معركة أولي البأس

روسيا vs أميركا

هل كانت روسيا بحاجة فعلًا إلى شن الحرب على أوكرانيا؟
09/03/2022

هل كانت روسيا بحاجة فعلًا إلى شن الحرب على أوكرانيا؟

داركو لازار

للاطلاع على رابط المقال باللغة الانجليزية انقر هنا

خلال إعلانه عن بدء العملية العسكرية في أوكرانيا بتاريخ 24 شباط/ فبراير المنصرم، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه "ليس لديه طريقة أخرى للمضي قدمًا.. ما يحدث لم يترك لنا خيارًا"، محذرا من أن الوضع "شديد الخطورة" في أوكرانيا ويشكل تهديدًا وجوديًا لروسيا. ومع ذلك، لم يحدد أبدًا ما هو هذا الخطر. بطبيعة الحال، استنتج الجميع أن بوتين كان يتحدث عن توسع "الناتو" شرقاً على مدى العقود الثلاثة الماضية. ولكن ماذا لو كان هناك ما هو أكبر من ذلك؟

الأسلحة البيولوجية ومسببات الأمراض

في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، استضاف بوتين اجتماعا في الكرملين للجنة الرئاسية الروسية لحقوق الإنسان. وخلال مرحلة حساسة من النقاش، اتخذ الجدل منعطفًا غير متوقع عندما كشف بوتين فجأة أن الغرب يعمل على سلاح بيولوجي جديد.

"هل تعلمون أن مجموعات عرقية مختلفة تقوم بجمع المواد البيولوجية في جميع أنحاء البلاد؟ هذه الجماعات تنتشر في مواقع جغرافية مختلفة من روسيا" قال الرئيس الروسي وأردف متسائلا: "..ولكن لماذا يقومون بذلك بشكل احترافي ومبرمج؟".

وبحسب الخبراء، فإن بوتين كان يشير إلى الأبحاث التي يجريها أكبر قسم طبي في سلاح الجو الأمريكي (الجناح الطبي 59).

معطيات الكرملين دفعت بالبنتاغون إلى الرد سريعًا على ما وصفته "بادعاءات بوتين". لكن المتحدث باسم قيادة التعليم والتدريب الجوي في الجيش الأميركي الكابتن بو داوني Beau Downey  حاول في حديث لـ"ديفنس وان" (Defense One) اللعب على الكلام مدعيًا أن جمع العينات "يهدف لإجراء أبحاث حول الجهاز العضلي والعصبي".

سرعان ما تكشفت الحقائق. فمع انتشار وباء كورونا تصاعدت حدة الاشتباك الكلامي بين واشنطن وبكين حول أصول الفيروس التاجي. وادعى كل من الطرفين أن أصل الوباء مرتبط بأبحاث الآخر. انضمت بكين إلى موسكو في دعوة الأمم المتحدة إلى مراجعة قوة الحرب البيولوجية التابعة للولايات المتحدة وحلفائها. طالبت الصين وروسيا بشكل مشترك واشنطن بالالتزام باتفاقية الأمم المتحدة بشأن الأسلحة البيولوجية، واتهمت الأمريكيين بتشغيل أكثر من 200 مختبر بيولوجي عسكري خارج الولايات المتحدة. وبحسب الصينيين والروس فإن هذه المنشآت العسكرية الأمريكية تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن بلديهما القومي.

اللافت أن تحذيرات البلدين الشرقيين لم تحظ بتغطية إعلامية على نطاق واسع ولم يتم تناقلها عبر تصريحات حكومة البلدين. وبدلاً من ذلك، سارعت موسكو إلى المطالبة بضمانات أمنية من الغرب عنوانها "عدم انضمام أوكرانيا أبدا إلى الناتو". وأعربت الصين عن دعمها لروسيا في "مخاوفها الأمنية المعقولة" ودعت الأمريكيين وحلفاءهم إلى التعامل معها "بجدية".

