طوفان الأقصى
عبد السلام هنية يروي لـ"العهد" ومضات جهادية من سيرة والده الشهيد
لم يكن مجرد قائد عابر في تاريخ القضية الفلسطينية، بل كان رجلًا جمع بين القوّة الثابتة والإرادة الصلبة المقاومة والاقتدار السياسي بجدارة. هكذا عاش حياته بدءًا من مخيم الشاطئ بغزّة وصولًا إلى استشهاده ليصبح رمزًا لمقاومة شعبه وصمودهم.
كان إسماعيل هنية رمزًا لروح المقاومة التي لا تنكسر، ناضل بلا هوادة من أجل وحدة شعبه، عاش لأجل فلسطين واستشهد من أجلها، محققًا أسمى أمنياته التي طالما عبّر عنها في كلماته. كان يدرك أن طريق الحرية مفروش بالدماء، ويؤمن أن هذه الدماء الطاهرة هي التي ستحرر الأرض وتعيد الحق إلى أصحابه.
يروي عبد السلام هنية، النجل الأكبر للشهيد القائد، في حديث لموقع "العهد" الإخباري، قصة والدٍ عاش حياته بحثًا عن الشهادة، ليؤكد أن دماء والده لم تكن أغلى من دماء كلّ طفل في غزّة، بل كانت امتدادًا لتلك الدماء الزكية التي تروي أرض فلسطين.
بكلمات تعكس إيمانًا عميقًا بأن استشهاد والده لن يطفئ شعلة المقاومة، بل سيزيدها توهجًا في قلوب الأجيال، يؤكد عبد السلام أن "أبو العبد" الذي حمل هموم الوحدة الوطنية وجعلها هدفه حتّى اللحظة الأخيرة، رحل جسدًا لكنّه ترك خلفه إرثًا من النضال والتضحية، ليبقى رمزًا للثبات والصمود في وجه العدو.
نشأ القائد الشهيد في بيئة دينية روحانية، تربّى فيها على يد جده الحاج عبد السلام، الذي كان شيخًا وإمامًا للمسجد. كان منذ صغره ملتصقًا بالقرآن، وتعلم القراءة والتلاوة في مسجد مخيم الشاطئ. هذا النشوء الديني العميق جعله يتصدر الصفوف في إمامة المصلّين منذ صباه، وكان صوته الجميل يصدح بالقرآن، مما جعله معروفًا بين الناس منذ سن مبكرة.
وبحسب نجله عبد السلام، رفض إسماعيل هنية مغادرة مخيم الشاطئ حتّى بعد أن ارتقى إلى أعلى المناصب السياسية، فكان رجلًا متواضعًا، ظل يعيش بين أبناء شعبه، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم. كان وفيًا لذكرى الشهداء، خاصة القادة الكبار الذين سبقوه إلى الشهادة، مثل الدكتور عبد العزيز الرنتيسي والشيخ أحمد ياسين، وظل يزور أسرهم ويواسيهم، مؤكدًا لهم أن فقدان الأب أو القائد لا يعني نهاية المقاومة.
عبد السلام هنية أكد في حديثه لـ"العهد" أن "دماء والده الشهيد ليست أغلى من دماء الشعب الفلسطيني"، لافتًا إلى سعي والده الدائم لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.
وأشار إلى أن العائلة تشرّفت بشهادة "القائد الوالد الذي بحث عنها ليل نهار منذ نعومة أظفاره، ومنذ انطلق في العمل الوطني الإسلامي المقاوم".
وأضاف عبد السلام أن "الاحتلال واهم عندما يظن أنه باغتيال والدي يمكن أن تتوقف المقاومة، أو يمكن أن يتوقف نضال الشعب الفلسطيني، فمع كلّ عملية اغتيال لقائد تكون هناك ثورة عظيمة ودماء تحيي للأجيال الأمل القادم".
وذكر أن والده "بحث عن الشهادة ليل نهار وفي كلّ مكان، وهنا تكمن عظمة القادة الشهداء الذين أصبحت حياتهم مشاريع إما نصر أو شهادة".
وتابع عبد السلام "دائمًا ما كان يأمرنا بتجهيز أنفسنا لتلقّي خبر استشهاده، وهذا ما كنا نفعله دائمًا متوقعين استشهاده في أيّ لحظة".
واستطرد قائلًا: "دماؤه غالية علينا، لكنها ليست أغلى من دماء أبناء شعبنا الفلسطيني، وهو من كان يقول إن دمائي ليست أغلى من دماء أي دم طفل في غزّة أو دمعة أم نزفت على وداع ابنها".
وشدد عبد السلام هنية على أن "أولوية الوحدة الوطنية احتلت مرتبة مهمّة لدى والدي"، لافتًا إلى أن آخر ما شغل الوالد في حياته السياسية متابعة عودة الوفد من الصين، بعد توقيع وثيقة التوافق الوطني التي "كان حريصًا في آخر أيام حياته على إنجاحها".
وأردف عبد السلام "في أيامه الأخيرة، وبينما كانت غزّة تشهد معركة الطوفان، تجلّى صبر وثبات الشهيد هنية، وأصبح رمزًا للصمود الفلسطيني، تلك الأيام كانت شاهدة على إيمانه بوحدة الأمة، التي سعى إليها طوال حياته. وكان استشهاده في قلب طهران نتيجة صمود لم يرضخ فيه للعدو، وجاءت شهادته لتوحّد الأمة، لا فقط على مستوى الفلسطينيين، بل على مستوى أحرار العالم أجمع".
وأشاد نجل الشهيد هنية بالتشييع المليوني لجنازة والده في طهران، وقال "كانت تعبيرًا عن وحدة الأمة في مواجهة الاحتلال، ورسالة واضحة مفادها أن الأمة العربية والإسلامية قادرة على تجاوز الانقسامات، وأن دماء الشهداء هي التي توحّد الصفوف وتجعل منها جدارًا منيعًا في مواجهة العدو".
واستنكر هنية اتهام الجمهورية الإسلامية في إيران من قبل المغرضين والأعداء بالوقوف وراء مقتل والده، مبيّنًا أن هذه الشائعات المغرضة نشرها العدوّ نفسه من أجل الشقاق بين جبهات المقاومة ومن أجل توظيف استشهاد الشهيد إسماعيل هنية في خدمة الفتن الطائفية والمذهبية خاصة بين المسلمين أنفسهم بعد أن وحّدت صفوفهم القضية الفلسطينية وتكاتفوا في مواجهة العدوّ منذ بدء طوفان الأقصى.
وجدّد هنية الابن التأكيد أن "الشهادة هي حسن الخاتمة"، وقال "نحن نقول بكلّ وضوح إن هذه الدنيا فانية، فإما حياة تسرّ الصديق وإما ممات يغيض العدا، هكذا تعلّمنا وتربينا، وهكذا نحن بإذنه تعالى سنحتفظ بوصيته وسنبقى على دربه".
واختتم حديثه لموقعنا قائلًا "إسماعيل هنية، رجل عاش ومات من أجل فلسطين، سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الأمة، رمزًا للثبات والصمود، ودليلًا على أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية شعب، بل قضية أمة بأسرها. نسأل الله أن يعجّل الفرج لشعبنا وأهلنا في غزّة، وأن يبارك في مقاومة جنوب لبنان لما قدمته من تضحيات ودماء شهداء، وكلّ من يساند القضية الفلسطينية من أجل تحرير الأرض والإنسان وفي سبيل العبور على طريق القدس".
لبنانفلسطين المحتلةالجمهورية الاسلامية في إيرانحركة المقاومة الإسلامية ـ حماسغزةاسماعيل هنيةجبهة المقاومة