#عصحة_السلامة
التعلّم عن بُعد في زمن "كورونا"..آليات وتحديات
ياسمين مصطفى
حتى اليوم، يكون طلاب لبنان قد خسروا 21 يوميًا تعليميًا، منذ بدء تعطيل المدارس والجامعات بفعل انتشار فيروس "كورونا". الرقم مرجح للارتفاع مع تفاقم الأزمة وفرض الدولة حالة طوارئ صحية وتعبئة عامة، وسط مخاوف من تهديد استمرارية العام الدراسي ككل. هذا التهديد دفع بوزارة التربية والمؤسسات التعليمية للبحث عن بدائل، فكان خيار اللجوء للتعليم عن بُعد. لكن لبنان، المرتكز إلى الحقيبة المدرسية كمصدر وحيد للتحصيل العلمي مقابل عدم اعترافه بشهادة الـOnline، يجعل من ركوب موجة التكنولوجيا وانخراط الكوادر التعليمية والطلاب والأهالي في منصات إلكترونية تحديا صعبا، يكشف عن كثير من العقبات.
على قاعدة تحويل التهديد إلى فرصة، قرر تجمع المعلمين في لبنان خوض التحدي ونقل العملية التعليمية من المدارس إلى المنصات الإلكترونية، استنادا إلى طرق التعليم الحديثة على شبكة الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية، فكان إطلاق "مشروع التواصل العلمي بين المعلمين في لبنان" مبادرة هي الأولى من نوعها، للخروج من الأزمة بأقل الخسائر الممكنة.
مشروع "التواصل بين المعلمين في لبنان" على "التليغرام"..مبادرة أولى
المشروع بحسب ما يوضح رئيس تجمع المعلمين في لبنان الدكتور يوسف كنعان لموقع "العهد" الإخباري عبارة عن إطلاق مجموعات على موقع التواصل الاجتماعي "التليغرام"، 14 منها للتعليم الأكاديمي و17 مجموعة للتعليم المهني، تجاوز عدد الملتحقين بها 12000 أستاذ ومعلّمة على مستوى لبنان ومن كل الاختصاصات العلمية والأدبية، وتتوجه للحلقات التعليمية كافة من رياض الأطفال وحتى الثانوية العامة.
وامتثالًا لطلب وزارة التربية، كان المشروع خطوة أولى لتدريب المعلمين على طرق وأساليب التعليم عن بعد، في مساحة افتراضية تخولهم تبادل التجارب والخبرات المتنوعة وتبادل المواد التعليمية الإلكترونية الضرورية لمواكبة التكنولوجيا الحديثة في التعليم، وكسر حاجز الخوف من خوض التجربة الجديدة، وصولا إلى تحقيق الحد الأدنى من التواصل بين الأساتذة وطلابهم في المدارس عبر الوسائط الافتراضية.
رئيس تجمع المعلمين في لبنان د.يوسف كنعان
يهدف المشروع بحسب كنعان لتطوير قدرات المعلمين على مستوى التعليم عن بعد، إفساحا في المجال للتشاور بينهم حول الأساليب الأنجع لإتمام العملية. وعليه، أصبح للأساتذة إمكانية الاطلاع على كل جديد من برامج متخصصة، للتخفيف من الإرباك الحاصل لدى الكثير منهم نتيجة الخوف من خوض غمار التجربة الجديدة.
كما يعرض تجمع المعلمين على هذه المجموعات وفي أيدي المؤسسات التعليمية ما بحوزته من نتاج تعليمي إلكتروني، بالتعاون مع 40 متطوعا من الأساتذة والمعلمات، يصفهم كنعان بـ"الجنود المجهولين" العاملين على هذا "الجهد النوعي" والناشطين على هذه المجموعات لتوجيه الاساتذة ونصحهم وإرشادهم وهو جهد رائع وجبار. هم من ذوي الخبرة، كونهم أعضاء في لجان الامتحانات الرسمية وأعضاء لجان وضع المناهج، فضلاً عن انخراطهم في قطاعي التعليم الرسمي والخاص في مؤسسات تربوية عريقة.
كيف تعمل هذه المجموعات على "التليغرام"؟
يتم على هذه المجموعات نشر فيديوهات تعلُّمية تشرح سبل تعليم الطلاب عن بعد، ينضم إليها عدد كبير من الأساتذة والمعلمات، فعلى سبيل المثال التحق بمجوعة أساتذة الرياضيات 1970 أستاذا ومعلّمة، أما مجموعة رياض الأطفال فبلغ عدد المعلمات فيها 900 معلمة من مختلف المؤسسات التعليمية في لبنان. تتضمن المجموعات برامج وتطبيقات إلكترونية، وتدور فيها حلقة حوارية في الأمور التقنية والبطاقات التعليمية التي يتم تجهيزها للطلاب، فضلا عن أساليب تشغيل الطالب ونماذج من شرح لدروس في مختلف المواد، إضافة لتبادل التجارب وطرح الأسئلة في ما يتعلق بالصعوبات التي يواجهها الأساتذة في مختلف الحلقات التعليمية، والحلول المعقولة. وهناك إمكانية لمشاركة جميع المعلمين بإنتاج إضافات تغني العملية التعلّمية-التعليمية، ضمن معايير محددة.
مجموعات "الواتس أب"..الخيار الأقل كلفة..ما نسب التفاعل؟
توازيًا مع هذه المجموعات الهادفة إلى إكساب المعلّمين على مستوى لبنان خبرات تتعلق بالتعليم عن بعد عبر الإنترنت، وعد كنعان بإطلاق تطبيقات مماثلة للتلامذة. لكن المعتمد حتى اليوم مع طلاب المدارس خاصة الرسمية منها بحسب رئيس التجمع هو التواصل عبر مجموعات على خدمة "الواتس أب". سبب ذلك بحسب كنعان كون الخدمة الأقل تكلفة مادية والأكثر رواجا، إذ إن الظروف الاقتصادية الصعبة لا تسمح لكثير من الأهالي بتأمين خدمة إنترنت مفتوح "wifi" لأولادهم نظرا لتكلفتها العالية، عدا عن ضعف الشبكة في المناطق البعيدة عن العاصمة وبطء الخدمة.
تتضمن المجموعات حصصاً تعليمية قصيرة مسجّلة أو مباشرة بتقنية (الفيديو). وعن تفاعل الطلاب على مجموعات "الواتس أب" مع الأساتذة، يؤكد كنعان أن التفاعل يصل في بعض الأحيان إلى 70%، أما نسبة ال30% من الطلاب غير المتفاعلين فيعود السبب في ذلك لبطئء خدمة الإنترنت أو وجود أعطال فيها أو عدم توفرها في المنزل أصلاً خاصة لدى طلاب المدارس الرسمية، ممن هم في وضع اجتماعي صعب وقدرة شرائية محدودة.
لا يخفي كنعان أن السير بتقنية التعلم عن بعد هو مشروع صعب التطبيق وتكتنفه عقبات كثيرة، إذ إنه يُطبق للمرة الأولى في تاريخ لبنان. يوضح كنعان أن التعليم عن بعد بدأ عام 1959 مع أستاذ لغة فرنسية في ألمانيا أعطى دروسه لطلابه عن بعد، لكنه يلفت إلى أن "هذه التقنية كانت لا تزال محصورة بالتعليم الجامعي، أما اليوم فالتحدي الذي نخوضه هو تطبيق هذه التقنية على التعليم الثانوي والمتوسط وحتى رياض الأطفال". يشدد كنعان على أنها ليست بديلا عن التعليم في المدارس، إذ إن التربية في المدارس تسبق التعليم، ما يتطلب تفاعلا مباشرا بين الطالب والمعلّم،
لكنها مكملة في هذه الظروف. وللظروف أحكام، ريثما تسلك الدول السبيل نحو التعلّم عبر التلفاز وغيره من الوسائط.
مصاعب تواجه أهالي الطلاب
يؤكد كنعان أنه نادرا ما واجهت الأساتذة منذ بدء البرنامج التعليمي عن بعد حالات يرفض فيها الأهل التعاون او استكمال العملية التعليمية، لكن المشكلة بحسبه تعود للظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، التي دفعت بالكثير منهم للارتباك والتردد في الانخراط. لهؤلاء يتوجه كنعان بالقول إن المسؤولية تقع على الجميع لمحاولة الخروج بأقل الخسائر الممكنة، وحيث إن العدو اليوم هو الجهل فلا بد من تجنيد كل الوسائل الممكنة لمحاربته.
