وكان حقّاً علينا..
الفزعة الخليجية تجاه لبنان: تموز يُنصف المُخلصين
لطيفة الحسيني
بقدر ما شكّلت حرب تموز/يوليو 2006 مُنعطفًا في المعركة المفتوحة مع العدو، بقدر ما استطاعت كشف المُحبّ والمؤيّد لنهج المقاومة. خارج الحدود اللبنانية، كانت الشعوب العربية تُسطّر موقفها التاريخي من عدوان الـ33 يومًا. أهل الخليج برزوا في المشهد الداعم للبنانيين ومقاومتهم وما تُحقّقه في ميدان القتال. "فزعة" شعبية حقيقية عاشتها الكويت والقطيف والمنامة تحت عنوان واحد: "نحن معكم للنهاية".
قبل 17 عامًا، لم يتردّد أبناء الخليج في الخروج الى الطرقات لمؤازرة الشعب اللبناني في مواجهة آلة القتل الاسرائيلية. تحدّوا أنظمتهم وسياساتها كي يُسجّلوا كلمة للتاريخ: لا تخلّيَ عن الحقّ في هذا النزال. لم تكن مؤشرات التطبيع القادم بعد 14 سنة قد ظهرت، في الحدّ الأدنى علنًا.
كويت الصباح حاضنةٌ لبيئة المقاومة
كويتُ الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح أدّت قسطها للعلا. بانَت عروبة الإمارة بُعيد تسلّم الشيخ الراحل مقاليد الحكم. عادت القضية الفلسطينية الى الحضن الكويتي الرسمي عقب سنوات من الجفاء الذي سبّبه تأييد منظمة التحرير للغزو العراقي للكويت. الصبّاح الذي أسرّ لرئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم يومًا أنه لا يريد أن يُقابل ربّه وهو مصافح للصهاينة، سمح وسهّل لشعبه التظاهر مساندةً لمقاومة لبنان وناسِها.
في تموز/يوليو 2006، نزل ألفا مواطن كويتي الى الشارع، وتحديدًا أمام السفارة الأمريكية للتعبير عن غضبهم جراء وقوع مجزرة في بلدة قانا في جنوب لبنان نفّذتها طائرات الاحتلال، استشهد فيها 57 شخصًا معظمهم من الأطفال والنساء، بعدما أصدرت الحكومة الكويتية بيان إدانة للفعلة الاسرائيلية البشعة.
هؤلاء جميعًا رفعوا أعلام المقاومة وقائدها، وهتفوا بالتأييد لها حتى النصر، لكنّ حكومتهم لم تكتفِ بالتحرّكات الشعبية، بل بادرت الى نجدة اللبنانيين عمومًا والجنوبيين خصوصًا في مِحنتهم ومظلوميّتهم. تُرجم ذلك عبر الأموال التي صُرفت لغرض الإعمار والإغاثة.
بلغة الأرقام، قدّمت الكويت رسميًا 500 مليون دولار لدعم مصرف لبنان، و300 مليون دولار لإعادة إعمار ما دمّره العدو.
اتفاقيات بالجُملة وُقعّت لتمويل وترميم مشاريع حيوية (بنى تحتية - صروح صحية - مياه - طرقات - ترميم قلعة الشقيف) في القرى الجنوبية (21 بلدة) والضاحية الجنوبية لبيروت وصولًا الى مدينة بعلبك، فضلًا عن مُساهمات فردية مباشرة من الشعب الكويتي.
هذا العوْن انسحب على مشاركة دُعاة بارزين في الكويت في "نداء من علماء الأمة الإسلامية"، يضمّ 169 شخصية من الخليج والعالم الإسلامي، ويدعو لدعم ونصرة المقاومة اللبنانية، من بينهم أحمد القطان وجاسم مهلهل آل ياسين وجمعان الحربش.
