نصر من الله

خطاب القائد

النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في الذكرى السنويّة الخامسة لاستشهاد قادة النصر
06/01/2025

النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في الذكرى السنويّة الخامسة لاستشهاد قادة النصر

نشر موقع "KHAMENEI.IR" الإعلامي النص الكامل لكلمة آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، بتاريخ 01/01/2025، في الذكرى السنويّة الخامسة لاستشهاد قادة النصر اللواء القائد قاسم سليماني والحاج أبي مهدي المهندس. 
قال الإمام الخامنئي: "إنّ الدفاع عن الحرمات المقدّسة كان من المبادئ النضاليّة للشهيد سليماني، وأنّ العتبات المقدّسة لم تكن لتبقى لولا هذا الدفاع". وأضاف سماحته أنّ: "أميركا الجشعة ستخرج مذلولة من منطقة غربي آسيا، ولبنان واليمن رمزا المقاومة وسوف يكون النّصر حليفهما".      

وهذا النص الكامل للكلمة:

"بسم الله الرّحمن الرّحيم،
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاةُ والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، ولاسيّما بقيّة الله في الأرضين.

 أهلًا وسهلًا بكم، أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات. نحن على أعتاب شهر رجب، شهر الدعاء والعبادة والتوسّل إلى الله. فلنصل قلوبنا وأرواحنا ونيّاتنا بالبحر غير المتناهي للرحمة الإلهيّة، ولنستغلّ فرصة هذا الشهر. مقاليد الأمور بيد الله، فلنطلب من الله الهمّة والقدرة والتوفيق للعبادة. أدعية شهر رجب مفعمة بالمضامين والمفاهيم السامية والمعارف الإلهية والإسلامية الرفيعة، فاطلبوا من الله العافية والتوفيق والنصر.
 
يُعقد اجتماع اليوم، في مناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد شهيدنا العزيز الشهيد سليماني، والذكرى السنوية لاستشهاد مجموعة من زوار مرقد الشهيد سليماني في العام الماضي، إذْ يحضر بعض من عائلاتهم هنا. كما أن مجموعة من الإخوة والأخوات اللبنانيين، سواء من الجرحى في أحداث لبنان أم غيرهم، يحضرون في هذا الجمع أيضًا. إنه جمع شهادة وجمع الإخلاص، وأجواء الحسينية تزدان نورًا بحضوركم وبحضور هذه الجموع النورانية.

لقد أثبت الله المتعالي أنّ العزّة بيده. إنّها عزّةٌ طبعًا، حين ينطلق الناس من المسافات البعيدة، ومن الدول الأخرى أحيانًا في الذكرى السنويّة لاستشهاد سليماني، حتى يصلوا إلى مقبرته ومرقده، فيزورونه ويقرأون له سورة الفاتحة. أليست هذه عزّة؟ العزّة هي أنّكم حين تعملون لله، فإنّ الله يردّ على هذا النحو أيضًا. هذا في ما يخصّ الدنيا، وليس في مقدورنا تصوّر مقاماته الآن في عالم الرحمة والنعمة الإلهيّتين، ولكن ثوابه الدنيوي هو هذا الذي تلاحظونه: فهذا مرقده، حيث تنطلق الألوف المؤلّفة من الناس وتتجه إليه لتزوره. هذه العزّة يمنحها الله حين نعمل بإخلاص. يلجأ بعض الأشخاص، ابتغاءً للعزة، إلى الأدوات والوسائل الخطأ.

يقول الله في القرآن: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ}. يذهبون إلى الكفّار والأفراد المنافقين لكي يستجدوا العزّة! {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} (139). العزّة بيد الله ومِلكُه وهي في تصرّفه. كانت هذه الآية من سورة النساء. الآية الأخرى في سورة فاطر: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} (10). العزّة بيد الله، وهذا ما ينبغي فهمه في نمط العيش وتوجّهه، ولنجعل هذه المعارف والمعلومات مؤثّرة فيهما وحاضرة أيضًا. إذا كنا نسعى وراء العزّة، فلنعرف أين هي العزّة وأين معدنها.