بعد أيام قليلة فقط، انزلقت الجارة الجنوبية لروسيا وأحد أهم حلفائها، كازاخستان، فجأة إلى حالة من الفوضى. قُتل المئات عندما بدأت خلايا مسلحة غامضة في الاستيلاء على البنية التحتية الحيوية للدولة.
قامت قوة روسية كبيرة بالمساعدة في استعادة النظام في ذلك البلد. إبان ذلك، سلطت وكالة الأنباء الروسية الرسمية "تاس" الضوء على التقارير التي تفيد باختراق مختبر بيولوجي سري. وكشفت المعلومات أن البنتاغون يموّل المختبر الذي يقع خارج ألماتي الكازاخستانية ويستخدم لتخزين مسببات الأمراض الخطيرة. وبحسب أنباء غير مؤكدة، فقد استولى "مجهولون" على المختبر لفترة وجيزة.

ثم جاءت مراسم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، والتي طغى عليها الاجتماع الأخير بين بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ. بعد بضعة أسابيع، صدرت أوامر للقوات الروسية بالتحرك في أوكرانيا.

سلسلة المعامل

في 25 شباط/ فبراير الفائت، نقل مقال في مجلة علماء الذرة عن مدير "البرنامج التعاوني للحد من التهديد في البنتاغون"، روبرت بوب، قوله إن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تعرض للخطر شبكة من المختبرات المرتبطة بالولايات المتحدة، والتي تتعامل مع مسببات الأمراض الخطيرة.

ويعد البرنامج جزءًا مما يسمى وكالة الحد من التهديدات الدفاعية (DTRA)، والتي تعود جذورها إلى مشروع مانهاتن الأميركي للتطوير والذي أنشأته واشنطن لتفعيل أول سلاح ذري وظيفي في العالم.
وبينما يدعي بوب أن المعامل العسكرية الأمريكية في أوكرانيا ليست منشآت للأسلحة البيولوجية ولكنها مختبرات للصحة العامة والحيوانية، فقد كشفت التقارير عددًا من الحقائق المذهلة.

إن وجود مسببات الأمراض يعني إمكانية تحويلها إلى معدية بسهولة. يوضح بوب قائلاً: "إذا فقدت الطاقة الكهربائية، فإن ذلك سيرفع من درجة حرارة مسببات الأمراض المجمدة.. وفي حال تلف نظام التهوئة أو تعرض المبنى نفسه للتلف فإن ذلك سيعرض إلى إمكانية تسرب مسببات الأمراض بفعل درجة الحرارة المحيطة ما يجعلها معدية." وبالاستناد إلى ما قاله يبدو أن بوب يحاول اختلاق ذريعة من خلال التلميح أنه يمكن للروس "فبركة شيء في هذه المرافق يسمونه دليلًا على نشاط شائن".
لكن المثير الحقيقي هو اعتراف بوب بأن هذه المنشآت التي يُفترض أنها غير ضارة قد تحتوي على سلالات مسببة للأمراض من مخلفات برنامج الأسلحة البيولوجية السوفيتي.

يحذر الطبيب "الطيب" من أنه "لن يتفاجأ إذا كانت بعض المجموعات من هذه السلالات في هذه المختبرات لا تزال تحتوي على سلالات مرضية تعود إلى أصول ذلك البرنامج".

ولعل الأمر المثير للقلق هو الكشف عن تخصيص 62٪ من ميزانية هذا البرنامج البالغة 360 مليون دولار أمريكي للبحوث البيولوجية.

موقع السفارة الأمريكية في كييف يؤكد وجود هذا البرنامج. ومع ذلك، فقد تمت إزالة الوقائع وملفات PDF التي توضح بالتفصيل عمليات هذه المرافق. أيا كان من كلف البنتاغون بهذه المهمة فهو لم يأتِ بنتائج دقيقة للغاية، حيث لا يزال من الممكن العثور على المستندات الأصلية في أرشيف الويب.

