معركة أولي البأس

طوفان الأقصى

واشنطن تلتف على استدراج نتنياهو بإدارة دفّة الحرب.. وتحاذر التصعيد خوفاً من طوفان الشمال
18/10/2023

واشنطن تلتف على استدراج نتنياهو بإدارة دفّة الحرب.. وتحاذر التصعيد خوفاً من طوفان الشمال

محمد أ. الحسيني                    

تجاوز "طوفان الأقصى" عشريته الأولى على وقع مجموعة من المعطيات المتداخلة التي تجعل من الصعب تقدير مآل المواجهة المشتعلة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وكل المنظومة الغربية وغالبية العرب عسكرياً وسياسياً، وبالحصار داخلياً وخارجياً لكلّ ما يمت لفلسطين وللفلسطينيين بصلة؛ ومردّ هذا التداخل يعود بشكل أساسي إلى الجانبين الأمريكي والإسرائيلي، فعلى الرغم مما يبدو من دعم أمريكي مفتوح لإسرائيل وفي المجالات كافة، إلا أن المجريات الميدانية لا تزال بعيدة عن تنفيذ تهديدات رئيس حكومة الطوارئ الإسرائيلية بنيامين نتنياهو النارية، وتوعّد وزرائه المتحمّسين لسحق حركتي حماس والجهاد، وتسوية قطاع غزة بالأرض وتغيير الشرق الأوسط؛ وهي تهديدات سقطت إلى الآن أمام استمرار إطلاق المقاومة الفلسطينية صواريخها باتجاه المستوطنات والمدن الصهيونية وفي مقدمتها "تل أبيب".

تهديدات نتنياهو بلا رصيد

تستمر المقاومة الفلسطينية متماسكة وعلى أعلى مستوى من الاستعداد والجهوزية، وسط معلومات مؤكدة بأن أطنان الصواريخ والمتفجرات التي أطلقتها آلة الحرب الإسرائيلية لم تستطع أن تمسّ بالقدرات العسكرية للمقاومة في قطاع غزة، وكل ما استطاعت إنجازه هو ارتكاب المجازر الفظيعة بحق المدنيين، وهذا يعني أن المقاومة لا تزال تمتلك زمام المبادرة وإمكانية فرض الوقائع الميدانية وفق المخطط المرسوم، أما في المقابل بدأ التخبّط على المستويات السياسية والعسكرية والإعلامية يظهر بشكل عميق إلى العلن، وتبيّن أن المواقف الأمريكية العالية السقف حول دعم نتنياهو وحكومته في تحقيق أهدافه لم تكن سوى جرعة معنوية لم تجد ترجمتها الفعلية على الأرض، بل بدأت تظهر من خلال التصريحات الأمريكية والإسرائيلية المستجدّة أن ما قيل عن توغّل برّي إسرائيلي لم يعدُ كونه سوى موقف مستعجل أطلقه نتنياهو تأثراً بهول الصدمة التي سببتها المقاومة الفلسطينية في الطوفان الذي اجتاح مستوطنات غلاف غزة، وما أسفر عنه من آلاف القتلى والجرحى ومئات الأسرى والمفقودين، بما لم تشهده "إسرائيل" من نكبة قاتلة منذ إنشائها عام 1948.

نتنياهو يستدرج واشنطن

ويرى مراقبون أن نتنياهو يعمل على استدراج واشنطن للتورّط في مواجهة واسعة لتحقيق مجموعة من الأهداف، لا تقف فقط عند ضرورة استرجاع هيبة "إسرائيل" التي تحطّمت بفعل الطوفان الفلسطيني، وأهمها:

- إعادة تعويم نتنياهو لنفسه كشخصية مرجعية داخل "إسرائيل"، ومحاولة الهروب من السقوط المتوقّع (وهو حتمي كيفما آلت إليه الأمور) الذي ينتظر نتنياهو في ظل مواقف المعارضة التي تحمّله مسؤولية دمار "إسرائيل" وتهشيم التماسك الداخلي في النسيج السياسي.

- استعادة بوصلة الإهتمام الأمريكي إلى "إسرائيل" كمشروع استراتيجي، خصوصاً بعدما انصرفت واشنطن بشكل شبه كلّي إلى المواجهة مع المعسكر الشرقي ارتباطاً بحرب أوكرانيا، وهو ما يراه نتنياهو إضعافاً للالتزامات الأمريكية بحماية "إسرائيل" وتكريس تفوقها الحاسم في المنطقة، في مقابل تفوق قوى محور المقاومة.

- ترميم العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية التي تضرّرت نتيجة بعض الخطوات التي أقدم عليها نتنياهو ولم تحظ بموافقة ورضا واشنطن، ولا تنسجم مع الاتجاه الأمريكي بإرساء تسوية شاملة في المنطقة، للتفرغ للمواجهة مع روسيا والصين.

