#عهدنا_مقاومة
الإعلام الإلكتروني للمقاومة: سلاحٌ دقيقٌ
لطيفة الحسيني
خَبِر العدو طويلًا حزب الله. اكتشف أساليب حروبه. ربّما ظنّ أنه أدركها كلّها. رويدًا رويدًا، تبيّن أنه ظلّ مبتدئًا لم يحفظها البتّة. يعي العدو أن المقاومة ومنذ الطلقات الأولى باغتته، إعلانًا وميدانًا. كلّ شيء كان مُختلفًا في لبنان. لم يعهد هذا الأسلوب مع الحركات السابقة.
الإعلام الحربي للمقاومة شكّل تحديًا للاسرائيليين. حاولوا فكّ شيفرته ولكنهم في كلّ مرّة كانوا يصطدمون بالخيبة. مع انطلاق إخباريات المقاومة عام 1983 بُعيد نشأة حزب الله، تعرّف الصهاينة على إعلامٍ جديد، ينقل المواجهات والبطولات. إذاعة صوت المستضعفين ثمّ جريدة "العهد" وتباعًا الوسائل الأخرى. سنواتُ القتال كانت غزيرة بالمحطات المفصلية، غير أن العدوّ يقف عند إحداها، التي قد تكون الأكثر إيلامًا.
كمين أنصارية وحربه النفسية
عام 1997 عملية أنصارية. التكتيك مُغاير تمامًا عن كلّ ما سلف. الهدف، الأسلوب، النتائج أصابت العدوّ بعمق. "الرجاء" كان لملمة الفضيحة والمصيبة والهزيمة. الكمين المحقّق الذي أدّى الى "إبادة" 12 ضابطًا وجنديًا من وحدة "شييطت" الاسرائيلية كسر تعميمات الرقابة العسكرية لدى العدو. في تلك المرحلة، حاول الصهاينة قطع الطريق على أيّة عملية من شأنها أن تؤثّر في نفوس المستوطنين جراء ما حصل، غير أن الآتي إعلاميًا كان أقسى. هيئة دعم المقاومة الاسلامية ومن خلال قسم الانترنت الذي كان قد أبصر النور في هذه الفترة خرق رقابة الاسرائيليين. تمكّن من خلال الاستخدام الموفّق للمادة المعلوماتية المتعلّقة بأشلاء الجنود من تحقيق إنجاز على صعيد إثارة الجدال الداخلي الاسرائيلي وتأكيد انعدام الثقة المتزايدة بين المؤسسة العسكرية ومجتمعها.
نجاح "فعلة" هيئة الدعم ظهرت ملامحه سريعًا في إعلام العدو. صحيفة "هآرتس" أوردت خبرًا بتاريخ 11/23/1998 يتحدث عن مطالبة بعض أهالي الجنود القتلى في أنصارية بتشكيل لجنة تحقيق تبحث في ظروف دفن ذويهم، بعد أن شعرت بعض العائلات بحدوث تغيير في شكل قبور أبنائها من دون إعلامها بملابسات الدفن الذي تمّ سرًا.
أشلاء الجنود الاسرائيليين القتلى في كمين أنصارية
القصة لم تنتهِ هنا. هيئة الدعم أعدّت عبر قسم الانترنت لديها بيانًا مفصّلًا موجّهًا الى أهالي القتلى يتضمّن معلوماتٍ وصورًا تُنشر للمرة الأولى مع مجموعة من التساؤلات حول حقيقة الأشلاء المنسوبة للجندي الاسرائيلي ايليا ايتمار في محاولة لتأكيد الخلاف بين الجيش الاسرائيلي وذوي الجنود.
ما نشرته هيئة الدعم أدّى الى زرع الشكوك في نفوس الأهالي الذين أعربوا حينها عن عدم ثقتهم بجيشهم. نحتسون تيفي، والد أحد الضباط القتلى (راز تيفي)، قال في مقابلة مع إذاعة الجيش في ذلك الوقت: "أثق بحزب الله أكثر من حكومتي".
صحيفتا "معاريف" و"جيروزاليم بوست" بيّنتا أيضًا حجم ما أحدثته خطوة هيئة الدعم عبر الانترنت، فتداولتا كلامًا لذوي القتلى مبنيًّا على ما نُشر في إعلام حزب الله الاكتروني. قضية الأشلاء اذًا طغت لفترةٍ ليست بقصيرة على اهتمامات الصحافة الاسرائيلية وعناوينها، الى أن تشكّلت لجنة تحقيق إضافية حول عملية أنصارية، إثر الشرخ الحاصل بين أهالي الجنود وجيش الاحتلال بسبب ما نشره حزب الله على الانترنت.
وعليه، كرّست عملية أنصارية سلاح حزب الله الإعلامي كمنظومة تأثير قائمة بحدّ ذاتها، تُرصد وتُواكب وتُتنظر وتُخشى.
