معركة أولي البأس

تكنولوجيا وأمن معلومات

عيون في السماء: الأقمار الاصطناعية عالم مذهل
07/02/2024

عيون في السماء: الأقمار الاصطناعية عالم مذهل

علي أبو الحسن

الأقمار الاصطناعية هي أدوات تقنية صممت ببراعة لتدور حول الأرض أو الأجرام السماوية الأخرى. وأضحت تعتبر جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث تلعب دورًا مهمًا في مجالات الاتّصالات، الأرصاد الجوية، الاستكشاف الفضائي، وحتّى في الجوانب العسكرية والأمنية والتجسس.

الرحلة نحو استكشاف الفضاء بدأت عندما أطلق الاتحاد السوفياتي أول قمر اصطناعي، "سبوتنيك 1"، في 4 تشرين الأول/ أكتوبر 1957. هذا الحدث شكّل نقطة تحول في التاريخ البشري، معلنًا بداية عصر الفضاء.

الأقمار الاصطناعية تعمل بفضل مجموعة من عوامل التكنولوجيا المتقدمة، حيث تستخدم ألواح الطاقة الشمسية لتوليد الطاقة، وأنظمة الاتّصال المختلفة لنقل البيانات إلى الأرض. تثبت هذه الأقمار في مداراتها عبر مبدأ السرعة المدارية، حيث توازن بين جاذبية الأرض والسرعة اللازمة للبقاء في المدار، وهي بشكل عام تدور خارج الغلاف الجوي للأرض، في الفضاء الخارجي. هذا يسمح لها بأداء مهامها دون التأثر بالعوامل الجوية للأرض. ويتم التحكم بالأقمار الاصطناعية من محطات أرضية ترسل إشارات توجيهية. هذا التحكم يشمل تعديل المدار، تشغيل الأدوات، وجمع البيانات.

هناك أنواع متعددة من الأقمار الاصطناعية، بما في ذلك الأقمار الاصطناعية المعدة للاتصالات، الأرصاد الجوية، الاستشعار عن بعد، الأبحاث العلمية، العمليات التجارية، تحديد الأماكن، مراقبة الأرض، البث التلفزيوني، المراقبة في حالات الطوارئ والكوارث، ولأهداف عسكرية مثل توجيه الأسلحة والتجسس والتعقب والحرب الإلكترونية، وفي ما يخص الدور التجسسي، تستخدم بعض الأقمار الاصطناعية للتصوير والتنصت، مما يمكن الدول من مراقبة مناطق معينة عن كثب، ووجدت إحدى الدراسات أنه لا يوجد مكان على وجه الأرض آمن من التلوث الضوئي الناتج عن الأقمار الصناعية [1].

ويختلف العمر الافتراضي للقمر الاصطناعي إذ يتراوح عادة بين 5 إلى 15 سنة، بناءً على تصميمه والبيئة المدارية التي يعمل بها، وحاليًا، هناك آلاف الأقمار الاصطناعية في الفضاء، تابعة لدول مختلفة وبعضها لمنظمات خاصة، تم حتّى الآن إطلاق حوالي 11 آلف قمر منها حوالي 7500 قمر نشط [2]   أكثر من نصفها لشركة spacex التي تخطط لنشر ما يزيد عن 12000 قمر حتّى نهاية العام الجاري.

بالنسبة للتغطية، فإنّ قدرة قمر اصطناعي على تغطية منطقة معينة تعتمد على مداره والتكنولوجيا المستخدمه فيه، فمثلًا لتغطية لبنان بشكل كامل، قد يكفي قمر اصطناعي واحد إذا كان مزودًا بتكنولوجيا متقدمة للتصوير. لكن، قد تتطلب مهام معينة، مثل التنصت أو المراقبة المستمرّة، استخدام أكثر من قمر لضمان التغطية الشاملة.
الأقمار الاصطناعية تمثل أداة ضرورية لفهم عالمنا وحمايته، بالإضافة إلى استكشاف الفضاء الخارجي. بينما تتيح لنا تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية فرصًا لا محدودة، تأتي أيضًا مع تحديات ومسؤوليات كبيرة، خاصة في ما يتعلق بالخصوصية والأمن العالمي.

