طوفان الأقصى
طوفان الاقصى.. إنه القيامة وبداية نهاية الاحتلال
شارل أبي نادر
في الحقيقة، وبكل موضوعية وتجرد، لقد ترددت كثيرا قبل ان أبدا بكتابة مقالتي هذه عن عملية طوفان الاقصى، التي نفذتها فجر الامس وحدات المقاومة الفلسطينية ــ حماس وغيرها من الفصائل الاخرى ــ والتي ما زالت جارية حتى الساعة، داخل مستوطنات غلاف غزة على أراضي فلسطين المحتلة، والجارية ايضا في عروق ووجدان كل مقاوم ومجاهد ومناضل ومفكر، يؤمن وعن حق وصواب، بان إسرائيل إلى زوال.
ترددت لانه من الصعوبة فهم وتفسير ما جرى من الناحية العسكرية، حيث نتكلم عن هجوم واسع مباغت، نفذته المقاومة الفلسطينية، من عن سطح الارض بشكل مكشوف، سيرا وركضا وبواسطة اليات ميدان سريعة ودراجات نارية، ومن تحت الارض عبر انفاق لا أحد يعلم اولها من آخرها او مداخلها من مخارجها، ومن فوق الارض، عبر سلسلة من المقاتلين الطائرين بطائرات مظلية ، والذين تجاوزا بكل سهولة وثقة، اجواء خطوط المواجهة بين القطاع وبين المستوطنات شمالا وشرقا، ليحطوا في شوارع واحياء تلك المستوطنات بكامل عتادهم العسكري.
وحيث نتكلم ايضا عن مناورة صاروخية اطلق خلالها وفي غضون دقائق، اكثر من 5000 صاروخ وقذيفة من كافة الاحجام والمديات، وعلى مروحة واسعة من المدن والمستوطنات داخل الاراضي المحتلة، من الصعوبة فهم وتفسير هذا الفشل الاستعلامي الذريع للعدو ولاجهزته الامنية والمخابراتية، والتي عجزت عن التقاط اي معلومة ولو بسيطة، عن تحضيرات ضخمة وواسعة لعمل مهول، بقيت سرية بامتياز لاشهر وربما لسنوات ، ولتحصل عملية واسعة وبلمح البصر، نفذها آلاف من المقاتلين المجهزين بكامل العتاد المناسب للاقتحامات الخاصة، وعلى طول جبهتي القطاع الشمالية والشرقية، متوغلين حتى عسقلان شمالا واوفاكيم شرقا ولمسافات تجاوزت احيانا أكثر من 40 كلم عن حدود القطاع.
" طوفان الاقصى": عملية استثنائية بكل ما للكلمة من معنى، في الشكل وفي المضمون وفي الابعاد وفي الرسائل.
عملية غير عادية وغير تقليدية، حيث لم يكن يتخيل احد انها تحصل بهذه الطريقة وبهذه الجرأة، وحيث لم يكن احد ليصدق ما رأه وما زال يراه ــ حيث ما زالت العملية مفتوحة على كافة الاحتمالات في المكان وفي الزمان ــ من اشتباكات داخل مستوطنات مسلحة ومجهزة ببنية عسكرية غير بسيطة، او اقتحامات صادمة لثكنات ومراكز عسكرية إسرائيلية، تتكدس فيها الدبابات والمدرعات واعتدة المراقبة والرصد، فيدخلها المقاومون، ويشتبكون مع عناصرها ويقتلون ويصيبون منهم البعض ويأسرون البعض الآخر المتبقي، وكأنهم ينفذون مناورة تدريبية، حفظوا تفاصيلها عن ظهر قلب لكثرة ما تمرنوا عليها، وباتوا يتحكمون بكل زواياها واجنحتها وساحاتها ومخازنها وملاجئها.
عملية استثنائية في الشكل والمضمون ايضا، حيث غابت عن دورها وكأنها غير موجودة، او كأنها معطلة، إجراءات الرصد والمراقبة وشبكات الدفاع الجوي ورادراتها المتشابكة مع بعضها، فكانت هذه المظلات الطائرة بالنسبة لها، وكأنها طيور الخريف تبشر بفصل جديد تنتظره سماء فلسطين والمنطقة باسرها.
نعم هو فصل جديد من الكرامة والقوة والعنفوان، صنعه مقاتلو ومجاهدو المقاومة الفلسطينية في طوفان الاقصى، هو فصل جديد وغريب وغير منتظر... سوف يفرضه الفلسطينيون بعد هذه العملية وما غنموه فيها من موقع ومن موقف ومن قوة وثبات، وسوف يفرضه الفلسطينيون ايضا من خلال ما استطاعوا الفوز به من عشرات الأسرى الصهاينة، عسكريين ومستوطنين، سيشكلوا حتما نقاطا قوية للتفاوض، وعلى طريق التحرير الكامل، سيكون هؤلاء الاسرى الصهاينة، مفتاحا فاعلا وفاصلا لتحقيق الكثير من المطالب والحقوق وأهمها: حماية المقدسات والحرية لاغلب الأسرى في سجون العدو .