معركة أولي البأس

طوفان الأقصى

خطاب السيد.. بين العدو و"الشقيق"
07/11/2023

خطاب السيد.. بين العدو و"الشقيق"

أحمد فؤاد

بعد أربعة أسابيع كاملة من يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، يوم انطلاق عملية "طوفان الأقصى" المباركة، كان العالم كله قد تكلم، زعماء وقادة ومسؤولون حكوميون، وحتى غير المسؤولين، فاعلون مؤثرين في الأحداث، أو مفعول بهم تستكمل بهم مقاعد المؤتمرات، وهم لا يفرقون عن المقاعد شيئًا، ولا يملكون من حرية القرار أية درجة.. وبعد المكلمة غير التاريخية، كانت تنقصنا كلمة واحدة من رجل واحد، سماحة السيد حسن نصر الله، القائد الذي أعزنا الله به وشرفنا.

لم يكن غريبًا أن يقف الكل لمتابعة الخطاب، ولاحقًا الرد عليه، كان مفهومًا أن يعقد وزير الخارجية الأميركي بلينكن مؤتمرًا في عمان يوم السبت، بدا أنه قد جاء خصيصًا لوضع نقاط "خطاب مضاد" مع الدول العربية التي يطلق عليها الأميركي "معتدلة"، وأن يُشغل إعلام العدو الصهيوني والأميركي في تحليل كل كلمة وكل حرف وكل وقفة.
الإعلام الصهيوني يعلم، كما يعلم المجتمع هناك، أن كلمة سماحة السيد واقعة، بعض الكتاب في الصحف ــ منذ مدة طويلة ــ يقولون إنهم يثقون بكلماته بأكثر مما يثقون بمسؤوليهم، وجاءت التغطية الصهيونية --- بإيجاز شديد جدًا --- محذرة من جملة "أن كل الاحتمالات واردة وكل الخيارات مفتوحة"، فلم تعرف التفاؤل ولا الهدوء أمام هذا الوعد الجديد، كما أسهبت في تحليل معادلة "المدني مقابل المدني" الجديدة كلية على الصراع العربي -- الصهيوني.

وأهم ما جاء في تحليلات العدو وإعلامه، تصريحات يسرائيل زيف، الجنرال احتياط في جيش العدو، التي قال فيها إن السيد حسن نصر الله: "استمر في المناورة والمراوغة بكل ما يتعلق بسير الحرب الحالية، وقرارات حزب الله المستقبلية"، وأكد أن الخطاب حمل رسالة "أن حزب الله سيحافظ على سيولة الوضع الحالية، باستخدام التصعيد والتوتر بأعصاب هادئة، بحيث يتحكم بالأوضاع، والأهم أنه مستمر في استنزاف "إسرائيل"، والحفاظ على عنصر المبادأة، وهذا الوضع سيحقق حالة ارتباك كاملة للطرف الإسرائيلي، وهو ما يجب أن تقلق منه إسرائيل بشدة".
التعليق بالغ الدقة والقراءة العميقة، على خطاب سماحة السيد حسن نصر الله، جاء من سكوت ريتر، ضابط الاستخبارات الأميركية السابق، والذي أوجز فيه بذكاء ووعي "المخاوف الأميركية" من اللغة التي تحدث بها سماحة السيد، وأنها تعني بشكل مباشر نهاية عصر "الهيبة" الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.

وبعض ما قاله ريتر، بالنص وحرفيًا، هو إن "كان الكثيرون يأملون أن يفتح حز.الله جبهة ثانية ضد إسرائيل، لكن السيد الذي اعتبره "مفكر بارع ومخطط إستراتيجي وسياسي من الدرجة الأولى قرر أن الانتصار يتحقق بالمثابرة وليس بالتصعيد"، وأن "هذا ليس الوقت المناسب لهزيمة إسرائيل الإستراتيجية، بل انتصار حماس الإستراتيجي".

قال ريتر: "لو كنت المستشار العسكري للسيد حسن نصر الله، لقلت إن إسرائيل لن تكون أضعف مما هي عليه الآن، وأنه لو كان الهدف هو هزيمة إسرائيل إستراتيجيًا فإن هذا هو الوقت المناسب الآن"، وأضاف: "لكن خطاب نصر الله كان تحفة فنية، في فن إدارة التصعيد".

النقطة الفارقة التي أثارها "ريتر" تلخصت في كلماته التالية: "يبدو أن الجميع لم يفهم جيدًا هذا الخطاب، كان هناك أمران متكاملان في الخطاب، حزب الله جزء من الحكومة اللبنانية، وجلب الدمار والموت للبنان ليس هو الأمر الجيد اليوم، الجميع سوف يلومه، لكنه في الوقت نفسه، أكد أنه إذا ما قصفت إسرائيل لبنان، سوف نزيل إسرائيل، سوف نأتي بكل شيء، وقال لإسرائيل مباشرة يمكننا التغلب عليك، يمكننا أن نهزمك على نحو سيئ.
..
المثير للعجب هو تحليلات وتعقيبات الإعلام العربي الشقيق، خصوصًا الإعلام الرسمي الناطق باسم الأنظمة التي "خذلت" شعب فلسطين وغزة، وطعنت المقاومة في ظهرها لمرات ومرات، هذه التحليلات كلها، خصوصًا في الإعلام المصري جاءت كما هو حال الموقف المصري حاليًا "مستنفذة لمرات الرسوب"، ومن المؤكد واليقيني أن أكثر من هاجموا الخطاب أو علقوا عليه، لم يسمعوه من الأصل!

لم يسمع الناعقون الناهقون جملتي السيد: "نحن دخلنا المعركة فعلًا من يوم 8 تشرين أول" و"أساطيلكم التي تظنون أنكم تخيفوننا بها لقد أعددنا لها عدتها"، والهجوم من قبل فضائيات وبرامج، يديرها ويشرف عليها النظام مباشرة، ولا تخرج منها كلمة إلا بـ "الأمر المباشر"، ترسخ فكرة كاذبة مضللة ومضلة، أن حزب الله قد خذل القضية برفضه الدخول في حرب، ومن ثم فإن موقف النظام العسكري المصري في جبنه واستسلامه وخنوعه ومذلته وهوانه طبيعي، وهو ليس غريبًا على شخصيات لا تزال حتى اليوم تتغنى بالخطاب الأشهر ليهوذا الأول، الشهير بالسادات، "هو أنا هحارب أميركا، هو إحنا قد أميركا ".

إقرأ المزيد في: طوفان الأقصى