على العهد يا قدس

مقالات مختارة

بلى.. نحن منقسمون حول مستقبل لبنان؟
31/10/2024

بلى.. نحن منقسمون حول مستقبل لبنان؟

 إبراهيم الأمين - صحيفة الأخبار

لم يتفاعل كثيرون مع تحذير فرنسا، أخيرًا، من احتمال حصول فوضى في لبنان وانحدار الوضع إلى حرب أهلية. المشكلة ليست في عدم الاهتمام بالخبر باعتباره صادرًا عن جهة مركزية في دولة كفرنسا، بل في عدم رغبة الساعين إلى الفوضى بالتركيز على الأمر. بل إن بعض هؤلاء أنفسهم خرجوا لنفي أصل الاحتمال، منطلقين من أنه لا يوجد في لبنان من يريد إشعال حرب أهلية!

من يراقب السجالات القائمة حاليًا، يمكن أن يستنتج سريعًا بأنها لا تدلّ أبدًا على أنّ أحدًا تعلّم من دروس السابق، في ما قلّة من السياسيين جهدت للتدقيق في خلفية وأبعاد التحذير الصادر عن جهة دولية رسمية بمستوى وزارة الدفاع الفرنسية. ومن فعل ذلك لم يعد بأجوبة حاسمة، ما زاد من منسوب القلق. الجهات الأمنية اللبنانية تقرّ بوجود مؤشرات إلى حالات توتر كبيرة، مؤكدة أنها ليست من النوع الذي يشير إلى خطر وشيك بنشوب حرب أهلية. 
غير أنّ الأهمّ هنا، هو وجود أفرقاء يريدون إقناع الناس بأن حزب الله هو الجهة الوحيدة القادرة على دخول حرب أهلية، في ما هم أنفسهم يقرّون بانتشار السلاح في بيوت كلّ اللبنانيين، وهم أنفسهم أيضًا سبق أن تطوّعوا لطمأنة بعض العرب إلى وجود آلاف الشباب الجاهزين للقتال، وحاولوا إغراء مرجعيات سياسية بأن لديهم قوة لا يستهان بها في حال تطوّر المواجهة مع حزب الله.

مشكلة الساسة في لبنان هي إصرارهم الدائم على إنكار الوقائع القاسية وعدم التحدث صراحة عن تصوراتهم. لذلك، يقول هؤلاء إن مشاكل لبنان مصدرها حزب الله فقط، وبمجرد التخلص منه تُحلّ كلّ المشاكل وينتظم العمل بالدستور ويتعافى الاقتصاد وتنتشر حفلات الدبكة في كلّ المدن والقرى والدساكر، وستنهمر الأموال بمجرد تلاوة سورتَيِ التوبة والخلاص من حزب الله.

عمليًا، يقود السذّج والخبثاء أكبر عملية تضليل، منكرين حقيقة أن الانقسام السياسي في لبنان ليس وليد اليوم، بل رافق اللبنانيين منذ أن قرّر لنا ممثل الاستعمار الأوروبي حدود بلدنا، وأبلغنا أنّ علينا العيش وفق ما يقرره الاستعمار وما يختاره من أدوات ورجال سلطة ومال، تاركًا بلادنا فريسة مبارزة مفتوحة على النفوذ بين الجماعات الطائفية، قبل أن يضيف بندًا أكثر خطورة مع قيام كيان الاحتلال، وبدء الحديث عن أننا لسنا عربًا، قبل أن ندخل في فصل جديد من الانقسام حول الخيارات الكبرى، وتحديدًا حول كيفية التعامل مع الوباء الإسرائيلي.
اليوم، في ظل حرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل" في فلسطين ولبنان، لا وقت إضافيًا للتكاذب. وإذا كان هنا من يريد التعمية على الحقائق، ومواصلة التضليل، فمن الواجب القول صراحة إن الحال ليست على نحو جيد، وإن احتمالات الانفجار الأهلي كبيرة، وكبيرة جدًا.

لو قررنا، كلٌّ من موقعه، إعادة قراءة تاريخ 76 عامًا من الحياة إلى جانب الوحش، سندرك أن "إسرائيل" لم تدخل حربًا مع لبنان من دون أن يكون لديها شركاء في الداخل. ولمن يرغب، يمكن الاطّلاع على كلّ الوثائق التي تؤكد أن هذه الشراكة بدأت حتّى قبل إعلان قيام الكيان (كتاب “المتاهة” الذي نقل إلى العربية من العبرية حول تاريخ العلاقات بين المؤسسات الصهيونية وجهات لبنانية). وكانت أولى النتائج، ما حصل يوم ارتكب العدوّ مجزرة حولا عام 1949، واعتبار أهل الحكم أن الأمر لا يعنيهم، ودفع أبناء المناطق الحدودية للهروب شمالًا بحثًا عن عمل وعلم.

