آراء وتحليلات
أهداف الاصرار السعودي على التهدئة في اليمن
اسماعيل المحاقري
لم يأت بجديد مجلس الأمن الدولي في مواقفه الأخيرة بشأن اليمن لا في دعمه نداء الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرش "لأطراف الأزمة "بوقف المعارك والتركيز على التوصل لتسوية سياسية" ولا في التأكيد على ضرورة البدء بأخذ تدابير بناء الثقة واتاحة الوصول إلى المحتاجين خاصة في ضوء وباء كورونا فالمجتمع الدولي بشكل عام لا ينظر إلى ما يجري في الساحة اليمنية إلا بالعين السعودية وأولوية المصالح الأمريكية.
ما أبداه المبعوث الأممي مارتن غريفيث في إحاطته الأخيرة إلى مجلس الامن من حرص على إسكات صوت البنادق، ووضع حد للأنشطة العسكرية المتزايدة، وما قدمه من مقترحات لا زالت حتى الآن تتجاهل أسباب الحصار وتداعياته الكارثية على الشعب اليمني يؤكد حكما حقيقة المأزق السعودي في اليمن، ولا تخرج عن كونها استجابة للضغوط الدولية والرغبة في تهدئة لا تلبث أن تتغير عند أول منعطف تشعر فيه السعودية بقدرتها على التحكم بموازين القوى.
انسداد الأفق واقتراب المعارك من مدينة مارب قد يكون الحدث الأهم الذي حمل النظام السعودي على البحث عن تهدئة والإعلان عن "وقف إطلاق النار" محدد بأسبوعين كسبا للوقت والتأييد الدولي لإعادة ترتيب الأوراق والوضع الميداني، لكن ذلك لا يلغي أن الهجمات على المنشآت النفطية السعودية بما فيها الهجوم على حقلي ابقيق وخريص منتصف سبتمبر العام الماضي، وما نتج عنه من وقف نصف انتاج النفط السعودي كان له أثره العملي في تكريس معادلة توازن الردع إلى حد أجبر محمد بن سلمان على التعاطي بإيجابية ومرونة أكثر مع دعوات السلام والتفكير بجدية في كيفية الخروج من المستنقع اليمني بأقل الخسائر الممكنة إما عن طريق التحركات الأممية أو التفاهمات المباشرة وغير المباشرة مع السلطة في صنعاء.
الاتفاق على وقف إطلاق النار وإن كان دائما "وقف الغارات مقابل وقف استهداف العمق السعودي بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة" لا يمثل مشكلة بالنسبة للسعودية بقدر حرصها أولا على تغذية الصراع في البلد وإدامته ليأخذ منحى الحرب الأهلية وثانيا التمسك بسياسة التجويع والإفقار من خلال استمرار الحصار والقرصنة البحرية على سفن النفط والغذاء لإبقاء البلد رهينة للخارج وتحت رحمة المساعدات بالمثل كما هو حال غزة المحاصرة.
وبالابقاء على استراتيجية الحصار، تبدو السعودية كمن يضع العقدة في المنشار، غير أن التحولات الميدانية مدفوعة بالانتصارات الكبيرة التي يحققها الجيش واللجان الشعبية في العام السادس من العدوان تفرض على واشنطن وحلفائها تغيير استراتيجيهم والعمل على إنهاء الحرب، ولكن ليس بخسارة التحالف وانتصار اليمنيين.
وتزامنًا مع التحرك الأممي النشط والمطالبات المتسارعة لوقف إطلاق النار بدعوى توحيد الجهود لمواجهة الأخطار المحتملة لوباء كورونا، يرمي تحالف العدوان بكل ثقله لإبطاء التقدم العسكري باتجاه مدينة مارب من خلال استئناف العمليات القتالية في البيضاء وتعز وفي جبهات الحدود، لتشتيت جهود الجيش واللجان الشعبية وإرباك خططهم، وبإعادة تفعيل الدعم الجوي لاعتراض عمليات اعادة الانتشار وتجميد الخطوط الامامية واستعادة بعض القدرات الدفاعية للفصائل والتشكيلات المسلحة الموالية للعدوان.
يجري ذلك في الوقت الذي يبدي فيه تحالف العدوان حرصًا زائفًا على دعم جهود المبعوث الأممي وتطبيق أعلى درجات ضبط النفس إدراكًا من السعودية بأن موازين القوى تبدلت وليست في صالحها في هذه المرحلة لاعتبارات عدة لعل أهمها ما تشهده جبهات القتال من انهيارات متسارعة للفصائل والجماعات المسلحة الممولة من قبلها إضافة إلى تصاعد الازمة الاقتصادية العالمية بسبب وباء كورونا المستجد وهذا ما يفسر رغبة النظام السعودي في التهدئة ولو بأي شكل من الاشكال.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024