آراء وتحليلات
سنة سابعة صمود.. قراءة في نتائج العدوان على اليمن
علي الدرواني
خلال ست سنوات تغيرت الكثير من الأمور التي كانت عبارة عن خطوط حمراء بنظر الرياض وواشنطن، لا يمكن تجاوزها والقبول بها في بلد ظل تحت الهيمنة والضعف والفقر المصطنع والعوز المفروض عليه طول العقود الأخيرة من القرن الماضي وبداية القرن الحالي.
لم تتحمل الرياض وواشنطن حالة التحرر والانفلات من قبضتيهما في يمن وضع قدمه على طريق العودة لملء موقعه الذي يفرضه التاريخ والحضارة والجغرافيا والديموغرافيا والدور المفترض لأولى العواصم دخولًا في الإسلام العظيم.
كانت السعودية قد طوعت معظم الحكام المتعاقبين في صنعاء وجل قادة الأحزاب السياسية وأكثر المشايخ والشخصيات القبلية ورجال الدين، بفعل الأموال الطائلة التي تجنيها من صادراتها النفطية، وشراء الولاءات، تحت عناوين مختلفة، وعبر ما عرف باللجنة الخاصة، التي ضمت في قوائمها آلاف الشخصيات، وقيادات الدولة والمجتمع، بحيث أصبح اليمن حديقة خلفية للسعودية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
وإزاء ذلك، أضحت واشنطن مسيطرة على مفاصل القرار العسكري والأمني، وفاعلًا في المسرح السياسي والاجتماعي والثقافي، كما لو كان اليمن واحداً من ولاياتها، والسفير الأمريكي هو الحاكم المطلق، وبقية مسؤولي الحكم في صنعاء مجرد موظفين تابعين له. وما كشفته الوثائق في مختلف الأصعدة تثبت هذه الحقائق المرة. وما وجود المارينز الأمريكي في صنعاء، وتحليق الطائرات بدون طيار في الأجواء اليمنية على مدار الساعة، إلا أدلة على مستويات الهيمنة المتقدمة لواشنطن على كل شيء في اليمن.
ما فقدته واشنطن والرياض على إثر ثورة 21 سبتمبر لا يمكن تقييمه إلا بكلمة مختصرة من السفير الأمريكي السابق ماثيو تولر عندما حزم أمتعته وهو يغادر صنعاء، قائلًا: "لم يعد لدينا ما نفعله". حينها، قررت واشنطن والرياض خوض الحرب العدوانية على أمل العودة لممارسة هوايتهما المفضلة والتجديف بمركب اليمن الى شواطئهما العفنة.
تم تجييش الجيوش وإعداد العدة للغزو، لإعادة الأغلال الى عنق اليمنيين، واستخدمت كل أنواع الأسلحة وأشدها فتكًا وتدميرًا، بالتزامن مع حصار خانق بحرًا وبرًا وجوًا، على مدى ست سنوات، أهلكت الحرث والنسل، وأحرقت الأخضر واليابس، وجعلت اليمن على رأس قائمة الحالات الإنسانية الأشد مأساوية في العالم، إلا أنها فشلت في كسر كبرياء اليمنيين ولم تفتّ في عزيمتهم، بل جعلتهم أكثر إصرارًا على الصمود والتحدي والمواجهة، والتي تحولت في الأخير من مرحلة الصمود الى مرحلة الانتصار.
لا يبدو أن النتائج بعد ست سنوات عدوان مختلفة عن نتائج ما سبقها من سنوات في ظل المبادرة الخليجية والحروب المتزامنة معها على صعدة وأبناء حجة وعمران والجوف وما رافقها في مؤتمر الحوار الوطني من مشاورات سياسية والبحث عن ضمانات لأمن واستقرار اليمن، كانوا حينها يصرفون الكلام والتصريحات المعسولة، عن الشراكة السياسية والتعايش السلمي، ونبذ الحروب وحق الدماء، بينما يمكرون ويضعون الخطط لاستئصال القوى المناهضة للهيمنة السعودية والأمريكية، وكان مكرهم يبوء بالهزيمة والفشل، كما هو حال مكرهم اليوم، بينما كانت قوى التحرر والاستقلال تتوسع في قلوب الجماهير قبل التوسع في الجغرافيا الوطنية، وتتهشم صورة العملاء والخونة وتظهر على حقيقتها سوداء قاتمة لا يرى فيها إلا الخسة والضعة والخنوع أمام المحتلين والغزاة وأصحاب مشاريع السيطرة على البلاد والعباد.
اليوم بعد سنوات الظلم والتوحش السعودي - الأمريكي، لم يعد خطاب الاستئصال موجودًا، ولا لغة الاستقواء بالسلاح، لكن لا يعني هذا أنهم فعلًا قد جنحوا للسلم، وإن كان ذلك هو خيارهم الوحيد بعد تفكك جبهتم، وتمزق حلفهم، وضعف قوتهم، واستنفاد خياراتهم، وانفلات الأمور من أيديهم، والخسائر المادية والمعنوية التي لحقتهم، والمعنويات المنهارة التي سيطرت عليهم، والصواريخ البالستية والطائرات المسيرة التي دكت قواعدهم ومنشآتهم، وهددت باضمحلال اقتصادهم وتدمير نفطهم وضرعهم.
لم يعد لديهم أي أوراق ضد شعب الايمان والحكمة، إلا الضغط بالحصار والتجويع، يرفعونهما من أجل المساومة والمقايضة لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، وما كان لهم أن يستمروا في استخدامهما لولا التواطؤ الدولي والأممي، وتجاوز القرارات والمبادئ الإنسانية والدولية المزعومة، إلا أن الشعب اليمني لن يستسلم، ولن يخضع ولن يركع، وقد راكم أوراق القوة معتمدًا على الله تعالى، أمام جبروت وغطرسة لم يشهد لهما التاريخ مثيلا في الوحشية والتعنت والكبر.
من خلال ما يجري في مسقط، تراجعت واشنطن والرياض عن خطاب الاستئصال والقضاء على القوى الوطنية المناهضة لهما ممثلة بأنصار الله تحديدًا، وأظهرتا قبولهما بأن تكون هذه القوى جزءًا من اليمن، وشريكًا في صناعة قرارها الداخلي، محاولة تحجيم هذه القوى، والالتفاف على الإنجاز وانهاء مفاعيل الانتصار الذي تحقق الى اليوم، بالمقابل لا تزال ترفض ان يكون اليمن جزءا أساسيا وفاعلا في المنطقة وفق منطق التاريخ والجغرافيا، وتريده مجرد بلد خاضع للوصاية الخارجية، من السعودية وامريكا، وهذا يعني أن الحرب لا تزال مستمرة، حتى يتخلى المعتدون عن أطماعهم ويتركوا اليمن وشأنه، لحاضره ومستقبله.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024