تأثير الاعلام الالكتروني للمقاومة
سنواتُ المواجهة اللاحقة أيضًا حظيت بعناية الاحتلال بالجانب الاعلامي. مع تقدّم التقنيات وتطوّرها، انطلقت شبكات المقاومة على الانترنت بزخمٍ أكبر. بموازاة خطابات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والمعادلات التي كانت ترسمها على صعيد الصراع مع العدو، أخذ الإعلام الاكتروني للمقاومة الاسلامية يضرب العدوّ أكثر فأكثر.
خريطة الجولة الافتراضية في الجليل التي نشرها موقع "الانتقاد" عام 2012
عام 2012، حدّد السيد نصر الله للمرة الثانية الجليل الوجهة الحتمية لعمليات المقاومة البرية في حال اعتدت "اسرائيل" على لبنان. حينها، نشر موقع "الانتقاد" خريطة لجولةٍ افتراضية في الجليل هدفها الإجابة عن سؤال "لماذا يُخيف التقدّم نحو الجليل الصهاينة الى هذا الحدّ؟".
لم تمضِ ساعات على نشر المادة التي تضمّنت أبرز المدن الفلسطينية والمستعمرات الواقعة في الجليل، وطبيعة الممرّات هناك والأهداف المحتملة في الحرب المقبلة وسيناريو المواجهة، حتى انشغل إعلام العدو بتحليل تداعيات ما ورد في إعلام حزب الله الاكتروني ورسائله. صحيفة "يديعوت أحرونوت" نشرت الخريطة كما هي وبدأت تقرأ مضامينها: ماذا تعني؟ كيف ذلك؟ هذا ما ينتظرنا؟ تبنّت كلّ تفصيل فيها.
عام 2017، نشر موقع "العهد الإخباري" الناطق باللغة الانكليزية مقطع فيديو خُصّص لتناول الأهداف المحتملة في الكيان الصهيوني في حال اندلاع حرب مستقبلية. المادة وصلت سريعًا الى الصهاينة. موقع "والاه" الاسرائيلي توقّف كثيرًا عند ما احتواه من معلومات دقيقة عن "مفاعلات ديمونا ومصنع رافائيل السري" وأهداف نووية أخرى مهدّدة بالدمار في المعركة المقبلة بين العدو وحزب الله.
موقع "تايمز أوف اسرائيل" اعتبر وقتها أن الفيديو لا يسرد فقط المواقع التسعة ويعرض صور الأقمار الصناعية للمواقع، بل يُضيف معلوماتٍ كعدد الأشخاص الذين يعملون هناك، وعدد المباني التي تتكوّن منها وماهية المواد الخطرة التي يتم التعامل بها.
أمّا موقع INEWS24 فعلّق على الفيديو رابطًا بين المنشور ومُحاولات ترهيب "إسرائيل" من قبل السيد نصر الله، مُعنونًا كلامه بالتالي: "بالفيديو، مواقع نووية اسرائيلية مُهدّدة بالتدمير".
مقطع فيديو نشره العهد - الانكليزي عن الأهداف المحتملة في الكيان الصهيوني
أمّا في عام 2018، فقد تصدّر فيديو بعنوان "من أين سيدخل حزب الله الى الجليل" نُشر على موقع "العهد" باللغة الانكليزية اهتمامات صحافة العدو. أكثر من وسيلة إعلامية اسرائيلية تناولت الفيديو، أبرزها صحيفة "هآرتس" التي أوردت مقالًا للكاتب لديها دافيد داود يستنتج فيه الى أن أخطر تهديد لحزب الله لـ"إسرائيل" ليست صواريخه، بل الخوف من سلاحه الفتاك وحربه الدعائية.
ويُشير داود الى أن استخدام حزب الله الماهر للدعاية سمح له بالبقاء مجموعة صغيرة نسبيًا تشنّ الحرب بشكل فعّال، ويلفت الى أن دعايته تشكّل مرة أخرى انتصارًا له واستمرارًا لنموّه، أكثر من صواريخه أو براعته القتالية.
فيديو نشره العهد - الانكليزي بعنوان "من أين سيدخل حزب الله الى الجليل"
اليوم، أصبح الإعلام الكتروني للمقاومة همًّا وعبئًا بالنسبة للاسرائيليين، يُضاهي المنظومات العسكرية. كلّ ما يعرضه يُسمع ويُقرأ ويُشاهد في "تل أبيب"، يحمل الصهاينة على القلق والتوجّس والارتياع، وسيدوم حتى اندحارهم.
إقرأ المزيد في: #عهدنا_مقاومة
18/06/2021
السيّد على صفحات "العهد"
18/06/2021
الإعلام الإلكتروني للمقاومة: سلاحٌ دقيقٌ
18/06/2021
"العهد" فاتحةُ إخباريات المقاومة
21/06/2020
رحلتي الاولى مع جريدة "العهد"
21/06/2020
من طهران.. هنا
20/06/2020