يتحدث كنعان عن ولي أمر إحدى الطالبات، الذي شرح صعوبة انخراط ابنته في المرحلة الثانوية في العملية التعليمية عن بعد لوجود هاتف وحيد في المنزل غالبا ما يحمله معه خلال دوام عمله بعيدا عن المنزل. وعن هذه الحالة، يوضح كنعان أنه جرى التوصل لحل يسمح للطالبة بأخذ الكفايات والمواد على CD وإرسال بطاقات الفروض المنزلية إلى الأساتذة بشكل دوري وانتظار تلقي ردودهم، وهو ما حصل، وكانت النتيجة تفاعل الطالبة ومتابعتها للعملية كما سائر زميلاتها.
الصعوبات التي واجهت ولي أمر الطالبة هي غيض من فيض ما يمكن تصوره عن مصاعب تواجه الأهالي على غير صعيد، لكن المطلوب اليوم تضافر الجهود وليس التذرع بهذه العراقيل لعدم استكمال العملية التعليمية.
يشبّه كنعان العملية التعلّمية عن بعد بكرة الثلج، تتراكم الخبرات والتجارب وصولا إلى صفر عقبات في التعاطي مع البدائل الراهنة لتعلم في المدارس، ويؤكد أن الطالب والأستاذ سيعتادان النمط الجديد المفروض على الجميع، ولا ينسى التشديد على أهمية دور الأهل في ضبط أولادهم في المنازل وانصرافهم للتعلّم ولو بالحد الأدنى، خاصة في ظل الخوف من الخمول الذهبي لدى الطلاب في حال لم ينخرطوا في العملية التعلّمية.
تقييم التجربة
إن إجراء تقييم للتجربة برأي كنعان هو ظلم لها، إذ لا يزال من المبكر القيام بذلك. ويصف حالة الارتباك لدى الطلاب في حصة أولى أجراها على تطبيق "واست أب" عبر التواصل المباشر معهم وتبادل البطاقات التعليمية والكفايات، طرح الأسئلة والإجابة عليها، لكن المرة الثانية أظهرت تغيرا إيجابيا لدى الطلاب، وفي المرة الثالثة كان الوضع أفضل بكثير لجهة اعتيادهم وتقبلهم التقنية الجديدة للتواصل، وهكذا على مدار 12 حصة تعليمية أعطاها لطالباته في مدرسة الحارة الرسمية للبنات.
ما مصير الامتحانات الرسمية؟
برأي كنعان، التحدي هو إجراء الامتحانات الرسمية من عدمه وليس بقاءها في موعدها أو تغييره. يؤكد أن الأوان فات لإبقائها في موعدها بفعل التعطيل والتاخير المفروض على الجميع. لكن ذلك ليس مبررا-بحسب كنعان- لاعتبار أنها غير قائمة.
غرفة تكنولوجية تفاعلية في انتظار الإطلاق
كبديل عن التواصل الاجتماعي-التعليمي عبر خدمة "الواتس أب"، يؤكد كنعان أن ثمة برنامج برمجه أحد أساتذة تجمع المعلمين في لبنان، وهو في طور التوزيع لطلاب لبنان والمؤسسات التعليمية كافة، وهو عبارة عن غرفة إلكترونية تشكل مساحة لتلاقي الطلاب والأساتذة. كما أنه أبسط من تقنية Google classroom.
كما يعمل التجمع على إنشاء موقع على الشبكة العنكبوتية للطلاب، تفاصيله تأتي في تقرير لاحق حين إطلاقه.
إقرأ المزيد في: #عصحة_السلامة
02/03/2022
هل يعيد بوتين أوكرانيا إلى حدودها التاريخية؟
09/01/2021
مستشفيات صيدا: لا قدرة استيعابية بعد الآن
09/01/2021
أسرّة كورونا بـ"السراج والفتيلة"
04/05/2020
كيف نتفادى الشعور بالعطش خلال الصيام؟
04/05/2020