معركة أولي البأس

طوفان الأقصى

طوفان الأقصى ونهاية عقيدة  كيسنجر
06/11/2023

طوفان الأقصى ونهاية عقيدة كيسنجر

إيهاب شوقي
بعد أن وصلت الأمور بالمنطقة لأقصى قدر ممكن من الصراحة والعلانية، وأسفرت جميع الوجوه عن حقيقتها، بتنا أمام معادلات جديدة وصياغات كبرى حكمت لعقود طويلة وآن لها أن تتغير رسميا، بعد أن تغيرت بحكم الواقع والوقائع.

وقبل الخوض في هذه المعادلات، يجدر بنا ذكر ما قاله قادة الكيان عن غزة منذ زمن طويل، وفشلوا جميعا به، إلى أن تكللت تصريحات الكيان بتصريح أحمق لوزير صهيوني موتور يلوح بإلقاء قنبلة نووية على غزة، لأن تدرج هذه التصريحات يكشف تدرج الأمور بالمنطقة ومسارها المتصاعد في كشف الوجه الحقيقي للكيان وراعيه الأمريكي:

في العام 2011، سلطت صحيفة "إسرائيل اليوم" في زاوية "صورة وتعليق" الضوء على الأزمة التاريخية مع قطاع غزة, وهي التي كانت منذ نشأة الكيان عام 1948 بمثابة مشكلة عصية على التطويع والاحتواء وغير قابلة للهضم, واعتبها الكيان بمثابة خنجر مسموم في خاصرته، وأوردت الصحيفة أشهر تصريحات القادة الإسرائيليين عن غزة خلال السنوات الماضية كما يلي:

ـــ "اتمنى لو تغرق غزة في البحر". رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحاق رابين، 1992.

ـــ " إن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة يفتح عهدا جديدا واعدا لكنه أيضا مليء بالمخاطر.و لا يمكننا التمسك بقطاع غزة إلى ما لا نهاية وأن الانسحاب هو الإجابة على الحقائق الموجودة حاليا على الأرض ". رئيس الوزراء الأسبق ارييل شارون آب/ أغسطس 2005.

ـــ " في حال انتخابنا أنا وليفي سوف ننهي حكم حماس بغزة، وسوف نمنع قدرتهم على إطلاق الصواريخ ، وسنقطع أي اتصال اقتصادي عنهم، وسوف نمنع عنهم الماء و الكهرباء ". بنيامين نتنياهو 22 كانون الاول/ ديسمبر 2008.

ـــ " حماس ... ستدفع هذه الحركة ثمنا غاليا لإطلاق الصواريخ من غزة نحو إسرائيل، والأيام المقبلة ستثبت لحماس من الذي سيخضع ". وزير الحرب إيهود باراك 2009.

وهنا نلاحظ أن هؤلاء الوزراء ذهبوا وبقيت غزة ومقاومتها وصواريخها، ونلاحظ أن نوايا نتنياهو القديمة تتطابق مع ما يفعله هذه الأيام من حصار شامل، أضيف إليه حرب الإبادة وتصريحات وزير من حكومته حول النسف الشامل للقطاع بقنبلة نووية!

هنا نحن أمام مسار تطور منذ "عملية السلام" المزعومة، وعقيدة كيسنجر التي حكمت المنطقة بعد إخراج مصر من الصراع والإيحاء بأن أمريكا طرف وسيط ونزيه ويرعى السلام بالمنطقة وطرف مقبول لجميع الأطراف بمن فيهم منظمة التحرير التي قادت المقاومة.

أي أن العقيدة التي سادت هي قبول مفترض لأمريكا لدى كل من المقاومة والأنظمة يستوجب قبولا بالأمر الواقع وهو حدود 1967 كحد أقصى لطموحات الجميع، ويبدأ منه التفاوض، وانتهاء المطالبات بقرار التقسيم ناهيك عن فلسطين الكاملة من النهر إلى البحر واعتبارها في إطار الشعارات التي عفا عليها الزمن وتجاوزها الأمر الواقع.

وفي هذه العقود، لم يكن خافيا على الأنظمة، ولا الشعوب، وبالطبع على حركات المقاومة، رعاية أمريكا للكيان وضمان تفوقه، وممارسات التصفية التدريجية للقضية بمؤتمرات تسويغ الاستسلام ونزع شرعية المقاومة، ناهيك عن رعاية التطبيع وحصار المقاومة ودولها.

لكن مع طوفان الأقصى وزيارة بايدن وبلينكن بعد الطوفان مباشرة وما أبدوه من توحد كامل مع الكيان ورعاية كاملة لجرائمه، وإرسال البوارج لتهديد من يحاول الاشتباك مع الكيان، وإرسال المدرعات والذخائر والقنابل بما فيها المحرمة دوليا، بل وارسال الوحدات الخاصة وجنود المارينز للحرب كتفا بكتف مع جنود جيش الحرب الصهيوني، فماذا بقي إذن للأنظمة والشعوب من عقيدة كيسنجر ومسارها.

اليوم عملية طوفان الأقصى تثبت بشكل جلي صحة خيار المقاومة وتوصيفاتها للصراع وأطرافه، وأقيمت الحجة كاملة ولم يعد هناك تباينات في وجهات النظر أو خيارات متعددة، وبقي خيار المواجهة خيارا وحيدا ووجوديا.

وهنا نسأل، هل توضع لقاءات المسؤولين العرب مع اي مسؤول امريكي تحت بند المحادثات الدبلوماسية والتعاون لوقف الحرب والتوصل لحل للقضية، أم أن العنوان الصحيح هو التفاوض المباشر مع طرف أمريكي أعلن الحرب ويقوم برعايتها وتمويلها بالمال والسلاح؟

ان العنوان هنا يحدد الخطوات، فالتفاوض مع طرف يشن العدوان غير التفاهم مع وسيط يناقش صيغة للحل.

ولو تعامت الأنظمة عن هذه الحقيقة التي أعلنها الأمريكي صراحة، فكيف للمقاومة أن يكون مطلوبا منها التعامي عنها وقد كان هذا وسيظل هو توصيفها الدائم!

هنا نحن أمام محطة جديدة فاصلة، وحقيقة سياسية يجب أن تذكر صراحة دون مواربات، وهي أن كل نظام يتعاطى مع أمريكا باعتباره وسيطا هو نظام شريك لأمريكا والصهاينة في دماء الشهداء وهو نظام معادي للشعوب وهو كيان وظيفي لخدمة الاستعمار مثله مثل الكيان المؤقت تماما.

لم تعد الأمور هنا تحتمل توصيفات من قبيل التخاذل أو الضعف أو المهادنة أو حتى العمالة، بل التوصيف الوحيد المقبول والمتسق هو الشراكة في العدوان وهو ما ينزع شرعية هذه الأنظمة ويجعلها سلطات احتلال وليست سلطات وطنية تخضع لتوصيفات الديمقراطية والاستبداد وغيرها من التوصيفات.

إن طوفان الأقصى وتدحرجاتها أنهت عقيدة كيسنجر وأزالت قناعها الائف الذي احتمت به الأنظمة التي لوحت زورا بأنها قطعت البترول وهي تدشن لمرحلة البترو دولار، وأنها طبعت لمصلحة الشعب الفلسطيني، ثم وصلت حاليا لوجه تدافع به عن جرائم الكيان وتصد صواريخ المقاومة المنطلقة عبر دفاعاتها الصاروخية الأمريكية، وتستخدم مطاراتها والقواعد العسكرية الأمريكية على أراضيعا لإمداد العدو بالذخائر والقنابل، وربما تشارك بعض طائراتها في قصف غزة!

هي مرحلة جديدة عنوانها التحرر الوطني ومن خرج عن معسكر المواجهة والمقاومة بكل السبل سواء العسكرية أو الاقتصادية أو الدبلوماسية فهو عميل صريح وشريك بالعدوان ينبغي مقاومته تماما كما تتم مقاومة الصهيوني والأمريكي.

إقرأ المزيد في: طوفان الأقصى