أودّ أن أعرض بعض النقاط، إحداها هي عن الشهيد قاسم سليماني. لقد تُحُدِّث كثيرًا عن الشهيد سليماني وعن خصائصه، وأُلّفَت كتبٌ عن أحواله وأُنتِجت أعمال فنية، وتحدّث عنه المتحدثون كثيرًا. أنا أيضًا قد طرحت بعض المواضيع بشأنه في السابق مرارًا. اليوم سأعرض بعض النقاط الموجزة عن الشهيد سليماني لكي نتعلّم ونتذكّر حتى نسير نحن أيضًا في هذا الاتجاه.

الموضوع الأول هو أنه منذ بداية العقد الأول من الألفية الجديدة، عندما بدأت الشرور العسكرية لأميركا في منطقتنا، في أفغانستان والعراق، ودخلت الميدان رسميًا وارتكبت الشرور حقًا، منذ ذلك الحين دخل الشهيد قاسم سليماني الميدان، ولم يفكر في الخطر ولا في هيبة العدو. طبعًا كان الهدف الرئيس لهم هو إيران؛ الهجوم على أفغانستان شرق إيران، والهجوم على العراق غرب إيران، كلٌ منهما بذريعة معينة. كان هذا ظاهر القضية، ولكن الجوهر كان بأن تُحاصر إيران الإسلامية والشعب الإيراني من الجهتين؛ كان هذا هو الهدف. عندما أُحبِط الهجومان، لم يحقق العدو هدفه بطبيعة الحال. لقد دخل الشهيد قاسم سليماني الميدان منذ البداية. كان دور هذا الرجل الشريف والصادق في هذا الجهاد دورًا مصيريًا. طبعاً لم يكن يتكلّم عنها ولا يكتبها، ولا أظن أن أحدًا آخر قد تمكّن من كتابة هذه الخصائص وهذه التفاصيل الدقيقة لتظل محفوظة، وهو ما يعدّ من الأمور المؤسفة. طبعًا هناك كثير من المعلومات، لدينا كثير من المعلومات في هذا المجال، وكذلك لدى الآخرين، ولكن يجب أن تُحفظ هذه المعلومات ضمن المعارف السياسية للبلاد، وأن تُوثَّق لكي تفهمها الأجيال اللاحقة.

في بداية هجوم القوات الأجنبية على مدن العراق، النجف وكربلاء والكاظمية وبغداد وغيرها، كان هناك مجموعة صغيرة ومعدودة من الشباب في النجف قد تحصّنوا في الصحن المطهّر لأمير المؤمنين (ع) وكانوا خالي الوفاض؛ لا سلاح ولا طعام مناسبين، عندها شعر سليماني بالتكليف. بدأ في التواصل معهم وساعدهم وأنقذهم. طبعًا كانت هناك حركة مهمة وفعّالة جدًا أدّتها المرجعية في ذلك الحين، وكانت مهمة جدًا ومؤثرة، ولكن سليماني هو من دخل الميدان أولًا.

لم تكن أميركا قد أتت إلى العراق من أجل إسقاط صدام ثم الرحيل، بل جاؤوا ليزيحوا صدام ويجلسوا مكانه. في البداية، نصّبوا حاكمًا عسكريًا، جنرالًا عسكريًا، على العراق. بعد أن وجدوا أن ذلك لم يكن لائقًا، نحُّوه ونصّبوا مكانه شخصًا سياسيًا اسمه بريمر. أمّا مَن كان وراء إزاحة هذا الشخص الثاني، وفي عملية معقدة وطويلة وساعد في إعادة العراق إلى يد العراقيين ليختاروا حكامهم بأنفسهم في تلك المرحلة الحاسمة، هو الشهيد سليماني من خلال الأعمال التي أنجزها. شنَّ حربًا مركّبة؛ ثقافيّة وعسكريّة ودعائيّة وسياسيّة. هذه كلّها فعلها الحاج قاسم؛ كان هذا في ذلك الزمن.