أوفياء البحرين ينصرون المقاومة
في البحرين، النصرة الشعبية ضاربةٌ في عمق أرض "أوال". النظام حينها لم يكن يُجرّم أيّ تعاطف مع المقاومة بوجه العدو الاسرائيلي في لبنان أو فلسطين، ومجلس النواب سارع الى التنديد بجرائم الصهاينة بحقّ الجنوب اللبناني. مجلس 2006 في المنامة كان ممثّلًا شرعيًا للشعب البحريني، يعكس توجّهاتهم الوطنية والقومية والعربية، لذلك أكد رفضه التام لـ"كافة العمليات الوحشية والاجرامية التي يقوم بها العدو الصهيوني تجاه الأبرياء وتدمير البنية التحتية"، مُعلنًا تضامنه ودعمه للدولة والشعب اللبناني وحقّه المطلق في الدفاع عن أرضه والذود عن أرواح مواطنيه، مُعربًا عن أسفه البالغ "لعجز الدبلوماسية الدولية عن إنهاء المذابح اليومية والتحيّز الواضح والصمت الذي أعطى مُسوّغًا للعدو الصهيوني لاستمرار جرائمه ضد الشعب اللبناني".
الاستنكارات آنذاك لم تقف عند حدود الموقف الرسمي لبرلمان المملكة، بل شملت أبرز الجمعيات المحلية كالجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، والتحالف البحريني للمحكمة الجنائية الدولية، وجمعية المحامين، والمركز البحريني لحقوق الإنسان، وجمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان، والتي قرّرت سويةً مراسلة الرئيس الفرنسي حينها جاك شيراك لوقف الحرب الإسرائيلية ضد لبنان.
واستُكملت الخطوة بزيارة 30 شخصية تمثّل مختلف أطياف المجتمع المدني البحريني لبنان بعيد العدوان تعبيرًا عن مؤازرتها الشعب، بموازاة توزيع الهلال الأحمر البحريني واللجنة العليا لدعم الشعب اللبناني المساعدات في لبنان.
الوقفة الأهمّ في كلّ هذا المشهد كانت في الشوارع، حيث خرج آلاف البحرينيين في المنامة إبّان الحرب تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي الوحشي المتواصل على الأراضي اللبنانية، هاتفين بدعم المقاومة اللبنانية في نضالها ضد الهجمة الإسرائيلية.
بحسب وكالة الأنباء البحرينية، ما يزيد عن ثمانية آلاف شخص حملوا لافتات تدعم المقاومة وصورًا للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وأعلام المقاومة ولبنان. ووفق وزارة الداخلية، 15 ألف شخص شارك حينها في المسيرة في شارع الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة تضامنا مع الشعب اللبناني.
حشودٌ كبيرة لم تُبارح طرقات العاصمة إبّان الحرب كي تُثبت وفاءها لخطّ الجهاد في سبيل الله. على رأس هؤلاء، كان الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامي الشيخ علي سلمان حاضرًا بقوّة. نزل مع أبناء شعبه وخطب بينهم قائلًا إن "حرب "اسرائيل" ليست حربًا شريفة، لأنهم يستهدفون ضرب البنية التحتية للأبرياء مثل المدارس والمستشفيات والمطارات والحسينيات"، مؤكدًا "حق لبنان المشروع في المقاومة"، ودعا إلى "استمرار الفعاليات الشعبية حتى ردع الاحتلال".
مسيرتان شعبيّتان عظيمتان شهدتهما المنامة في عزّ المعركة العسكرية الدائرة بين المقاومة في لبنان والعدو الصهيوني، استطاعتا أن تجمعا مختلف أطياف المجتمع البحريني تحت عنوان واحد: "نصرة الشعب اللبناني".
التضامن الشعبي البحريني في تموز 2006 تُرجم كذلك في رعاية جمعيتيِ الوفاق والتوعية مهرجان "لبيك يا مقاومة" الذي أقيم وقتها في مركز البحرين الدولي للمعارض بتنظيم من اللجنة الأهلية لمناصرة الشعب اللبناني.
فعاليات المهرجان تضمّنت برامج خطابية وشعرية وإنشادية، ومعرضًا مصورًا ومرسمًا حرّا وشاشات عرضت أفلامًا وفلاشات وتقارير متلفزة، الى جانب مركز لجمع التبرعات، في مشهد عكس حجم التفاعل مع معاناة الشعب اللبناني.
فنيًا، لمع إصدارٌ للمُنشد والرادود البحريني الشيخ حسين الأكرف بعنوان "الوعد الصادق"، انتشر على نطاق واسع في دول الخليج وصولًا الى لبنان. عملٌ جليٌّ يُظهر مدى الالتفافة الشعبية العفوية في البحرين حول قضية عربية مُحقّة ومظلومية فاقعة تحدث على مرأى من العالم المتواطئ والمُتخاذل.
أهل القطيف الى جانب المقاومة
السعودية التي يُحاصر فيها أيّ تعبير قومي، تمكّن الكثير من أبنائها من خرق الحظر المفروض. في تلك المرحلة، أعلنت مجموعة ممّن كانوا يوصفون بأنهم علماء "البلاط" تأكيدها على وحدة الصف ضد العدوان الإسرائيلي على الشعب اللبناني، إبراءً للذمّة وشهادةً للتاريخ، مطالبةً الدول العربية والإسلامية بمقاطعة "إسرائيل" سياسيًا واقتصاديًا والتخلّي عن أوهام السلام معها.
مجموعة العلماء تضمّ 169 شخصية من السعودية والخليج على رأسها الشيخ عوض القرني، والشيخ علي بادحدح، والداعية خالد الدويش، والشيخ خالد العجيمي، والدكتور عبد الله الحامد.
القطيف لم تكن بعيدة عن موجة التضامن الشعبية في عموم البلدان العربية. أهالي القطيف وصفوى شاركوا في مظاهرات مؤيّدة للمقاومة في لبنان ضد العدوان الإسرائيلي. التحرّكات لم تخرج في يومٍ واحد، بل على مدى 3 أيام. نشاطٌ تحدّى اللغة الأمنية المتّبعة في المملكة، ولا سيّما في ظلّ صدور بيان رسمي عن السلطات السعودية ينتقد أسر حزب الله لجنديين إسرائيليين، معتبرًا ما حدث مغامرة غير محسوبة وضد مصلحة لبنان، وفق قولها.
أكثر من ألفيْن من أبناء القطيف خرجوا في مظاهرات للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على لبنان ودعمهم لحزب الله، فيما نزل المئات الى الشوراع في مظاهرة مماثلة في الدمام.
المشاركون في الفعاليات حينها هتفوا قائلين "لا شيعية لا سُنية وحدة وحدة إسلامية"، و"نصر الله يا حبيب اضرب اضرب تل أبيب"، وعلى الرغم من كلّ هذا الحراك، تعمّدت صحف المملكة تجاهل ما يجري.
قطر.. دعم سياسي ومالي
لم تكن الصورة في قطر والإمارات وسلطنة عمان مُماثلة عن ميادين الكويت والبحرين والقطيف. لا نشاطات شعبية على الأرض، لكنّ المواقف الرسمية عكست النوايا والسياسات المعلنة في خضمّ ما يتعرّض له لبنان. قطر سارعت الى انتقاد موافقة بعض الدول العربية على العدوان الإسرائيلي على لبنان للقضاء على حزب الله.
النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الخارجية القطرية وقتها حمد بن جاسم قال إن موقف بلاده الداعم للبنان جاء تعبيرًا عن الشارع القطري، مشدّدًا على أن "التخاذل العربي غير غريب لكن الموافقة هي الغريبة، إعطاء الضوء الأخضر بشكل مباشر لإكمال هذا الموضوع، هذه هي العملية الخطيرة".
بعد انتهاء العدوان الاسرائيلي، تفرّغت قطر لعملية إعادة إعمار جزء كبير من جنوب لبنان، فيما زار أميرها حمد بن خليفة بيروت مُتفّقدًا الدمار في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومُطلقًا عجلة المساعدات المالية للبلد، ليكون الرئيس العربي والخليجي الوحيد الذي يحطّ في لبنان عقب الحرب مباشرة.
حرب تموز 2006عدوان تموز 2006الخليج