أظهر شركاء العدوّ قلقًا من نتائج أحداث عام 1958، وابتهجوا لدى خسارة العرب حرب الـ 1967. عادوا إلى قلقهم بعد حرب 1973، قبل أن يتنفّسوا الصعداء عام 1978، عندما ذهب أنور السادات إلى "إسرائيل" مستسلمًا، ودخل جيش الاحتلال إلى لبنان ليقيم حزامه الأمني، فأشهر هؤلاء للمرة الأولى علاقتهم التاريخية مع "إسرائيل"، قبل أن يبلغ الانقسام ذروته عام 1982، عندما قرر شركاء العدوّ من اللبنانيين أن يقدموا له العون ويشاركوا في جرائمه الوحشية، ليصل هياجهم إلى لحظة الذروة مع تعيين بشير الجميل رئيسًا للجمهورية، ثمّ شقيقه أمين رئيسًا بديلًا. لكن، وكما دائمًا، فاتهم أن الأمر لا يستوي لمجرّد وجود رغبة أو قوة قاهرة، فانتهت أحلامهم على شكل حرب أهلية جديدة.

عندما توقفت الحرب الأهلية، كان العدوّ يسعى إلى إدامة احتلاله للجنوب، فعاد ليبحث عن حلفاء بطريقة مختلفة. وعندما وقعت حرب تموز عام 1993، حاول الأميركيون والفرنسيون إنتاج صيغة لبنانية مختلفة للتعامل مع "إسرائيل"، لكنّ حافظ الأسد ضربها في مهدها. وتكرّر الأمر نفسه بعد حرب نيسان 1996، عندما جهد الغرب نفسه لفرض تفسيرات تمنع المقاومة من مواصله نضالها، وعندما صُدم العدوّ وحلفاؤه بقدرة المقاومة على التحرير عام 2000.

بعد التحرير، نشّط العدوّ علاقاته اللبنانية، معزّزًا أدواره الأمنية، ودخل في برنامج تعاون مع الأميركيين والفرنسيين لدفع قسم من اللبنانيين، إلى التصرف مع المقاومة كأنّها مقاول أنجز عمله، وصار الوقت لإعفائه من الخدمة. وبدأت الحملة بالتركيز على أنّ "إسرائيل" ليست هي المشكلة، إنما المشكلة تكمن في الوجود السوري.
ومن يومها، أُدخل لبنان في متاهة جديدة، ظلّت محتدمة حتّى عام 2006، عندما تطوّعت "إسرائيل" من جديد لمعالجة "مشكلة حزب الله" لمصلحة الأميركيين وحلفائها من العرب واللبنانيين.

ولمن لا يريد أن يتذكّر، فإنه خلال حرب تموز نفسها (عودوا إلى وثائق “ويكيليكس” الأميركية) برز الانقسام اللبناني بصورة أشدّ قساوة من التي نراها اليوم، وكان صمود المقاومة بمثابة خيبة لكل الذين لم ينتظروا دفن الشهداء وعودة النازحين إلى بيوتهم المدمّرة، ليطلقوا أكبر حملة ضدّ كلّ ما له صلة بالمقاومة، ساعين إلى نزع سلاحها بكلّ الوسائل. وغبيٌّ أو ساذج من يعتقد أن محاولة المسّ بسلاح الاتّصالات الخاص بالمقاومة في أيار 2008 كان عملًا منفصلًا عن المشروع نفسه الذي كان ولا يزال يقوده لبنانيون يريدون العلاقة مع "إسرائيل" ولا يريدون مقاومتها على الإطلاق.

اليوم، يبرز الانقسام بصورة واضحة أيضًا. وكلّ محاولات التذاكي من قبل خصوم المقاومة الآن، لا تنفع في التغطية على مشاركتهم للعدوّ في أهدافه التي لا تقتصر على محاولة تدمير حزب الله كقوة عسكرية، بل إنهاء وجوده سياسيًا وشعبيًا واجتماعيًا، وفتح الطريق أمام جماعة التطبيع الذين سيخرجون علينا من جديد قائلين: العين لا تقاوم المخرز!

المقاومة الإسلاميةالولايات المتحدة الأميركيةالكيان الصهيونيالتطبيعالعدوان الإسرائيلي على لبنان 2024

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
عزّ الدين: للصبر حدود.. والمقاومة قوية ومُقتدرة وجاهزة لكلّ الاحتمالات
عزّ الدين: للصبر حدود.. والمقاومة قوية ومُقتدرة وجاهزة لكلّ الاحتمالات
أبو حمدان: لن نسمح أو نقبل بالتطبيع على الإطلاق
أبو حمدان: لن نسمح أو نقبل بالتطبيع على الإطلاق
الشيخ قاسم: إذا لم تلتزم "إسرائيل" فلن يكون أمامنا إلا العودة إلى خيارات أخرى
الشيخ قاسم: إذا لم تلتزم "إسرائيل" فلن يكون أمامنا إلا العودة إلى خيارات أخرى
رعد: الحكومات هي ما تصير من الماضي أما المعادلات التي يرسمها الشهداء فتخلد إلى ما بعد التاريخ
رعد: الحكومات هي ما تصير من الماضي أما المعادلات التي يرسمها الشهداء فتخلد إلى ما بعد التاريخ
فيديو | قادةٌ شهداء على طريق القدس
فيديو | قادةٌ شهداء على طريق القدس
كاتب أميركي يحذّر ترامب: ضرب إيران ليس نزهة
كاتب أميركي يحذّر ترامب: ضرب إيران ليس نزهة
مستشارة سابقة للخارجية الأميركية: على الكونغرس اغتنام الفرصة للحد من تسليح "إسرائيل"
مستشارة سابقة للخارجية الأميركية: على الكونغرس اغتنام الفرصة للحد من تسليح "إسرائيل"
عراقتشي: إيران لن تسعى لانتاج السلاح النووي تحت أي ظرف من الظروف
عراقتشي: إيران لن تسعى لانتاج السلاح النووي تحت أي ظرف من الظروف
القوات المُسلحة اليمنية تستهدف بالصورايخ والمُسيَّرات حاملة الطائرات الأميركية في البحرِ الأحمر
القوات المُسلحة اليمنية تستهدف بالصورايخ والمُسيَّرات حاملة الطائرات الأميركية في البحرِ الأحمر
شهداء وجرحى جراء العدوان الأميركي على عدة محافظات يمنية
شهداء وجرحى جراء العدوان الأميركي على عدة محافظات يمنية
فضيحة جديدة لجيش الاحتلال: البحث عن موظّفي احتياط عبر شبكات التواصل الاجتماعي
فضيحة جديدة لجيش الاحتلال: البحث عن موظّفي احتياط عبر شبكات التواصل الاجتماعي
نتنياهو يضع "بطة عرجاء" في "الشاباك".. خطوة استراتيجية لإضعاف الجهاز‎
نتنياهو يضع "بطة عرجاء" في "الشاباك".. خطوة استراتيجية لإضعاف الجهاز‎
إخبارٌ من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ضدّ مطلقي الصواريخ ومحرّضي الداخل
إخبارٌ من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ضدّ مطلقي الصواريخ ومحرّضي الداخل
مجزرة في مخيم جباليا.. 19 شهيدًا بقصف الاحتلال عيادة "للأونروا"
مجزرة في مخيم جباليا.. 19 شهيدًا بقصف الاحتلال عيادة "للأونروا"
وزير حرب العدو يكشف عن الهدف الحقيقي للعملية في رفح
وزير حرب العدو يكشف عن الهدف الحقيقي للعملية في رفح
فيديو| كلمة الشيخ قاسم بمناسبة يوم القدس العالمي 2025
فيديو| كلمة الشيخ قاسم بمناسبة يوم القدس العالمي 2025
الرئيس عون: "إسرائيل" هي المبادِرة إلى خرق وقف النار وحزب الله متعاون في الجنوب
الرئيس عون: "إسرائيل" هي المبادِرة إلى خرق وقف النار وحزب الله متعاون في الجنوب
الرئيس بري: "إسرائيل" تحاول استدراج لبنان إلى التطبيع لكنّنا لسنا في هذا الوارد
الرئيس بري: "إسرائيل" تحاول استدراج لبنان إلى التطبيع لكنّنا لسنا في هذا الوارد
وجه التطبيع الأوحد.. الذل والخسارة
وجه التطبيع الأوحد.. الذل والخسارة
هيئات مغربية تدين زيارات التطبيع مع الكيان الصهيوني 
هيئات مغربية تدين زيارات التطبيع مع الكيان الصهيوني 
بعد محاولة ترهيبهم بالأمس.. أطفال لبنان للعدو: باقون على العهد
بعد محاولة ترهيبهم بالأمس.. أطفال لبنان للعدو: باقون على العهد
صمود يرعب العدو.. أبناء الضاحية: باقون ولن نتراجع
صمود يرعب العدو.. أبناء الضاحية: باقون ولن نتراجع
فيديو| هدف غارات العدو على الضاحية ترويع أطفال المدارس!
فيديو| هدف غارات العدو على الضاحية ترويع أطفال المدارس!
 لأول مرة منذ وقف إطلاق النار.. العدو يوسّع عدوانه "الوحشي" ويستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت
 لأول مرة منذ وقف إطلاق النار.. العدو يوسّع عدوانه "الوحشي" ويستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت
الخروقات "الإسرائيلية" مستمرة.. قصف مدفعي وفوسفوري يستهدف عدة بلدات جنوبًا
الخروقات "الإسرائيلية" مستمرة.. قصف مدفعي وفوسفوري يستهدف عدة بلدات جنوبًا