 بعد مدة، جاء دور "داعش"، فبعد أن اكتشف الأمريكيون أنهم لا يستطيعون التدخل مباشرة في العراق والمناطق الأخرى، صنعوا "داعش". طبعًا لقد اعترف الأميركيون أنفسهم بأنهم هم من صنع "داعش". كان مَن دخل الميدان ووقف ضد "داعش" الشهيد سليماني أيضًا- سأعرض نقطة في هذا السياق لاحقًا- لقد تألّق الشباب العراقيون، لقد تألقوا في هذه القضية بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ ولكن دور الشهيد سليماني كان حاسمًا. لو لم يكن هو، لما أَمكَن ذلك.. أي أن يدخل شخص الميدان في حادثةٍ إقليمية مهمة، وكانت حياة المنطقة وموتها مرتهنة به، على هذا النحو من المبادرة والشجاعة والقوة وهو يحمل روحه على كفه. في هذه السنوات، حدثت أمور غريبة في هذه المواجهات التي جرى الحديث عنها. هذا الموضوع الأول.

الموضوع الثاني، ماذا يعني أن تتمثل الإستراتيجية الدائمة للشهيد سليماني في أنشطته الجهادية لإحياء جبهة المقاومة؟ يعني أن يوظف الطاقات والشبان المستعدّين للعمل في تلك البلاد نفسها، وقد أجاد فعل ذلك على أكمل وجه وأحسنه. كان يُعبّئ القوى الوطنيّة في كلّ بلد يدخل إليه - العراق بطريقة معيّنة، وفي سورية بطريقة أخرى، وفي لبنان بطريقة مختلفة. حسنًا، في العراق مثلًا، أصدرت المرجعيّة فتوى أو أطلقت حكمًا بأنّه على الشبان والناس أن يأتوا ويقفوا في وجه "داعش". حسنًا، انطلق الآلاف من الشبان، ولكن ما الذي كان في مقدور الآلاف من الشبان فعله من دون تنظيم ومن دون سلاح وتدريب؟ مَن الذي نظّم هؤلاء؟ مَن أعطاهم السلاح؟ مَن أجرى لهم دورات تدريبيّة قصيرة؟ الشهيد سليماني بالتعاون مع الأصدقاء العراقيّين، مثل الشهيد أبي مهدي. لا تستخفوا بالشهيد أبي مهدي، فقد كان رجلًا عظيمًا جدًّا وكان إنسانًا ذا قيمة كبيرة، وكان إلى جانب الشهيد سليماني مع الآخرين، وبحمد لله، بعضهم ما يزال حيًّا وآخرون منهم استُشهدوا. الشهيد سليماني هو مَن جمع هذه القوات وسط الميدان. هذه واحدة من خصائص هذا الشهيد أيضًا. هذه دروس، أي الإفادة القصوى من الإمكانات المتاحة من أجل عمل عظيم ومعرفة كيفية فعله والتفاني في إنجازه؛ هذا كان عمل الشهيد سليماني.

الموضوع الآخر الذي ينبغي أن أتطرق إليه عن الشهيد هو أنه في مراحل هذا النضال العظيم كلها الذي خاضه أخونا العزيز وصديقنا الصدوق والعزيز، وفي المراحل كافة، كان الدّفاع عن الحُرمات المقدّسة مبدأً بالنسبة إليه. كان عليه أن يدافع عن العتبات المقدّسة، وكان ينبغي له الدفاع عن حرم السيدة زينب (ع) وعن مراقد صحابة أمير المؤمنين (ع) المدفون بعضهم في الشام وبعضهم في العراق. وكان عليه أن يدافع عن المسجد الأقصى، فالمسجد الأقصى لكونه حرَمًا عظيمًا للعالم الإسلامي، وهذا ما جعل الفلسطينيّين وذاك القائد الفلسطيني الذي حضر في صلاة الجمعة يعبّرون عن الشهيد سليماني بـ"شهيد القدس"، إذ كان يدافع عن ذاك الحَرم. كان يطلق على إيران وصف الحرم أيضًا، وكان يدافع عن إيران بصفتها حرمًا. التفتوا! منطق الدفاع عن الحرمات المقدسة وعن العتبات المقدسة هو منطق مهم جدًا. هذه واحدة من خصائص هذا الرجل العظيم أيضًا.

