مقالات مختارة
هل يعرف الحكّام أن المقاومة لن تتأخّر عن واجبها؟
إبراهيم الأمين- جريدة الأخبار
لم يكن أحد ينتظر من العدوّ أمرًا مختلفًا عما أعلنه وزير حرب العدوّ "إسرائيل" كاتس بأن جيشه سيبقى في جنوب لبنان حتّى إشعار آخر، بغطاء من الولايات المتحدة.
كما أن أحدًا لا ينتظر صدور نفي أميركي لذلك، أو عملًا أميركيًا لإجبار العدوّ على الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، أو إطلاق الأسرى اللبنانيين الذين يحتجزهم.
وحتّى اللحظة، لا تحمل كلّ الاتّصالات في شأن هذا الملف مؤشرات جدية، بل تبقى مجرد كلام عام، يقوله الأميركيون ويردّده الفرنسيون، بأن الاتّصالات جارية لضمان التزام "إسرائيل" بتنفيذ القرار 1701.
وما لا يقال علنًا حتّى اللحظة، يقوله الأميركيون والفرنسيون في الغرف المغلقة، حيث يكرّرون كلامًا إسرائيليًا عن أن حزب الله لم يلتزم بتنفيذ الاتفاق، وأن الجيش اللبناني لا يقوم بما يتوجّب عليه. ولدى التدقيق، تخرج الشروحات على لسان سياسيين وإعلاميين وناشطين تديرهم الاستخبارات العسكرية الأميركية من السفارة في عوكر، وهم ممن باتوا أكثر جرأة في هذه العلاقة التي تشمل لقاءات دورية، يتم تزويدهم خلالها بما يتوجّب إثارته، وبالبدل المالي لذلك، ويوقّع بعضهم على تسلّم مبالغ تبقى أقل مما يأخذه في يده.
هذا الفريق الذي لن يطول الوقت قبل الكشف عن هوية أعضائه وأدوارهم، يركّز الآن على أن الجيش اللبناني ممنوع من تنفيذ ما يتعلق به من الاتفاق، كالانتشار بكثافة في كلّ منطقة جنوب نهر الليطاني، والمباشرة بعمليات تفتيش لنقاط محدّدة لتفكيك بنى عسكرية تعود لحزب الله، والعمل على مصادرة الأسلحة ليس من المراكز فقط، بل من المنازل أيضًا، وأن يطلب إلى استخبارات الجيش مراقبة أي نشاط عسكري أو أمني أو "مشبوه" لعناصر حزب الله في تلك المنطقة، حتّى ولو كانوا من أبناء هذه القرى، ومنح لبنان الإذن كاملًا للقوات الدولية لضمان حرية حركتها حيث تريد في كلّ منطقة جنوب الليطاني، والقيام بعمليات تفتيش مفاجئة في كلّ النقاط "المشبوهة".
ويقول "عملاء السفارة" إن التنفيذ الفعلي للاتفاق من جانب لبنان يستوجب العمل على مباشرة عملية نزع سلاح حزب الله في كلّ المناطق اللبنانية، واتّخاذ الحكومة اللبنانية قرارًا بنشر الجيش، بمساعدة قوات دولية، على طول الحدود مع سورية، والعمل في العمق من أجل التثبت من عدم وجود منشآت أو مراكز أو مستودعات سلاح.
ويبرّر هؤلاء العملاء كلّ ما يقوم به العدوّ اليوم من احتلال وعدوان بأنه "طبيعي ومنسجم مع الاتفاق الذي يمنح "إسرائيل" الحق في إزالة أي تهديد لا يزيله لبنان". وبالتالي، فإن الصمت الرسمي من جانب رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، ومن جانب الحكومة ورئيسها نواف سلام، حيال ما يحصل، والاكتفاء بالحديث عن اتّصالات مع الدول الراعية لضمان تنفيذ القرار، لا يعدو كونه لزوم ما لا يلزم، لأن "إسرائيل" ليست في موقع من يهتم لصدور أي موقف رسمي من لبنان. وكلّ ما يهمّها، وما حصلت عليه، هو أن الولايات المتحدة أكّدت أنها تضمن التزام لبنان بالصمت من جهة، ومنع حصول أي أعمال عسكرية ضدّ قوات الاحتلال.
حتّى اللحظة، تعتمد المقاومة الإسلامية في لبنان سياسة "الامتناع عن الفعل المباشر"، ردًا على استمرار الاحتلال وتوسّع العدوان. ويقول قادتها في كلّ مناسبة إن على الدولة أن تترجم ما أعلنته عن مسؤوليتها عن سيادة لبنان. وما تكرار الكلام على لسان قادة المقاومة حول واجب الدولة في تأمين الانسحاب الكامل وتحرير الأسرى، ووقف الاعتداءات، سوى إلقاء الحجة على أهل الحكم في لبنان، ولو أن قيادة المقاومة تعرف سلفًا بأن من في سدة المسؤولية في لبنان، ليس لديه اليوم من جواب سوى أنه لا حول للبنان ولا قوّة للقيام بأكثر من مناشدة الدول التدخل.
لكن ماذا عن موقف أهل الحكم؟
حتّى اللحظة، يتصرف هؤلاء على قاعدة أن لبنان لا يزال تحت تأثير الحرب، ولا يمكن الانتقال إلى مستوى جديد في الضغط على "إسرائيل". وهم يعتقدون بأن الأولويات الداخلية تضغط على الدولة لعدم الذهاب بعيدًا. وفي هذه الأثناء، يجري العمل على تحويل استمرار الاحتلال ومواصلة العدوان وكأنه أمر عادي، وأن على أبناء الجنوب والبقاع الصبر على ما يقوم به العدو.
في حقيقة الأمر، ليس بيننا من يريد أن يفرض على قيادة المقاومة جدول أعمال بعينه. لكن، في حقيقة الأمر أيضًا، لا يمكن للحكم العاجز أن يفرض على قيادة المقاومة جدول أعمال بعينه، وما يقوم به العدوّ إنما يعجّل في انتقال الجميع من مربع السؤال والانتظار، إلى مربع الاحتجاج والفعل. ومن لديه فكرة سديدة تؤمّن السيادة الكاملة وتستعيد الأسرى وتوقف العدوان، فعليه ألا يتأخّر في وضعها على الطاولة، لأنه لن يطول الوقت قبل أن تعود البندقية لتحتلّ مكانها المتقدّم كوسيلة وحيدة لإنهاء الاحتلال!