روسيا vs أميركا
وثائق تكشف الخطط السرية الامريكية في اوكرانيا.. والبنتاغون يحقق بالتسريب
د. علي دربج باحث وأستاذ جامعي.
مخطئ من يظن ان الانخراط الأمريكي في الأزمة الاوكرانية ، يقتصر فقط على الدعم العسكري او اللوجستي والاستخباراتي او المالي لكييف، ودفعها بالتالي للذهاب بعيدا في المواجهة مع روسيا، بل ان تورط واشنطن في هذا الصراع، وصل الى حد التدخل المباشر، من خلال تولي التخطيط والإشراف الميداني على سير العمليات الحربية، وتوزيع القوات الاوكرانية وتسليحها في ميدان المعركة.
ما نتكلم عنه ليس تحليلا، بل حقيقة دامغة كشفتها وثائق "حرب سرية" نشرت هذا الأسبوع على وسائل التواصل الاجتماعي، تفصل الخطط السرية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي لبناء الجيش الأوكراني، قبل هجوم، خطط له الطرفان الأمريكي والاوكراني، لينفذ ضد القوات الروسية في الربيع الحالي.
على ماذا تحتوي هذه الوثائق؟
في الواقع، ومع ان تلك الوثائق، لا تكشف خططا عن معركة محددة ، مثل كيف ومتى وأين تنوي أوكرانيا شن هجومها ــ والذي يقول المسؤولون الأمريكيون إنه من المحتمل أن يأتي في الشهر المقبل أو نحو ذلك ـــ كون عمرها (اي الوثائق) لا يتجاوز الخمسة أسابيع، لكن المثير للانتباه، انها تقدم لمحة سريعة عن الوقت، ( من وجهتي نظر واشنطن وكييف) لما قد تحتاجه القوات الأوكرانية للحملة، اعتبارًا من 1 اذار/ مارس الماضي.
كما يعرض مستنداً يحمل عنوان "سري للغاية" "حالة النزاع اعتبارًا من 1 آذار/ مارس"، واللافت انه في ذلك اليوم ، كان المسؤولون الأوكرانيون يتواجدون في قاعدة أمريكية في فيسبادن ، ألمانيا ، لحضور جلسات محاكاة لعبة حربية ، وبعد ذلك بيوم واحد ، كان الجنرال مارك إيه ميلي ، رئيس هيئة الأركان المشتركة ، والجنرال كريستوفر كافولي القائد الاعلى لقوات الحلفاء في أوروبا، ، يحضرون تلك الجلسات.
ليس هذا فحسب، تتضمن وثيقة أخرى أعمدة تسرد عمل وحدات القوات الأوكرانية والمعدات والتدريب ، مع جداول زمنية من يناير/ كانون الثاني إلى نيسان/ أبريل الحالي.
والاهم ان الوثيقة، تحتوي على ملخص لـ 12 لواء قتاليا يجري تجميعها ، تسعة منهم يتم تدريبهم وتزويدهم بالعتاد من قبل الولايات المتحدة وحلفاء آخرين في الناتو. ومن بين تلك الألوية التسعة ، ذكرت الوثائق أن ستة ألوية ستكون جاهزة بحلول 31 آذار/ مارس (الماضي) والباقي بحلول 30 نيسان/ أبريل الجاري. الجدير بالذكر أن اللواء الأوكراني يضم ما بين 4000 إلى 5000 جندي.
وأكدت الوثيقة ذاتها (اعلاه) إن أوقات تسليم المعدات ستؤثر على التدريب والاستعداد من أجل الوفاء بالجدول الزمني، وبالتالي إن إجمالي المعدات اللازمة لتسعة ألوية، كان أكثر من 250 دبابة وأكثر من 350 مركبة ميكانيكية.
وما يجب التوقف عنده كثيرا، هو ارقام الخسائر التي عرضتها الوثائق، وبدت غريبة وغير واقعية ابدا، حيث تحدثت إحدى الشرائح، عن أن ما بين 16000 و 17500 جندي روسي قتلوا، بينما خسرت أوكرانيا ما يصل إلى 71500 جندي، وهذه الاعداد طبعا لا تمت للحقيقة بصلة، قياسا، على معركة باخموت وحدها التي ازهقت اعداد كبيرة من الطرفين، وهذا يقودنا الى الاستنتاج الذي خرج به الخبراء وهو "فرضية التلاعب بالخسائر" وهذا بدوره يطرح عدة اسئلة و في مقدمتها، لماذا تم تزوير هذه الارقام بالذات دون غيرها من الحقائق الموجودة في الوثائق؟
ما مدى جدية هذه الوثائق؟
رغم ان البنتاغون الامريكي لم ينف الامر مطلقا، لكنه قال انه يقوم بالتحقيق في من قد يكون وراء التسريب المتعمدّ لهذه الوثائق التي ظهرت على منصتي "تويتر" و"تلغرام"، والاخيرة تضم أكثر من نصف مليار مستخدم ومتاحة على نطاق واسع في روسيا.