 الخصوصيّة الأخرى هي أنّ نظرة الشهيد سليماني إلى قضايا البلاد لم تكن نظرة ضيّقة أو محدودة، وهذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا. كان ينظر إلى قضايا البلاد ويقيّمها من منظورٍ عالمي ودولي؛ ما الذي يعنيه هذا؟ أي إنّه كان يعتقد أنّ كلّ حادثة مهمّة تحدث في المنطقة، بل في العالم أيضًا، لها انعكاس داخل البلاد وتؤثّر في قضاياها. في قضايا البلاد، ذاك القدر الذي كان معنيًّا به – بعض الأمور لم يكن معنيًّا بها، فلم يكن الشهيد سليماني معنيًّا بالقضايا الاقتصاديّة – كان يرى تأثير الأحداث العالميّة ويعرفها ويحسبها ويتعامل معها.
كان يحدّد الخطر من خارج الحدود ويفكّر في العلاج.

هذه هي تعاليم الإسلام، بأن يحدّد الإنسان الخطر مسبقًا. يقول أمير المؤمنين (ع) [بما معناه] إنّني لا أسهو وأغفو بواسطة هدهدة العدو. هكذا كان، وهذه إحدى خصائصه أيضًا. هذه بعض خصائص هذا الشهيد العزيز.

نعم، هذه الخصائص كانت متوافرة عند الشهيد سليماني، ولكن ليس بصفته شخصًا فقط. الشهيد سليماني، على مستواه الشخصي وبوصفه إنسانًا، موجود في الدرجة التالية. ما هو مهمّ هو أنّه كان عضوًا في مدرسةٍ معيّنة، وكان سائرًا في مسارٍ معيّن باتجاه هدفٍ محدّد. كان الشهيد سليماني يتمتّع بهذه الخصائص بصفته مدرسة، وكان يتابع الأمور ويشعر بالمسؤوليّة، ونحن اليوم نعبّر بالقول "مدرسة سليماني" وهي مدرسة الإسلام ومدرسة القرآن ذاتها، وهو كان متمسّكًا بهذه المدرسة ويطبّق تعاليمها. لقد غدا مؤشّرًا ومحورًا ومركزًا. إذا امتلكنا هذا الإيمان نفسه وهذا العمل نفسه وهذا العمل الصالح نفسه، سنصبح سليماني. إذا كان كلّ واحدٍ منّا يملك هذا التمسّك بهذا النّهج، فسوف نُشمل باللطف الإلهي نفسه نحن أيضًا. حسنًا، هذه كانت النقطة الأولى بشأن الشهيد سليماني.

 النقطة التالية تتعلّق بمسألة الدفاع عن العتبات المقدّسة. الدفاع عن العتبات المقدّسة عنوانٌ أصبح راسخًا في إيران وبين شعبنا ومجتمعنا، وترسّخ لدرجة أنّ أفضل أنفسنا أبدت استعدادها للانطلاق والتضحية من أجلها. سُفكت دماءٌ طاهرة وفاضت أرواحٌ عزيزة في سبيل هذا الدفاع عن العتبات المقدّسة. بعض الأشخاص – لا أرغب في استخدام تعبير سيء – نتيجة غياب امتلاكهم تحليلًا صحيحًا وانعدام فهمهم على نحو صحيح وعدم امتلاك المعرفة اللازمة تجاه القضايا، يتصوّرون ويعبّرون وقد يروّجون بأنّه بعد الأحداث الأخيرة في المنطقة، ذهبت الدماء التي سُفِكَت في سبيل الدفاع عن العتبات المقدّسة سدى! يرتكب هؤلاء هذا الخطأ الكبير والفادح. كلا لم تذهب الدماء سدى. 