- إقحام واشنطن بشكل مباشر في سبل إيجاد حل مستدام للعقدة الأمنية الإسرائيلية الناجمة عن تعاظم قوى المقاومة في فلسطين، بحيث لم تنجح الاجتياحات السابقة في إضعافها، بل أدّت إلى تقويتها أكثر، حتى لو أدّى هذا الأمر إلى إشعال فتيل حريق كبير في المنطقة، لثقة نتنياهو بأن الولايات المتحدة ستبادر إلى إعادة ترتيب المعادلات السياسية والأمنية لمصلحة "إسرائيل".

بلينكن يستنفر العرب

ويرى المراقبون أن مسارعة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وزميله وزير الحرب للويد أوستن إلى تل أبيب لم يهدف إلى شد أزر نتنياهو بقدر ما كان إجراءً يهدف إلى:
- وضع اليد على الإدارة السياسية والعسكرية والأمنية وجعلها تحت الإشرف الأمريكي المباشر.
- ضمان عدم توسيع دائرة المواجهات، وانزلاق الأمور الحربية إلى ما لا يحمد عقباه.
- السعي إلى عزل المقاومة الفلسطينية ميدانياً وحصر المعركة في حدود قطاع غزة.
- محاولة الالتفاف على النصر الميداني الاستراتيجي التي حققته المقاومة من خلال محاصرتها سياسياً بطوق عربي – إسلامي.

لكن – يضيف المراقبون – أن الأمريكي لم يستطع حتى اليوم من تحقيق أي نتيجة، فهو لم يحصل على أي جواب على الرسائل التي بعث بها إلى قيادة المقاومة الإسلامية في لبنان، والتي هدفت إلى طمأنته إلى عدم التدخل في الحرب وإشعال جبهة الشمال الفلسطيني، ولم يحصل حتى الآن على تعهّد من العواصم العربية بإنشاء حلف غربي – عربي لإنهاء حالة المقاومة ضد "إسرائيل" والتأسيس للتسوية الشاملة في المنطقة.

جيش العدو غير جاهز

ويلفت المراقبون إلى بدء تصاعد الحديث عبر مصادر إسرائيلية متعددة، سياسية وعسكرية وأمنية، تجزم بعدم جهوزية جيش الاحتلال "للدخول في عملية برية وشيكة، بما لا يتطابق مع المواقف المعلنة"، فيما ترسم تحليلات إعلامية إسرائيلية علامة استفهام كبيرة مفادها: "إن الدخول البري إلى غزة يحتاج إلى معلومات استخبارية ضخمة، لكن المشكلة هي كيف نثق بجهاز استخبارات فشل في جلب المعلومات عن هجوم 7 تشرين الأول؟!"، ويقود هذا المتغيّر إلى طرح سؤال آخر مفاده: "هل ستعمد واشنطن إلى ترجمة الدعم المعنوي إلى غطاء شامل يتماهى مع السقف العالي لتهديدات نتنياهو، في ظل تأكيدها على عدم نشر أي وحدات عسكرية أمريكية مقاتلة في فلسطين؟ وكيف ستتم ترجمة التحذيرات التي وجهها الرئيس الأمريكي جو بايدن وزميليه الفرنسي والألماني إيمانويل ماكرون وأولاف شولتس إلى إيران من مغبة عدم التدخل؟

متى يتحرك طوفان الشمال؟

يجيب المراقبون بأن الردّ جاء سريعاً على لسان آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي الذي أكد أنه "مهما فعل الكيان الصهيوني فلن يستطيع أن يعوض الهزيمة الفاضحة التي تعرض لها"، وكذلك على لسان الرئيس ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان اللذان أكدا بأن "وقت الحلول السياسية يوشك على النفاذ واحتمالية توسّع الحرب إلى جبهات أخرى تقترب من مرحلة لا مفر منها"، وبموازة ذلك تتعاطى قيادة المقاومة الإسلامية في لبنان حيال كل الصخب الجاري ببرودة عاقلة وهدوء حكيم ومتابعة دقيقة، في حين يواصل المجاهدون على الحدود، مع فلسطين المرتقِبة للتحرير، توجيه الرسائل الميدانية بالنار، بأن المقاومة على أتم الجهوزية للتحرّك الشامل والفعّال حال تلقيها القرار، وأن دائرة إفراغ المستوطنات في الشمال لا بد أنها آيلة للإتّساع، ولن تنفع التحشّدات العسكرية الإسرائيلية في منع "طوفان الشمال" التي ستنفّذه وحدات المقاومة في الوقت المناسب في حال أرادت.

إقرأ المزيد في: طوفان الأقصى