وفي محاولة للتستر على تلك الفضيحة، قال محللون عسكريون امريكيون، يبدو انه جرى تعديل أجزاء معينة من النسخة الاصلية لهذه الوثائق، واستشهدوا بالمبالغة في التقديرات الأمريكية لقتلى "الحرب الأوكرانية" مقابل التقليل من اعداد القتلى الروس.
إضافة الى ذلك، ومع ان هؤلاء المحللين، وجهوا اصابع الاتهام الى روسيا، واكدوا أن التعديلات قد تشير إلى جهود تضليل محتملة من قبل موسكو، غير ان قيادات عسكرية امريكية اقرّت بالمقابل، ان الكشف في الوثائق الأصلية ،التي تظهر كصور فوتوغرافية لمخططات تسليم الأسلحة المتوقعة، وعديد القوات والكتائب الاوكرانية، وغيرها من الخطط، يمثل خرقا كبيرا للاستخبارات الأمريكية في الجهود المبذولة لمساعدة أوكرانيا.
زد على ذلك ان أجزاء من الوثائق (باعتراف المحللين الامريكيين انفسهم) بدت أصلية، وهي ستتيح لروسيا التزود بمعلومات قيمة مثل الجداول الزمنية لتسليم الأسلحة وأعداد القوات الأوكرانية، وتفاصيل عسكرية أخرى. ولهذه الغاية بذل مسؤولون في ادارة الرئيس الامريكي جو بايدن جهدا كبيرا في محاولة لحذفها لكنهم لم ينجحوا حتى مساء الخميس الفائت.
وتعقيبا على ذلك كانت سابرينا سينغ ، نائبة السكرتير الصحفي في البنتاغون قالت "نحن على علم بتقارير منشورات وسائل التواصل الاجتماعي والوزارة تراجع الأمر".
كيف تنظر الولايات المتحدة الى هذا التسريب؟
ترى قيادات امريكية، إن إمكانية نشر الوثائق على قنوات وسائل التواصل الاجتماعي المنتشرة على نطاق واسع ـــ ومن المفترض أن تصل إلى أيدي المسؤولين الروس ـــ لهو انقلاب كبير لصالح لموسكو التي يعتبرون انها تتخلف عن الولايات المتحدة في جمع المعلومات الاستخباراتية في أوكرانيا.
أكثر من ذلك، يعد هذا التسريب بنظر ادارة بايدن أول اختراق استخباراتي روسي يتم الإعلان عنه منذ بدء المعارك. فالولايات المتحدة كانت وما زالت تزود أوكرانيا بمعلومات عن مراكز القيادة ومستودعات الذخيرة وغيرها من النقاط الرئيسية في الخطوط العسكرية الروسية.
وعلى ذمة مسؤولين كبار في البيت الابيض، سمحت مثل هذه المعلومات الاستخبارية، للأوكرانيين باستهداف القوات الروسية وقتل كبار الجنرالات في الوقت الفعلي، فضلا عن إجبار القوات الروسية على نقل إمدادات الذخيرة بعيدًا عن الخطوط الجبهة الأمامية، على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن أوكرانيا لعبت الدور الحاسم في التخطيط لتلك الضربات وتنفيذها.
في المحصّلة، ان مثل هذا التسريب الاستخباراتي الذي تمت مشاهدة فحواه في جميع أنحاء العالم، ربما سيولد ازمة ثقة بين الطرفين الأطلسي والاوكراني، وسيجبرهم على تغيير خططهم المستقبلية التي باتت مكشوفة ومعروفة لدى موسكو (وفقا للكلام الامريكية عن اختراق روسي كبير للاستخبارات الامريكية) وهو قد يؤثر أيضا على التبادل الاستخباراتي بين أوكرانيا والولايات المتحدة في الأيام القادمة، خصوصا وان قيادات امريكية كشفت انه تم تخفيف تبادل المعلومات الاستخباراتية بين كييف وواشنطن بشكل كبير في الخريف الماضي.
إقرأ المزيد في: روسيا vs أميركا
23/09/2023