لو أنّ هذه الأنفس لم تذهب، ولو لم تُخض هذه المواجهة، ولو لم يتحرّك الحاج قاسم سليماني بتلك الشهامة في جبال هذه المنطقة وصحاريها ولو لم يجعل المدافعين يلتحقون به، ما كان ليكون هناك أيّ أثرٍ اليوم لهذه العتبات المقدّسة. ثقوا بهذا الأمر. لم يكن ليقتصر الأمر على حرم السيّدة زينب (ع) فحسب، بل لم يكن ليكون هناك وجودٌ لكربلاء والنجف أيضًا. ما الدليل على ذلك؟ في ما يرتبط بسامراء حدث نوعٌ من الغفلة، ولاحظتم كيف أنّهم دمّروا قبّة العسكريّين (ع) وكيف حطّموا ضريحيهما؛ من؟ أولئك التكفيريّون أنفسهم بدعمٍ من الأميركيّين. كان سيحدث الأمر ذاته في كلّ مكان. لو أنّ هذا الدفاع لم يحدث، كان سيكون هذا مصير هذه العتبات المقدّسة وهذه القِبَل لقلوب المسلمين، وكان سيكون المصير ذاته الذي أصاب القبّة المدمّرة للعسكريّين (ع). هؤلاء ذهبوا وبذلوا الجهود والمساعي وعملوا ووقفوا في وجه العدوّ ولقموه صفعة على وجهه واستطاعوا الدفاع عن حقيقة عظيمة. هذه الحقيقة العظيمة ليست مجرّد مكانٍ مقدّس، بل صاحب المكان والمدرسة التي ينتمي إليها ذاك الإمام العظيم.

 لنعلم أيضًا أنّه في القرآن أساسًا وفي الثقافة القرآنيّة، كلّ دمٍ يُسفكُ في سبيل الله يُسفك في محلّه، ولا يذهب سدىً. لا يُهدرُ أيّ دم، حتى وإن لم يتحقّق النّصر، لا يذهب هذا الدم المسفوك سدىً؛ دمُ جناب حمزة سُفكَ في أُحد، فهل ذهب سدىً؟ كلّا، بل أكثر من ذلك كلّه، سُفك دم سيّد الشهداء (ع) في كربلاء، فهل ذهب سدىً؟ كلّا. لا يذهب سدىً الدم الذي يُسفك في سبيل الحق؛ والقرآن ينطق بهذا المعنى أيضاً إذ يقول: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء، 74).

 لا فرق، إذًا، إن انتصرتم أو قُتلتم، وإن انتصرتم أو هُزمتم، ذلك بأن هذه الحركة نفسها لها قيمتها عند الله. هذا الجهاد له قيمته عند الله المتعالي، والنصر حتميٌّ طبعًا. لا تنظروا إلى هذه الجولة الباطلة، فهؤلاء الذين يجولون اليوم ويصولون، سوف يُسحقون تحت أقدام المؤمنين في يومٍ من الأيّام.

النقطة التالية هي النقطة المرتبطة بالثورة الإسلاميّة، وذات الصّلة بالجمهوريّة الإسلاميّة. أحداث هذه الأعوام التي كان الشهيد سليماني ورفاقه وأصدقاؤه نشطين فيها، وقد برزوا، ومنها أحداث الدفاع عن العتبات المقدّسة، التي أثبتت أنّ الثورة الإسلاميّة والجمهوريّة الإسلاميّة حيّتان ومزدهرتان، وهي شجرة مثمرة؛ {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} (إبراهيم، 25). لقد أثبت هذا الأمر. خاض الشاب المولود في العقدين الأوّل والثاني من القرن الحالي الميدانَ كما فعل الشاب المولود في الثمانينيات، وناضل وبذل روحه وضحّى بها. تمامًا كما كان بعض الشباب في الثمانينيات يترجّون آباءهم وأمهاتهم حتى يسمحوا لهم بالذهاب إلى الجبهة، كان بعض الشبان في العقدين الأولين من القرن الحالي يترجّون آباءهم وأمهاتهم أيضًا.

