آراء وتحليلات
الهدنة اليمنية.. التجديد والتصعيد؟
علي الدرواني
في بريد دول العدوان وضعت الرسالة منقوطة الحروف، واضحة العبارات، جلية المفاهيم والدلالات.. هدنة اللاسلم واللاحرب غير مقبولة، واستمرار التعنت أمام حقوق الشعب اليمني يضع مصالح العدوان ومن يقف خلفه في مرمى الصورايخ والمسيرات.
بعد تلكؤ في الستة أشهر الماضية عن بحث النقاط العالقة في ملف الهدنة، وتوسيعها وفقًا لمبدأ التدرج المتفق عليه، ولا سيما ما يتعلق بتعقيدات مرتبات الموظفين، ومعاشات المتقاعدين، وتحويل إيرادات الثروات النفطية والغازية لصالح الخدمات الضرورية، وإيقاف النهب واللصوصية الذي تتعرض له، يقوم المبعوث الأممي بتنشيط الحركة وحث الخطى وتكثيف الاتصالات، في الساعات الأخيرة للهدنة، معتمدًا سياسة حشر الأطراف في الزاوية.
كان من المريب أن تلك الرحلات المكوكية للمبعوث الأممي أتت بالتزامن مع التحركات الأميركية والبريطانية بغرض تمديد الهدنة، لكن مع ابقائها على حالها والالتفاف على مبدأ التدرج المعتمد لانجاح الهدنة والوصول بها الى السلام الدائم، الذي لطالما وضعوه في ذيل بياناتهم وتصريحاتهم.
رغم التصريحات الإيجابية والعبارات التي تضمنتها تلك البيانات عن ضرورة توسيع الهدنة لتشمل موضوع المرتبات وزيادة الرحلات والوجهات عبر مطار صنعاء الى عدد من المطارات الدولية، إلا أن التفاصيل كانت عائقًا أمام تطبيق تلك الشعارات، وتحولت لشعارات استهلاكية والتفافية بنفس الوقت، ولا تلبي أقل مطالب صنعاء، وتتحايل على صرف الرواتب. وساعدهم على ذلك انحياز المبعوث الأممي غرودنبرغ، الذي تقدم بمقترحه في اليوم قبل الأخير لانتهاء التمديد الأخير.
المقترح الأممي كان يجب أن يأخذ وقتًا أطول من أجل مناقشته، إلا أنه أيضًا لم يتضمن ما يضمن استمرارية صرف المرتبات، ومنع استخدامها كورقة ابتزاز، بالإضافة الى استبعاده شريحة واسعة من الموظفين في القطاعات المدنية والعسكرية والأمنية، وكذلك معاشات المتقاعدين رغم أنها جزء من موازنة وكشوفات عام 2014.
ولم يتوقف الأمر عند هذه الالتفافات، بل جاءت الورقة الأممية، ملبية لرفض المرتزقة تحديد نوع العملة التي ستدفع بها الرواتب، في محاولة لاغراق السوق النقدية في صنعاء بالعملة غير القانونية، من أجل شرعنتها وتمكينها من ضرب الاقتصاد الذي تمت حمايته منها طوال السنوات الماضية.
كل هذا لم يسمح لصنعاء بالقبول بالمقترح، لأنه يتجاهل شريحة واسعة، وأيضًا يهدف لضرب العملة الوطنية، وكذلك لا يدخل في حساباته المرتبات المنقطعة منذ 2016، عندما نقلت وظائف البنك المركزي الى عدن المحتلة.
وعليه ومع عدم التوصل لاتفاق، وادراكًا لسوء نوايا تحالف العدوان ورباعية الشر بقيادة أميركا وبريطانيا والسعودية والامارات، تتالت المواقف في صنعاء للتأكيد على الجهوزية العالية. وزير الدفاع اللواء الركن محمد العاطفي، أكد أن القوات المسلحة اليمنية، ستأخذ على عاتقها مسؤوليتها الوطنية والدينية والدستورية بحماية كل شبر في الجمهورية اليمنية، في تصريح جاء على خلفية التوجيهات الرئاسية وتحذير الشركات الأجنبية من الاستمرار في نهب مقدرات وثروات الشعب اليمني.
المجلس السياسي الأعلى عقد اجتماعًا لمناقشة آخر التطورات، مستنكرًا الورقة الأممية التي لا تلبي مطالب الشعب اليمني، ومع إقرار الخطوط العريضة والنقاط الأساسية بشأن المرحلة القادمة، أكد على درس مختلف الخيارات للتعاطي مع المرحلة الجديدة التي يفرضها سلوك العدوان ومرتزقته.
القوات المسلحة تعلن الجهوزية الكاملة، وتستنفر وحداتها العسكرية للتعامل مع التطورات، التي لن يجد العدو أمامها إلا الندم على عدم تسييل الصبر اليمني في صالح الحقوق الأصلية للشعب.
هكذا تصل الرسالة بشكل أوضح، فلا مجال لاستمرار العدوان التعامل مع التعاطي الإيجابي لصنعاء على انه مؤشر ضعف، ولا سيما عندما يتعلق الامر بحقوق الشعب اليمني.
ومع انتهاء التمديد الثاني، يفتح الباب على مصراعيه لعودة التصعيد العسكري، تصعيد لن تكون الحدود اليمنية ميدانه الوحيد، بل على عمق دول العدوان أن تستعد لاستقبال أسراب الطائرات المسيرة، وصليات الصواريخ البالستية، ولن يكون بعيدًا عليها يوم كيوم بقيق وخريص، ولا يوم أرامكو جدة، حيث غطت سحب الدخان كل أفق لنصر عسكري سعودي في اليمن.
يجب على الرياض أن تغادر مربعات العنجهية والغرور، وأن تنزل عن الحصان الخاسر وتركب فرس العافية، وتتلقف الفرصة اليوم، قبل أن تدفع الثمن مضاعفًا غدًا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024