وإذا كانت هذه مجرد مختبرات للصحة الحيوانية، لكان المرء يتوقع أن يأتي تمويلها من وزارة الصحة الأمريكية. لكن الوثائق تظهر أن "المتبرع" الوحيد لكل من هذه المعامل هو وزارة الحرب الأمريكية. علاوة على ذلك، فإن جميع المرافق تمتلك أو كانت في طور الحصول على تراخيص للعمل مع مسببات الأمراض الخطيرة.

ومن الجدير ذكره أن اثنين من المختبرات ـ في كييف وأوديسا ـ يخضعان لنوع من البناء الإضافي. يكشف موقع sam.gov، وهو قاعدة بيانات مركزية تتضمن معلومات عن جميع المتعاقدين مع الحكومة الأمريكية أن البناء بدأ في أواخر تموز/ يوليو الماضي وكان من المفترض أن يكتمل في غضون سبعة أشهر ـ في أواخر شباط/ فبراير.

هل تعمل هذه المنشآت حقًا على تطوير أدوات وراثية تهدد السكان الروس وتشكل نوعًا من "المخاطر الكبيرة" التي كان يشير إليها بوتين؟ لا أحد يستطيع أن يؤكد ذلك على وجه اليقين. لكن يجب التعامل مع تورط شخصيات غامضة مثل بوب وتحذيرات بكين وموسكو من المختبرات البيولوجية العسكرية الأمريكية الغامضة على أنها أكثر من مجرد نظريات مؤامرة.

كيف سيكون الحال بعد الحرب؟

يشكل إنشاء المعامل العسكرية الأمريكية في الجمهوريات السوفياتية السابقة المحيطة بروسيا مجرد نتيجة لتوسع "الناتو" الذي استمر 30 عامًا باتجاه الشرق. الأمر ذاته ينطبق على الحروب في البلقان وجورجيا وبالطبع أوكرانيا.

إن إصرار "الناتو" على دمج هذه الدول في التحالف العسكري الغربي أثار مخاوف مشروعة للغاية في موسكو. أثناء مشاهدة هذه القوة المعادية تقترب من حدودهم، أمضى الروس الجزء الأكبر من العقود الثلاثة الماضية في التحذير من العواقب المحتملة.

في بداية عام 2022، رفض "الناتو" ببساطة مطالب موسكو الأساسية بتقديم ضمانات أمنية رسمية باعثًا برسالة واضحة مفادها أن المفاوضات بشأن مثل هذه الأمور مستحيلة. الرد الغربي أعطى روسيا مؤشرًا واضحًا إلى أنها وحدها التي يمكنها ضمان أمنها وأن موسكو ستضطر على الأرجح إلى إزالة التهديدات على طول الحدود الشاسعة للبلاد بالقوة.

وبناء على ذلك، لم تعد موسكو تنقل مخاوفها عبر القنوات الدبلوماسية. الكلمة الآن هي للجيش الروسي، وإذا كان الغرب مهتمًا عن بعد بتجنب وقوع محرقة نووية، فسوف يحتاج إلى الاستماع بعناية.
جاءت واحدة من أكثر الشهادات وضوحًا على خطورة هذا الوضع من مصدر غير رسمي. في نهاية شباط/ فبراير، افتتح مذيع التلفزيون الحكومي الروسي دميتري كيسليوف برنامجه الشهير بقوله: "لماذا نحتاج إلى عالم إذا لم تكن روسيا فيه؟".

لا يزال بعض الناس يتجولون معتقدين أن العالم الذي عرفوه قبل بضعة أشهر فقط لا يزال موجودًا. لكن الهياكل والتحالفات السياسية القديمة ماتت، كما هو العالم الأحادي القطب. باختصار، لم يعد نظام العالم القديم قائما.

العالم اليوم يشهد تحولات تكتونية في ميزان قواه العالمي مصحوبًا بتفشي الأمراض والانقسامات الاجتماعية التي لا هوادة فيها فضلًا عن الصعوبات الاقتصادية والحروب. أولئك الذين بقوا على قيد الحياة سيعيشون ليرووا الحكاية.

إقرأ المزيد في: روسيا vs أميركا

خبر عاجل