على الرغم من الفوائد الجمة التي تقدمها الأقمار الاصطناعية، إلا أن استخدامها يثير قلقًا متزايدًا بشأن الخصوصية والأمان. يمكن لتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية المتطورة، وخاصة تلك المستخدمة في المراقبة والتجسس، أن تنتهك خصوصية المواطنين بشكل كبير من خلال تعقب تحركاتهم ومراقبة أنشطتهم دون موافقتهم مثل القدرة على تصوير الأفراد أو السيارات والتعرف عليهم، وهنا تعتمد الدقة بشكل كبير على التكنولوجيا المستخدمة في القمر الاصطناعي، بالإضافة إلى القدرات التحليلية للنظام الأرضي المرتبط بالقمر الاصطناعي. فتكنولوجيا التعقب المتقدمة يمكن أن تراقب مساحات واسعة وتتبع حركة عدد كبير من الأهداف في وقت واحد. فبعض الأقمار الاصطناعية المتخصصة في الاستشعار عن بعد والتجسس مزودة بكاميرات عالية الدقة قادرة على التقاط صور تفصيلية للسيارات وربما التعرف على الأفراد في بعض الظروف.

التحدي الأكبر يكمن في كيفية استخدام هذه التكنولوجيا ومن يتحكم فيها. إذًا يبرز أنَ هناك حاجة ماسة إلى توجيهات وقوانين واضحة تضمن استخدام الأقمار الاصطناعية بطريقة تحمي خصوصية الأفراد وتمنع الاستخدام غير الأخلاقي للتكنولوجيا. فالتنظيم القانوني لاستخدام الأقمار الاصطناعية، خصوصًا في ما يتعلق بالخصوصية والمراقبة، يقع ضمن مجال معقّد يشمل القانون الدولي، القوانين الوطنية، والمعاهدات الدولية. وهناك عدة أطر قانونية تحاول معالجة هذه القضايا، لكن التحدّي يكمن في تطبيقها ومدى فاعليتها في ظلّ التقدم التكنولوجي السريع. فعلى سبيل المثال ثمة معاهدة الفضاء الخارجي (1967) [3] التي تعد واحدة من أهم الوثائق القانونية التي تنظم استخدام الفضاء الخارجي، بما في ذلك الأقمار الاصطناعية. تنص على أن استكشاف الفضاء يجب أن يتم لصالح جميع الدول وأن الفضاء الخارجي يجب أن يكون مفتوحًا للاستكشاف والاستخدام من قبل جميع الدول من دون تمييز. ومع ذلك، لا تتطرّق بشكل مباشر إلى قضايا الخصوصية.

وثمة اتفاقية التسجيل (1976) التي تطالب الدول بتسجيل الأقمار الاصطناعية، مما يوفر شفافية بشأن ملكية القمر الاصطناعي والغرض من استخدامه، الأمر الذي أتاح أن يكون هناك عدة مواقع متخصصة في تتبع الأقمار الاصطناعية وتقديم معلومات حول مواقعها ومداراتها في الوقت الفعلي.

في سياق النقاش حول الأقمار الاصطناعية وتأثيرها على الخصوصية، من المهم التأكيد على دور التكنولوجيا المتقدمة والقدرات الحاسوبية المتقدمة والذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات التي تجمعها هذه الأقمار. بينما توفّر الأقمار الاصطناعية قدرات مراقبة غير مسبوقة، فإن الذكاء الاصطناعي يعزز قدرتنا على استخراج وتحليل المعلومات من هذه البيانات بطرق أكثر سرعه وفاعلية ودقة.

بالإضافة إلى الإطار القانوني، هناك حاجة إلى تعزيز الوعي العام والحوار حول هذه القضايا. يجب تشجيع النقاشات حول تأثير التكنولوجيا على الخصوصية والأمان، واستكشاف كيف يمكن للمجتمعات التوصل إلى توافق في الآراء حول أفضل الطرق لاستخدام هذه الأدوات بما يخدم الصالح العام دون التضحية بالحقوق الفردية.

أخيرًا، من المهم الاعتراف بأن التكنولوجيا تتطور بوتيرة أسرع من القوانين والسياسات. لذلك، يجب على صانعي السياسات والمجتمع الدولي العمل معًا لتحديث الأطر القانونية وضمان موافقتها بشكل مستمر مع التطورات التكنولوجية الجديدة، للتأكد من استخدام الأقمار الاصطناعية بطريقة تحمي خصوصية الأفراد وتعزز الأمان العالمي.

______________________________________________________________________________

[1] https://www.science.org/content/article/study-finds-nowhere-earth-safe-satellite-light-pollution

[2] https://www.ucsusa.org/resources/satellite-database

[3] https://www.unoosa.org/pdf/publications/ST_SPACE_51A.pdf

الفضاءالتكنولوجيا

إقرأ المزيد في: تكنولوجيا وأمن معلومات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة