معركة أولي البأس

ترجمات

العداوات الأميركية الداخلية نِتاجُ ذهنية البحث عن الهوية
18/07/2024

العداوات الأميركية الداخلية نِتاجُ ذهنية البحث عن الهوية

رأى الكاتب الأميركي مات باي، في مقالة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست"، أن السؤال الأساس المطروح الآن هو عن سبب اقتراب الأميركيين من النزاع الثقافي، مشيرًا إلى أن الإجابة عن هذا السؤال قد تكمن في الرؤية العالمية التي يتشاركها الأميركيون.

وأشار الكاتب إلى التفسيرات التي تقدم عن سبب تفكك البلاد، مثل تضخيم وسائل التواصل الاجتماعي للخلافات والترويج للتطرف. وذكر إلى جانبها تنامي التفاوت والغضب والأحقاد الناتجة عن التمدن، وتهديد بنية النظام الاجتماعي القديم جراء تراجع البيض في المجتمع.

ولفت إلى أن هذه التفسيرات مقنعة؛ لكنها لا تقدم إجابة كافية. فقد شهدت الولايات المتحدة نماذج لكل هذه الأمور في القرن العشرين، مثل التكنولوجيات التحويلية والهجرة بأعداد كبيرة وحكم الأثرياء، إلا أن ذلك لم يؤدِ إلى تدمير النظام السياسي. وقال: "من أجل فهم المرحلة الراهنة في أميركا، ربما يجب العودة إلى حقبة التسعينيات والفراغ الذهني الذي لم يستطع الأميركيون أن يملؤه، وهم لطالما رأوا أنّهم في صراع وجودي، وأن ما يجمعهم ليس الانتماء الديني والعرقي، وإنما الحرية والحكم الذاتي".

وأضاف الكاتب: "فكرة الدولة التي تجمعها إيمانها بالقوانين والحريات بقيت حيّة في الذهنية الأميركية، إذ نظر الأميركيون إلى أنفسهم على أنّهم حصن ضدّ القوى الظلامية". وتابع: "بغضّ النظر عن الخلافات الداخلية، هناك عدو مشترك وتهديد مستمر بالإبادة".

وتطرق إلى حقبة الحرب الباردة، وقال إن الصدامات الثقافية التي طالما هيمنت على الخطاب السياسي اختفت فجأة. وخلال مدة وجيزة بعد هجمات الحادي عشر من أيلول، بدا وكأنّ القادة السياسيين الأميركيين يصنّفون "الإسلام الراديكالي" على أنه الإمبراطورية السوفياتية الجديدة، والذي قد يملأ الفراغ في الرؤية الذاتية الأميركية. غير أنه قال إن أميركا سرعان ما أدركت كم هذا التهديد بعيد، ومدى الضرر الناتج عن الرد الأميركي عليه.

وتابع الكاتب أن الحاجة إلى نزاع وجودي استمرت، وبأنّ الأميركيين كما يبدو وجدوا حاجتهم هذه في صدام الثقافات في المدن الأميركية، حيث هناك انقسام متصاعد بين اليساريين من أهالي المدن الذين يشجبون امتيازات البيض وثقافة السلاح من جهة، وأنصار ترامب من أهالي المناطق الريفية الذين يرون أن الحداثة والتعددية الثقافية تقضي عليهم من جهة أخرى.

وأضاف الكاتب أنه كلّما ابتعد الأميركيون عن الإجماع الذي ساد خلال الحرب الباردة مالوا أكثر نحو وصف الخصوم السياسيين بالقوى المصممة على القضاء عليهم؛ مردفًا بأنّ الأميركيين يجدون هدفهم الوطني الآن على الإنترنت حيث إن الموضوع المشترك هو النزاع الثنائي يكون فيه الطرف الذي تنتمي إليه إما منتصرًا أو مزالًا عن الوجود. كذلك قال إن الاضطراب المدني ينبع من فقدان قيادة طويلة الأمد، وإنّ حثّ الرئيس جو بايدن على التخفيف من حدة الخطاب السياسي يمكن النظر إليه على أنه اعتراف بفشل جيل بأكمله من القادة.

وأكد الكاتب بأن كلّ القادة السياسيين الذين هم نتاج الإجماع، خلال الحرب الباردة كان لهم فرصة- إن لم يكن واجبًا- بوضع الشغف الوطني باتّجاه مهمّة أكبر، مثل حماية العالم من الزوال والسيطرة على الاقتصاد الرقمي، وإعادة بناء مناطق المصانع التي وصلت إلى الهلاك نتيجة الإهمال. وقال إن السياسيين تحدثوا عن هذه الأمور، لكن الحديث جاء في الغالب في عبارات متبذلة، وتجنّبوا الحديث عن حقائق معقّدة، ولن يطلبوا شيئًا على صعيد التضحيات. كما أردف بأنهم قدّموا وعودًا تحظى بشعبية، مثل خفض اليمين للضرائب وتعزيز اليسار لسلطات الحكومة، بينما قاموا بشيطنة منافسيهم بسبب وقوفهم بوجه هذه الإجراءات.

وختم الكاتب أنه حان الوقت ليتقاعد جيل القادة الذين أوصلوا الولايات المتحدة إلى هذه المرحلة، والذين سمحوا للخلافات الثقافية والدينية والعرقية بأن تملأ الفراغ. كما قال إن قادة أميركا المسنّين لم يشرفوا على نهاية التاريخ، بل إنّهم فشلوا على صعيد تحديد ما هي الخطوات المستقبلية المطلوبة.

الولايات المتحدة الأميركيةالصحف

إقرأ المزيد في: ترجمات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة