آراء وتحليلات
قراءة في كتاب "ما بعد الشيوخ: الانهيار المقبل للممالك الخليجية"
عبير بسام
نشر كتاب "ما بعد الشيوخ: الانهيار المقبل للممالك الخليجية" لأول مرة بواسطة شركة "هيرست"، وقام مركز "أوال" للدراسات والنشر بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية. وكان يتوقع المؤلف كريستوفر ديفيدسون في العام 2009 عندما ابتدأ العمل على كتابه انهيار الممالك الخليجية خلال العقد القادم، لكنه في العام 2012، وعندما وضعت النسخة النهائية للكتاب، قال إن: "أغلب هذه الأنظمة ـ على الأقل في شكلها الحالي ـ ستزول في السنتين إلى الخمس سنوات القادمة". ونحن اليوم في العام 2022 وقد تخطينا مدة الخمس سنوات، وهناك فعلياً تغييرات طرأت في بعض الدول الخليجية وعلى أنظمتها السياسية، وباتت أنظمتها الحاكمة أكثر شراً.
من الواضح بحسب عنوان الكتاب أنه يتناول أسباب قيامة الممالك الخليجية وأسباب انهيارها، وأسباب الخطر الداخلي والخارجي عليها، ولكنه لم يقدم أبداً أية معلومات عن مرحلة "ما بعد الشيوخ". ويبدو أن الجزئية الأولى من العنوان قد وضعت للفت النظر إلى الكتاب بأكثر مما تتضمنه القراءة التي بين يدينا، اذ يحاول مؤلف الكتاب أن يشرح أسباب الانهيار القادم بحسب المعطيات التي بين يديه، والتي هي بالتأكيد معطيات هامة ويجب الاطلاع عليها، ولكنها لا تضع تصوراً للقادم بعدها.
يشرح الكاتب أفكاره في ستة فصول يقرأ من عناوينها بوضوح المضمون، في حين أن المتعة تكمن في التفاصيل.
الفصل الأول: نشأة الدولة [الخليجية] والتنمية الاقتصادية.
الفصل الثاني: تفسير أسباب البقاء ـ الشؤون الداخلية.
الفصل الثالث: تفسير أسباب البقاء ـ الشؤون الخارجية.
الفصل الرابع: الضغوط الداخلية المتصاعدة.
الفصل الخامس: الضغوط الخارجية المتصاعدة.
أما الفصل السادس فيتحدث عن الانهيار المقبل، والذي يتضمن زبدة فكرة الكتاب. وأهم فرضية ينطلق منها الكتاب بافتراض أن التغيير قادم هو ما شهدته المنطقة العربية منذ العام 2011، والتي اعتبرها "محفزات هامة". وإن كانت النسخة التي بين أيدينا تختلف عن النسخة الأصلية للكتاب التي" تنبأت بانهيار معظم الممالك الخليجية في العقد القادم"، إلا أن النسخة النهائية للكتاب في العام 2012، تطرح فكرة مفادها أن أغلب هذه الأنظمة –على الأقل في شكلها الحالي ـ "ستزول في السنتين إلى الخمس سنوات المقبلة".
شكل الأنظمة الحالي في العام 2017، لم يتغير كثيراً، ولكنه انكشف للملأ في الأعوام التي تلت "الخراب العربي في العام 2011، وكانت مساهمات كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر كارثية في جلب الكوارث الإنسانية والكوارث "الجهادية التصنيف" وتسببت بخراب البنى التحتية في معظم الدول العربية، بسبب الحلم بأن تتحول بما هي عليه إلى دول ذات نفوذ أكبر في البلاد العربية حفاظاً على عروش حكامها.
نقطتان هامتان هما ما يبني عليه المؤلف أسباب انهيار الممالك في هذا الكتاب، وكلتاهما تصبان في مصادر قوة الدولة الريعية. الأولى، تتعلق بنفاد كمية النفط الهائلة، التي يقوم عليها اقتصاد هذه الممالك وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها وعلى قدر عال من الكفاءة وبالمجان، وبالتالي، لم تضطر هذه الممالك لفرض الضرائب على المواطنين من أجل تقديم الخدمات. النقطة الثانية وهي بالتأكيد متعلقة بالنقطة الأولى، حيث يفترض الكاتب أنه في مرحلة ما بعد النفط ومن أجل الحفاظ على مستوى محدد من خدمات الدولة فذلك يحتم فرض الضرائب. وبذا فهو يرى أن فرض الضرائب سيكسر الصمت حول استفراد أصحاب الحكم، والممارسات التعسفية ضد الناس، وسيبدأ الناس برفع الأصوات من أجل الدعوة للمشاركة العامة في الحكم وإدارة البلاد والانتخابات النزيهة، وما إلى ذلك. ولكن إذا لم تستجب الممالك أو الحكام لهذه المطالب فذلك قد يؤدي إلى ثورات واضطرابات ستزعزع عروش هؤلاء. ولكن ما يستغربه الكاتب، أنه على الرغم من الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي حدثت في دبي في العام 2008، وضعف إرادات الإمارات من عوائد النفط لم يؤد ذلك إلى انهيار نظام الحكم فيها. الا أنه يعود ويستدرك أن السبب في عدم ضعف الملوك والأمراء هو ربط العلاقة ما بين الشركات الأجنبية العاملة في هذه الدول بالطبقة الحاكمة حصرياً مما مكنها من استعادة قوّتها رغم انخفاض مستوى الموارد النفطية في البحرين وعمان والإمارات.
المشاركة في الحكم، هي من أسس الديمقراطية بالنسبة للكتّاب الغربيين، وتأخذ مساحة كبيرة من كتاباتهم، حتى يكاد لا يخلو كتاب حول النظم الحاكمة في الشرق، وبخاصة حول الدول العربية، دون تكرار هذه الأسطوانة التي تعاد مراراً وتكرراً. وكأن تحقيق حكم الشعب أو مشاركة الشعب في الحكم لا يتم إلا عبر الديمقراطيات، التي رسمتها الأنظمة الأوروبية أو الغربية، وكأن حكم الشعب لا يمكن تحقيقه عبر مسلكيات أخرى. ليس الأمر دفاعاً عن النظام الملكي في الخليج، بقدر ما هو انتقاد لمحاولة الكاتب إعادة نسخ التجربة الغربية في الجزيرة العربية أو أي مكان آخر، خصوصاً وأن النظام القبلي والعشائري في الخليج، وحتى في العديد من الدول العربية، وإن كان مناطقياً، فهو أقوى من أي نظام آخر.
هذا الكلام كان في تصريح سمعه "ديفيدسون" من أحد النافذين في دبي، والذي رفض استيلاد النظام الديمقراطي الغربي في بلاده. كما أن معظم الحركات المناوئة للحكم في السعودية والإمارات تقودها حركة الإخوان المسلمين. وبحسب ما يلفت الكتاب إليه، فإن الخطر الذي تتلمسه دول مثل دبي والكويت والبحرين يتأتى من سيطرة الإخوان المسلمين على البرلمانات فيها. كما ان هناك قلقا أميركيا من تصاعد قوة الحركات الإسلامية في دول الخليج العربي اذا ما وصلت هذه القوى إلى الحكم، والتي ستشكل خطراً على المصالح الأميركية والغربية في الخليج، خصوصاً مع تراجع تأثير الحركات اليسارية الذي ساد في السبعينيات وبداية الثمانينيات. وهنا يمكننا الإشارة إلى التدخل الغربي والخارجي الذي لعب دوراً هاماً في نشأة الممالك في الجزيرة العربية والذي بدأ بدعم بريطاني، وهذا ما يفصله الكاتب في الفصل الأول، وفي الحقيقة هذا ما يجب أن يبنى على أنه السبب الحقيقي في استمرار وجود هذه الممالك حتى يومنا هذا.
كلما انطلقت ثورة في الممالك كانت الأسر الحاكمة تدفع مبالغ كبيرة للمواطنين لتهدئتهم من خلالها. اذ ابتدأت التحركات المطالبة بتوسيع الحريات في الإمارات منذ العام 2008. وقد استشعرت الدولة الخطر، وخاصة ذلك القادم عبر مواقع الإنترنت، والتي حثت على التحركات والوقوف ضد الممارسات التعسفية التي يمارسها الحكام في الإمارات، فتم إغلاق المواقع في الإمارات، ولكن لم يكن من الممكن إيقافها في خارجها. ويبدو أن الإمارات كانت تحاول وقف نشاط المدونين، وكانت تخشى من انفلات الأوضاع، خاصة وأن الاضطرابات والمظاهرات التي ابتدأت فيها في العام 2008 عادت للنشاط مع موجة "الربيع العربي" في العام 2011، والتي طالت الممالك العربية جميعها وتم قمعها، فتم توزيع المخصصات المالية في محاولة لاستيعابها وإطفاء جذوتها بشكل نهائي. ويبدو أن معظم المتظاهرين ما إن ابتدأت الممالك برفع الرواتب وتوزيع المال، حتى ارتضوا الركون والهدوء، ودائماً بحسب الكاتب.
غير أن البعض الآخر تم اعتقالهم وترهيبهم من خلال الاعتقال المنزلي، أو سوقهم إلى السجون من أجل محاكمتهم بتهم ضد الدولة، أو بتهم قد تبدو سخيفة مثل: الاحتفاظ بقوارير من الويسكي في بيوتهم. وأهم ما يظهر في الكتاب هو تلك الأمثلة اللامتناهية والتي تتحدث بشكل تفصيلي عن الوضع الاجتماعي والسياسي والثقافي المناهض في داخل الخليج العربي، والذي تأتى من سببين رئيسيين، الأول، احتكار مقدرات البلاد من قبل حكام الخليج، وبالتالي وقوع معظم السكان في دائرة الفقر والعوز. والسبب الثاني، والذي يكتب عنه كريستوفر ديفيدسون بتحفظ تارة وبوضوح تارة اخرى كما كتب في الفصل الخامس، هو المواقف السياسية التي ظهرت بين حكام الخليج والتي كان من الواضح أنها تتجه نحو بناء العلاقات مع الكيان "الاسرائيلي" والوقوف ضد القضية الفلسطينية، مما أثار حفيظة المواطنين. وبالتالي فإن القمع الممارس، والذي يتحدث عنه الكاتب وحول استخدام المرتزقة في قمع التظاهرات في ممالك الخليج العربي، وبالذات في البحرين والسعودية والإمارت، هو نتيجة لتعاظم الحركات المعارضة وامتدادها وليس سبباً في نهوضها.
يبدو من الكتاب أن بوادر الثورات في الخليج العربي قد بدأت فعلياً، ولكن لم يصل إلينا أية أنباء حقيقية عنها، ما عدا الثورة التي انطلقت في البحرين. وحتى اليوم لم يأت التغيير على الأنظمة الحاكمة، مع العلم أن عوائد النفط لم تعد تكفي لتستمر هذه الممالك بالطريقة ذاتها من إدارة الموارد، وهي احد أسباب الانهيار الرئيسية التي عددها الكاتب. والسبب الحقيقي وراء عدم تمكين الشعب العربي في الخليج من تحقيق انقلابه على النظم الحاكمة إلى اليوم هو مجموعة من المتغيرات الدولية، التي تدخلت حتى اليوم والتي قادتها الولايات المتحدة، وأهمها توقيع معاهدات أبراهام بقيادة الإمارات العربية المتحدة والبحرين. وأما توقيع باقي الدول العربية فقد جاء قراراً تابعاً لدول ممالك الخليج. مع العلم انه لا يمكننا إهمال التوجهات الجديدة نحو بناء دعائم اقتصاد متغير من خلال فتح الباب أمام الاستثمارات الصينية والروسية، والتوجه شرقاً. هذا التوجه ابتدأ بتحرير الدول الخليجية، ولو جزئياً، من السيطرة الأميركية الكاملة. وحتى على المقلب الآخر، فالعلاقة التي تبنيها دول الخليج مع الكيان العبري، أدت إلى ربط مباشر ومتلازم ما بين استمرارية وجود الكيان الصهيوني وما بين وجود الكيانات والممالك المطبعة معه. وبالتالي إذا كنا سنتفق مع الكاتب على توقع الانهيار المقبل، فإن انهيار الكيان الأول سيؤدي بالتأكيد إلى انهيار الآخر، وهذا ما لا يستطيع ديفيدسون أن يدركه من خلال محدودية ثقافته الغربية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024