كان الشهيد حججي يقبّل قدم أمّه حتّى تسمح له بالذهاب إلى الجبهة، وأن يذهب ليقاتل ويدافع عن الحرم. هذا يُثبت أنّ الثورة الإسلاميّة حيّة. تنطلق حركات اجتماعيّة كثيرة في العالم، وبدايتها تكون مفعمة بالنشاط والحيويّة والتحرّك، ثمّ تتحوّل إلى كآبة وتنتهي. الجمهوريّة الإسلاميّة حيّة اليوم بعد أربعة وأربعين عامًا. لقد نهض اليوم شابُّنا العزيز هذا أيضًا، وهكذا هو حتمًا حال الملايين من الشباب الذين يقولون إنّه لو استدعى الأمر ذلك ولو كانت هناك حاجة إلى الدفاع عن الإسلام في وجه العدو، فإنّنا مستعدّون للتضحية بأرواحنا.
 
لقد أثبت المدافعون عن العتبات المقدّسة أنّ راية المقاومة ما تزال رفرافة، وأنّ العدوّ طوال هذه الأعوام ومع هذه الاستثمارات والأثمان كلّها التي تحمّلها، لم يستطع إنزال راية المقاومة، إن كان في لبنان أو في فلسطين أو في سورية أو في العراق أو في إيران. لم ولن يستطيع ذلك. لقد دوّنتُ هنا نقطة مهمّة، وهي أنّ أنواع الصمود هذه وهذا الاقتدار الوطني في أيّ بلد لها عوامل معينة يجب أن تُصان. من الأخطاء الجسيمة في بعض البلدان أنّها تستبعد عوامل الاستقرار والاقتدار عن الساحة والميدان. مجموعة الشبان المؤمنين المستعدّين للتضحية بأرواحهم، هؤلاء أهمّ عوامل الاقتدار لدى أيّ شعب، ويجب تجنّب إخراجهم من الميدان. هذا درسٌ لنا أيضًا. 

حسنًا، بحمد الله، هذا الأمر متوافرٌ هنا إلى حدّ كبير، وعلى بعض الدول الأخرى أن تلتفت إلى هذه النقطة أيضًا. يجب أن يعلموا ما هي عوامل استقرارهم، التي إذا ما استبعدوها، حدث هذا الأمر كما في بعض الدول. يستبعدون عوامل الاستقرار والاقتدار في المنطقة، فيتحوّل الأمر إلى فوضى، كما حدث في سورية، ويحتل الأجانب الأراضي السوريّة، فتدخل أميركا من جهة والكيان الصهيوني من جهة وبعض الدول المعتدية من جهة. طبعًا هؤلاء لا يستطيعون البقاء، فسورية ملكٌ للشعب السوري، وأولئك الذين اعتدوا على أراضي الشعب السوري سيُجبرون على التراجع يومًا ما أمام قوّة الشباب السوريّين الغيارى. سيحدث هذا الأمر من دون شك. 

على المعتدي أن يخرج بنفسه من الأرض التي تخصّ شعبًا آخر، وإلا فإنّ الشعب سيطرده. يبني الأميركيّون في سورية اليوم القاعدة تلو الأخرى، وسوف تُسحق هذه القواعد حتمًا تحت أقدام الشبان السوريّين، ممًا لا شكّ في ذلك. لبنان رمزُ المقاومة. تعرّض لبنان لضربة، ولكنّه لم ينكسر ولم يركع. هؤلاء يوجّهون ضرباتهم، والعدوّ يوجّه ضرباته، ولكن {فإنّهم يألمون كما تألمون} (النساء، 104). هو يتلقّى الضربات أيضًا، والمنتصر في نهاية المطاف قوة الإيمان وأصحاب الإيمان. لبنان رمزُ المقاومة وسينتصر. اليمن رمز المقاومة وسينتصر أيضًا. سيُجبَر الأعداء والمعتدون، وعلى رأسهم أميركا الجشِعة والمجرمة، على كفّ أيديهم عن شعوب المنطقة وعلى الخروج منها مذلولين، إن شاء الله.

والسّلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته".

الإمام الخامنئي

إقرأ المزيد في: خطاب القائد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة