معركة أولي البأس

مقالات مختارة

محمد عفيف القامة الشامخة في الساحة الإعلامية
19/11/2024

محمد عفيف القامة الشامخة في الساحة الإعلامية

عبد الله قصير - صحيفة "الأخبار"

أخي وحبيبي محمد، يا رفيق العمر منذ بدايات الشباب في النجف الأشرف وأحلام الثورة على الواقع وتداول أشعار مظفر النواب المتمرّد، ومباريات كرة القدم للشباب اللبنانيين في النجف، وتقاسم الهموم والتمنّيات ومحاولات كتابة الشعر والمشاركة في المسابقات الأدبية في إعدادية النجف للبنين وجلسات التقفية للشعر، والتي استمرت بعد عودتنا إلى لبنان في نهاية السبعينيّات.

ومع الإرهاصات الأولى للمقاومة الإسلامية والمشاركات المتواضعة في بعض عملياتها، واللقاءات في منزلكم في البيسارية، ثم التشارك في العمل الإعلامي تحت مسؤولية الشهيد الحبيب السيد عباس الذي كان يجمعنا أسبوعياً في بعلبك ويرعانا رعاية الأب الرؤوف والأخ العطوف والمسؤول الرحيم، نتشارك في الأفكار والمقترحات في أساليب الإعلام الشعبي، أنت مسؤولًا عن الجنوب وأنا في بيروت وأخوانا الشهيدان الشيخ علي كريم في البقاع وأبو حسن بجيجي في البقاع الغربي.

كانت الجلسات الأسبوعية مناسبةً للعمل على تطوير جريدة «العهد» وتوزيعها في المناطق وإقامة النصب للمسجد الأقصى وتنفيذ السياسات الإعلامية في نشر ثقافة المقاومة والترويج لها كخيار وحيد للتحرير، في الوقت الذي كان فيه كثيرون يراهنون على القرارات الدولية كسبيل للتحرير. كنا مقتنعين بأن «المقاومة الإسلامية هي الرد وقوافل الشهداء تصنع النصر»، وهكذا كان لخيارنا أن ينتصر.

واستمررت بعد التحرير إلى جانب سماحة الشهيد الأقدس الحبيب السيد حسن نصر الله وفي مكتبه في حارة حريك، وكنت المستشار الإعلامي لسماحته تواكب حركته السياسية وإطلالاته الإعلامية، وتنظيم لقاءاته الصحافية.

وقد عدنا للقاء عمليًا في قناة «المنار» منذ عام 2005، حيث تشاركنا الهموم والأفكار لتطوير عمل القناة، فتسلّمت أنت إدارة الأخبار والبرامج السياسية عندما تسلّمت أنا إدارة القناة، وخضنا معًا تجربة استمرار البث في القناة أثناء حرب 2006، ولا أنسى كيف كنت لا تقبل أن ترتاح خلال الحرب، وبقيت خلالها ليل نهار في غرفة الأخبار تشرف مباشرةً على إدارة الأخبار والتواصل مع غرفة العمليات في المقاومة الإسلامية في مقر الأخبار الاحتياطي حتى نهاية الحرب وإعلان الانتصار المدوّي على العدو الصهيوني.

وكنت مع ثلّة من العاملين في الأخبار قد بقيتم في المبنى الرئيسي قبل استهدافه، رغم التهديد الإسرائيلي الذي وصلنا بأن المبنى سيقصف ويهدم، وأذكر اتصالي بك بعد القصف مباشرة للاطمئنان عليك وعلى الإخوة معك وخروجكم بسلامة من مخرج الطوارئ الذي أعددناه مسبقًا لمثل هذه الحالة.

ثم في السنوات العشر الأخيرة من تسلّمك للعلاقات الإعلامية التي برعت فيها، وكنت المتابع الدائم والموجّه وصاحب الأفكار الإبداعية في تقديم صورة المقاومة وخطابها وبياناتها الرسمية عند كل حدث وموضوع.
وقد سمعنا شهادات المتعاملين معك من الصحافيين والمحلّلين السياسيين والمتصدّين إعلاميًا كيف كنت دمث الأخلاق ومتواضعًا وقريبًا للقلب معهم جميعًا.

لقد كان اللقاء الوطني الإعلامي لدعم المقاومة أحد تجلّيات جهودك الناجحة لجمع العشرات من هؤلاء الذين يلتقون ويلتفّون حول خيار المقاومة ويدافعون عنها.

ومع مواكبة طوفان الأقصى، كانت جهودك مستمرة في مناصرة وتبيان أحقّية خيار المقاومة للشعبين الفلسطيني واللبناني، ومع تصاعد وتيرة المعركة وتحوّلها إلى عدوان صهيوني غاشم على لبنان وشعبه وعلى المقاومة وبيئتها، ومع افتقادنا صوت سماحة الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله وإطلالاته، كان جهدك المبارك في تنظيم جولات الصحافيين في الضاحية وعقد المؤتمرات الصحافية على أرض الضاحية الأبيّة وبالقرب من ركام الأبنية التي دمّرها العدوان كشاهد على همجيّته وعدوانيّته وإلى جانب روضة الشهداء المضحّين في المقاومة، فكان صوتك الصادح سهامًا موجّهةً إلى غطرسة العدوّ وافتراءاته وادّعاءاته وأوهامه، آلمته وفضحت كذبه وافتراءه.

لقد أراد العدوّ في اغتيالك إسكات صوت المقاومة والانتقام من الإعلام المقاوم الذي كنت تمثّل القامة الشامخة فيه، ولكنّ هذا العدوّ لا يفهم منطق وثقافة المقاومة الإسلامية التي تزداد توهّجًا وإصرارًا على الاستمرار والصمود حتى النصر، مع ارتفاع دماء الشهداء القادة خصوصًا.

واليوم، ونحن نودّعك إلى رضوان الله وجنّاته، نحمّلك التحية والسلام إلى سيّدنا الشهيد الأسمى السيّد حسن نصر الله الذي أحببت الالتحاق به في كلمتك بعد شهادته، وإلى الشهيد الهاشمي السيّد هاشم صفي الدين وإلى جميع الشهداء القادة، ونحن على دربكم سائرون حتى تحقيق النصر، ولعلّنا ننال ما نلتم من الفوز العظيم.

هنيئًا لك الشهادة يا أخي وحبيبي، وإلى عائلتك الكريمة ووالدتك الصابرة المحتسبة وإخوتك الكرام المجاهدين، ونقول لهم عظّم الله أجوركم وشكر الله سعيكم وألهمكم الصبر والسلوان، وإلى اللقاء في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.
 

محمد عفيف

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة

خبر عاجل