نقاط على الحروف
"فيسبوك" يشرعن لغة القتل انتقائياً
علي عبادي
هل من رابط بين هذه الوقائع الثلاث:
1- إدارة شبكة "فيسبوك" تبيح تداول شعار "الموت لخامنئي"، خلافاً لمعايير مجتمعها التي تلاحق بموجبها وتحظر منشورات مختلفة بتهمة الحض على العنف والكراهية.
2- مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية التي تهتم بنشر الرسوم الكاريكاتورية الساخرة تقرر إجراء مسابقة رسوم للنيل من شخصية الإمام الخامنئي. ولا حاجة للتذكير بأن هذه المجلة تعدّت على شخصية رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم قبل سنوات وأحدثت أصداء واسعة.
3- ترويج ألعاب فيديو تحرّض على قتل قائد الثورة الإسلامية (كما في لعبة ZAHAK) في إطار مسعى دائم لإدخال المواد الثقافية والسياسية في قوالب ترفيهية، وهي ألعاب غير بعيدة عن تخطيط أجهزة الاستخبارات الأميركية، كما يفيد موقع "مينت برس نيوز".
من الواضح أن قوى الهيمنة الغربية خلصت في السنوات الأخيرة الى أن لا سبيل للنيل من موقف إيران وإرغامها على الإنصياع لشروطها إلا عن طريق المسّ بركنها الأساسي المتمثل بولاية الفقيه ورمزها القائد الخامنئي الذي يُعدّ اليوم محور وحدة النظام والباعث على النهضة الاستقلالية العلمية والاقتصادية عن الغرب (لعل موقفه المتحفظ إزاء أي تقارب مع أميركا سبب رئيسي في صبّ النقمة عليه)، إضافة الى مزاياه القيادية والروحية التي تشكل ملجأ المسؤولين والشعب على حد سواء في أوقات الأزمات. ومنذ سنوات انخرطت دوائر الإعلام الاستكباري ومن يدور في فلكها في حملة تهدف للنيل من هذا الركن الوثيق عبر نشر تقارير تتحدث عن توفر أموال طائلة بتصرفه في تلميح الى إثراء شخصي (ذكر تقرير لوكالة أنباء رويترز مثلاً رقم مئة مليار دولار)، وهي أموال مؤسسات خدمية اجتماعية كبرى يشرف سماحته عليها بحكم موقعه أو أموال شرعية تأتي من مقلِّديه وتُصرف على المحتاجين وبالتالي ليست مُلكاً شخصياً أو عائلياً. كما نشرت تقارير تتناول محيطه العائلي تارة من خلال شقيقة له وزوجها اللذين خطّا مساراً أودى بهما الى أحضان صدام حسين في ذروة هجومه العسكري على ايران في ثمانينيات القرن الماضي، أو الزعم بأنه يُعدّ نجله السيد مجتبى لخلافته (وراثة عائلية). كما كثرت التقارير التي تشير بين وقت وآخر الى تردي وضعه الصحي ووفاته بهدف خلق أجواء من القلق في إيران وفي أوساط مؤيدي الجمهورية الاسلامية في الخارج. وكانت الرسوم الساخرة إحدى الوسائل الرائجة على الدوام في الإعلام المعادي لاستهداف الإمام الخامنئي.
والتقط سماحته مغزى هذه الحملة عندما أشار في إحدى المناسبات إلى أن الغرب ينتظر وفاته على أمل منه بأن يتمكن من اختراق إيران ويعيدها الى مدار هيمنته، كما كان يراهن سابقاً على وفاة الإمام الخميني لإدارة تحوّل في ايران. وربما من هذه الزاوية تحديداً نفهم السعار الإعلامي الاستكباري الذي بات يذهب بعيداً في طلب تعجيل رحيل القائد قتلاً واغتيالاً. وعلى رغم أن لسماحته موقعاً مميزاً في إدارة الصراع وصفات قيادية رفيعة، غير أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تقوم على عمادٍ شخصي، وقد تمكنت من تأمين انتقال سلس للقيادة من الإمام المؤسس الخميني رضوان الله عليه الى الإمام الخامنئي في أصعب الظروف الداخلية والدولية والحفاظ على نهج لا شرقية ولا غربية، ولديها مؤسسات أثبتت أنها قادرة على ملء أي فراغ في أي موقع، لأن الأساس هو "صيانة الجمهورية الإسلامية" بمداميكها الشرعية باعتبارها "أهم من الحفاظ على حياة شخص واحد ولو كان إمام العصر"، كما أوضح الإمام المؤسس في بعض كلماته (صحيفة الإمام، ج 15، ص 318- تاريخ الخطاب: 19 محرم 1402 ه).
تبني الدعوات للقتل المستهدف
يشير القرار الأخير لإدارة شبكة "فيسبوك" بإباحة الدعوة الى قتل الإمام الخامنئي الى ارتفاع مطرد في اللغة العدوانية لدى دوائر الهيمنة الغربية المعادية للجمهورية الإسلامية. ومن المؤكد أن ذلك يرتبط بإخفاق هذه الدوائر في مسعاها لتصديع الجبهة الداخلية في ايران خلال أعمال الشغب الاخيرة التي ترافقت مع تصعيد في إجراءات الحصار الأميركية والأوروبية وحملة تشهير إعلامية وسياسية واسعة بهدف نزع الشرعية عن النظام وإبعاده عن منظمات دولية عدة. وتمكنت القيادة الإسلامية ومحورها الإمام الخامنئي من احتواء "الدفرسوار" الذي انطلق على جبهات أمنية وإعلامية واجتماعية وسياسية. وكان هذا الاحتواء سبب انزعاج لدى الدول الغربية تم التعبير عنه بتصعيد كلامي تجاوز اللغة الدبلوماسية المألوفة وصولاً للدعوة الى شرعنة لغة القتل.
