإتحاد السوفياتي، عبارة وصل صداها للبيت الابيض الذي قال "إن علينا إطفاء الكثير من الحرائق التي اشعلها ترامب".
لقد تسببت "الحماقة الترامبية" التي شجعت السعودية على غزو اليمن، بتحول هذا البلد إلى لاعب مهم ومؤثر في الصراع العالمي من غير مبالغة، كيف لا وهو يمتلك هذا الموقع الجيوسياسي الذي يؤهله للتحكم بأهم المضائق البحرية في العالم التي تمر عبرها سلاسل التوريد ما بين الشرق والغرب، ويمتلك المقومات العسكرية والتحالفية التي تحول دون إلحاق الهزيمة به.
فكان انقلاب بايدن الاستراتيجي بهدف لملمة الشظايا الترامبية التي أصابت جسد الهيمنة الامريكية في العالم، وكان واضحا ان ادارة بايدن تسعى لبناء حزام دفاعي يمتد من البلطيق شمالا إلى البحر الاسود و البحر المتوسط، ومن ثم الى البحر الاحمر ومنه الى المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي.
وإذا كانت الادارة الامريكية قد لجأت الى التفجير في شرق اوروبا عبر اوكرانيا لهذه الغاية، والى اعادة التوتر الى بحر الصين الجنوبي، فإنها كانت مرغمة على التهدئة في الشرق الاوسط وخاصة في اليمن بما يمثله، وذلك لاستحالة السيطرة على كل الجبهات ووقف تمدد نفوذ خصومها، وضمان سلاسل توريد الطاقة وسلاسل التجارة العالمية خاصة في ظل المواجهة في شرق اوروبا وجنوب شرق آسيا.
وبعد سنوات من الحرب العبثية، وجدت السعودية نفسها في موقف محرج، بل إنه في غاية الصعوبة، وكان لا بد لها من اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة تتلاءم والتحولات العالمية الجديدة و مراحل الصراع العالمي، والبحث عن مخرج من الفخ اليمني الذي وقعت فيه، خاصة أن صنعاء انتقلت إلى مرحلة تطوير القدرات العسكرية الحديثة، لتشمل سلاح الصواريخ والطيران المسير وحتى السلاح البحري و الدفاع الجوي.
وطوال العامين الماضيين ومنذ خطاب بايدن الشهير، بدأ التحول السعودي على جبهات سياسية وغير سياسية عدة، وعبر التواصل و التشبيك مع أطراف اقليمية ودولية عدة شملت الإقليم والشرق والغرب، وشملت الأصدقاء والخصوم، وهذا التحول السعودي تمكن من اقتناص هدنة مؤقتة استغلتها السعودية لتحقيق مزيد من التشبيك تتوج بإعلان اتفاق بكين بينها وبين ايران وانفتاح على سورية توجته زيارة وزير الخارجية السوري الى المملكة، وزيارة وفد سعودي إلى صنعاء تحضيرا لاتفاق سياسي شامل ينهي الحرب اليمنية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024