وكان حقّاً علينا..
14 آب 2006: الإعمار والإيواء.. المقاومة تحفظ شعبها
خاص العهد
دمّر العدو الاسرائيلي بقصفه الهمجي على الحجر والبشر خلال حرب تموز 2006 في الضاحية الجنوبية لبيروت وحدها 228 مبنى تتضمن 3637 وحدة سكنية، و1187 محلاً تجارياً، والعديد من المستودعات والمكاتب. ومع تعدّي أرقام النازحين، بسبب العدوان، الى المدارس والحدائق العامة والشقق المستأجرة الـ20 ألفًا، تقصّد العدو إحداث أزمة انسانية أرادها طويلة الأمد، وأرادتها المقاومة قصيرة، فكانت "وعد" لإعادة الإعمار.
صبيحة 14 آب 2006، تسابق النازحون مع أولى دقائق وقف إطلاق النار لينزعوا عنهم صفة "النازحين"، ويعودوا الى قراهم ومدنهم، ولو فوق ركام المنازل المهدمة، والأحياء فاقدة المعالم، إلا من عنفوان وروح صمود. هذه العودة الطوعية دون نداء أو توجيه أو طلب من القيادة أو الإعلام المعبّأ، جاءت كاستجابة فطرية لشعب تشرّب حب الأرض وترابها، واعتاد أن يعقد آماله حيث يثق، بقيادة أمينة وعدته بإعادة الإعمار الفورية، رغم تسويف وتآمر من كان في مركز السلطة آنذاك.
ساعات على وقف إطلاق النار. مقاومون يرصدون التزام العدو المهزوم بشروط القرار 1701، ومقاومون يفاوضون على الجبهة الديبلوماسية الداخل والخارج، ومقاومون كذلك على خط الإعمار، يخططون، يوزعون المهام، بعضهم يرتدي القبعات تحت حرّ الشمس، يقود الجرافات لرفع الأنقاض، آخرون يساعدون الأهالي في عبور الركام، شبّان يرفعون الخيم عند كل شارع، المعنيون بمراجعات الأهالي يتوزعون عند كل خيمة. عملية توزيع التعويضات بدأت، ومن هناك ولد مشروع "وعد" لإعادة إعمار الضاحية الجنوبية بشعار يحمل الروحية التي أعلنها لاحقًا مديرها المهندس حسن جشي "نعدك يا سماحة الأمين العام أن نكون اليد السمراء التي تنفذ وعدك".
"وعد" التي قامت بمسح دقيق للأبنية المتضررة توصّلت إلى حصيلة وجود 281 مبنى مهدماً بشكل كلي أو جزئي، أعادت إعمارها وترميمها دون انتظار تمويل من الدولة التي ضاعت في "جيوبها" الهبات الكثيرة التي صرفت من الدول الداعمة في حينها. وفي العام 2012، كانت "وعد" قد أنجز تقريبًا مشروعها ووعدها، دون أن يتشرّد أحد من السكان الذين دمّرت منازلهم، حيث أمّن حزب الله لكل عائلة دمّر منزلها أو تضرر إلى حدّ عدم أهليّة السكن، مبالغ مالية تكفي لاستئجار منازل بديلة ريثما تتسلم مفاتيح شققها.
وفي الحديث عن الايواء والإعمار وحفظ ماء وجه شعب المقاومة، لا بد من ذكر قائد قوة القدس الشهيد الحاج قاسم سليماني الذي لم يتوقف دوره في مساندة المقاومة خلال الحرب بالامداد والسلاح والدعم المعنوي، ولا اكتفى بأن رأى النصر بعينيه في 14 آب، لكنه كان سبّاقًا بالتفكير بما بعد الانتصار، بخطة الايواء وعودة النازحين وتأمينهم. وفي هذا يقول الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله: "بقي الحاج قاسم معنا كل أيام الحرب بكل صعوباتها، الى 14 آب عندما أصبح واضحاً وقف إطلاق النار، والحرب وضعت أوزارها وقبلها بعدة أيام أصبح واضحاً أن الحرب ستتوقف، حصل نقاش بيني وبينه ومع الاخوان، قال حسناً الحرب ستتوقف وانا بعد انتهاء الحرب سأغادر الى طهران، ماذا تطلبون مني؟ قلنا له يا حجي عندما تتضع الحرب أوزارها أول استحقاق سيكون أمامنا هو المهجّرون، والبيوت المهدّمة، والناس التي ستعود ولن تجد بيوتاً، نحن نحتاج الى مبلغ كبير وسريع جداً لأنّه لدينا مشروع ما سمّي في ذلك الوقت بمشروع "الإيواء"، حتى لا تبقى الناس في الطرقات، إنه ثاني يوم وثالث يوم من انتهاء الحرب نعطي للناس إمكانية مالية معيّنة ليستأجروا منازل خلال سنة ويؤمنوا أثاث منزل ولو أثاثًا متواضعًا، ونبدأ بعملية ترميم المنازل المتضرّرة، وبالفعل كانت هذه أولويته المطلقة ووصل الى طهران في اليوم الثاني. كان يؤمّن لنا هذا الدّعم الذي حفظ ماء وجوهنا جميعاً، ولم يبق أحد منا جميعاً في الشوارع والطرقات، وفي أماكن التهجير، وعُدنا الى بيوتنا ورممناها، ولاحقاً كانت المساهمة الايرانية الكبيرة في الإعمار سواء عن طريق الدول أو بالمباشر من خلال مؤسّساتنا".