وبررت لجنة الإشراف على الرقابة في شركة "ميتا" (الشركة الأم لفيسبوك) قرارها بإعادة المنشورات التي تحتوي على شعار "الموت لخامنئي"، قائلة إن "هذا الشعار سياسي ولا ينم عن تهديد بالفعل، ولا يخالف لوائح الشركة بمنع نشر التحريض على العنف". وأضافت أن العبارة تُستخدم في الغالب بمعنى "يسقط خامنئي".
وبناء على هذا القرار "ترى لجنة الرقابة أن إزالة هذه المنشورات لا تتماشى مع معايير وقيم ومسؤوليات شركة ميتا في مجال حقوق الإنسان". وتوضح صياغة هذه الفقرة بالذات (كان يمكن أن تقول بصورة بديلة على نحو مخفَّف: إن هذه المنشورات لا تتعارض مع معايير وقيم شركة ميتا...) إن هناك تبنٍّيا لهذه المنشورات وليس فقط مجرد تسامح حيالها.
الرقابة الفيسبوكية والمصالح الأميركية
وتأسيساً على "الفتوى" الفيسبوكية الخاصة بالسياق الإيراني، يُثار التساؤل: لماذا لا تسمح فيسبوك بتداول شعار "الموت لأمريكا" وبتأويله مثلاً على أنه دعوة لسقوطها وليس للقتل، جرياً على التأويل السابق؟ ولماذا لا تسمح الشركة التي تُعد من كبريات مواقع التواصل العالمية بالعديد من المصطلحات التي تختزنها الثقافة السياسية في المنطقة العربية والإسلامية ويتم تأويلها على أنها دعوة للعنف والكراهية ولا تتناسب مع قيم المجتمع الافتراضي، بينما يُسمح بتجاوزات في ساحات أخرى مختلفة؟ أعتقد أننا نعرف الجواب ولا حاجة الى الاستدلال على حجم المفارقات في هذا المجال، في ضوء الأطر السياسية والثقافية التي تحكم تعامل "فيسبوك" مع منشورات مستخدِميها على نحو يشبه الرقابة الصارمة في "الأنظمة الحديدية" (حجب منشورات ونظام عقوبات متدرج مستوحى من العقوبات السياسية الأميركية وصولاً الى تدجين ثقافة شعوبنا).
ويرى العديد من النُقاد أن سياسات الرقابة التي تتبعها الشركة تتوافق مع المصالح السياسية الأميركية وهي تتغير تبعاً لمسار هذه المصالح، مما يعني أن سياسات "فيسبوك" (وهذا ينطبق على تويتر أيضاً) عامل متغير وتابع لأصل تحدده أطر سياسية كبرى. ونضيف على سبيل المثال، أن الشركة التي تذكّرنا دوماً أنها لا تتسامح مع دعوات العنف والكراهية، تسامحت مع الدعوة لقتل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أعقاب اندلاع حرب أوكرانيا العام الماضي، كما سمحت للمستخدِمين بالدعوة الصريحة لقتل الجنود الروس. في المقابل، تتبع الشركة نهجاً محافظاً بل ومتشدداً في التعامل مع المنشورات التي تندد بجرائم الحرب الإسرائيلية اليومية في فلسطين أو تدعو لمقاومتها. وهذا يرتبط بتأثر سياساتها بالضغوط الصهيونية وتغلغل عناصر أمنية إسرائيلية سابقة في مجالات عملها، فضلاً عن الترابط الوثيق بين السياستين الأميركية والإسرائيلية.
دلالات أخرى
إضافة الى التوقيت السياسي الممتاز لفتوى فيسبوك وما تضمنته من إشارة الى مداولات داخل إدارة "ميتا" فرضتها طبيعة المواجهة القائمة بشأن إيران، تندرج هذه العملية في سياق الحرب على الرموز من الحجاب والعمامة وأشكال الالتزام السياسي الإسلامي المقاوم. وتترافق هذه الحرب مع استخدام وافر لمخزون السخرية والقذف والكراهية.
ولا ريب أيضاً أن الاستكبار يتبع تكتيكاً دعائياً قديماً يقوم على حصر المشكلة في شخص (شخصنة العدو) لتسهيل استهدافه وشيطنته.
كما تتبع وسائل الإعلام المعادية أسلوب تضخيم المشاكل التي تواجه الجمهورية الإسلامية في مقابل تسخيف الإنجازات الضخمة في مختلف المجالات.
يمكن القول إن اللجوء الى لغة السخرية والاستهزاء والافتراء هو جهد العاجز عن تحقيق أهدافه بطرق منطقية وسليمة، كما أن تسويق لغة القتل في استهداف القادة يعكس توتر قوى الاستكبار ويأسها بعد سيطرة السلطات الايرانية على أعمال الشغب والعصيان المسلح في إيران. وفي كل الأحوال، لا يقتصر الأمر على هجوم سياسي وإعلامي واقتصادي، إذ اننا نشهد على هجمة شرسة تشنها حكومات الغرب في غالبها على القيم الدينية لاستبدال الفطرة الإنسانية وسَوْق البشر نحو العبودية الحيوانية والاستهلاكية.
مواقع التواصل الاجتماعيفايسبوك
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024