ابناؤك الاشداء

مقالات مختارة

هل نعرف من نقاتل؟
04/10/2024

هل نعرف من نقاتل؟

إبراهيم الأمين - صحيفة الأخبار

بنيامين نتنياهو من النوع الذي يهتم كثيرًا بالشكل. هذا لا يعني انه ساذج. لكنّه ممثل نجح خلال ثلاثين سنة في البقاء على الحلبة. وهو في هذه المرحلة من حياته السياسية، يفكر بطريقة مختلفة، ويبحث عن إنجاز يكرّسه في الذاكرة الجماعية لليهود بطلًا مؤسسًا لـ"إسرائيل" العظمى.

الرجل عاش سنوات قاسية في منزل شديد الايمان بالأساطير، وبعد تحوّله إلى العمل السياسي، صار أكثر تعلقًا بوالده، بنتسيون نتنياهو، الأكاديمي المتخصص في تاريخ اليهود الأشكناز، وصار الابن يردّد حكايات والده عن مؤسس "الصهيونية التصحيحية" زئيف جابوتنسكي. 

عاش مجنون "إسرائيل" في مناخ شديد الكآبة، وشديد التعصب الديني والسلوكي. إذ كان والده ينعزل عن الجميع بسبب آرائه المتطرّفة وحقده العلني على العرب والمسلمين، حتّى انه تورّط في قتل يهود كانوا يعارضون سياسة التهجير القسري ليهود العالم إلى "إسرائيل".

لكن "بيبي" حاول أن يكون "الصبي الشقي" بعيدًا عن المنزل، واستفاد كثيرًا من السنوات التي أمضاها في الولايات المتحدة. وأهم ما ورثه عن والده ومعلمه قناعة بأن ديفيد بن غوريون كان خائنًا للفكرة اليهودية الخالصة عندما وافق على قرار التقسيم ورضي بجزء من أرض فلسطين، وتخلّى عن "يهودا والسامرة" التي يعتقد اليهود بأنها قلب الدولة الموعودة.

كلما تقدم نتنياهو في العمر، أشهر عناصره الايمانية على شكل مفاهيم عقائدية، وليس عبر طقوس كالتي يقوم بها الآخرون. لا يروق له ما يقوم به هؤلاء، لكنّه يرى فيهم جنودًا يخدمون فكرته. وجلّ ما يسكن عقل الرجل الآن هو ان يتم تطويبه مؤسس "إسرائيل" الجديدة!

هذا من نقاتله الآن!

ما يقوم به نتنياهو منذ نحو عام يجري وفق برنامج أعدّه بمعاونة فريق من أهم صنّاع القرار في المطابخ السياسية والأمنية والاقتصادية في "إسرائيل"، بدعم مطلق من مراكز القرار الأميركية والغربية. وهذا البرنامج هو الفرصة الذهبية لأن تثبت "إسرائيل" موقعها القيادي المطلق في المنطقة. وهو موقع لا يحتاج إذنًا من أحد، بل يُنتزع غصبًا، ليس عن أهل الأرض في فلسطين أو لبنان فحسب، بل غصبًا عن كلّ من يعتقد نفسه معنيًا بالقدس وفلسطين والمنطقة، وهو الموقع الذي كانت أميركا تعد به "إسرائيل" في حال دخلت في تسوية مع الفلسطينيين مطلع تسعينيات القرن الماضي. تلك التسوية التي اعتبرها نتنياهو نفسه استسلامًا، قبل أن يقتل فريقه بطلها "الإسرائيلي" اسحق رابين، ثمّ يستكمل رفاقه قتل بطلها الفلسطيني ياسر عرفات.

ما يجري اليوم يمكن تبسيطه بحسب بعض ساسة لبنان وفلسطين والخليج، من جماعة الاستسلام، بأن "إسرائيل" كانت تسير بكلّ طيبة خاطر نحو سلام مكتمل الأركان مع العرب والمسلمين، إلى أن جاء فريق إيران من فلسطين ولبنان واليمن والعراق لقلب الطاولة. لذا يجد هؤلاء في الأمر تبريرًا لما تقوم به "إسرائيل" الآن، وهم يشكّلون فريقًا كاملًا، بسياسييه وإعلامييه ومفكريه وأكاديمييه، ولم يعودوا مهتمين بإخفاء أنّهم جزء من المشروع السياسي الذي لن يقوم الا بانتصار "إسرائيل" الكامل على كلّ المحور المقابل.

ما يجب أن يكون واضحًا لنا أولًا، ولغيرنا ثانيًا، أنّ الهدف الفعلي لهذه الحرب، لم يكن اصلًا مرتبطًا بأهداف موضعية مثل استعادة الأسرى في غزّة، أو إعادة المستوطنين في الشمال، أو ضرب قدرات الفصائل المنضوية في المقاومة. الهدف الوحيد والواضح هو السعي إلى أن تتولى "إسرائيل" مهمّة يريدها الغرب الاستعماري بقيادة أميركا وبريطانيا وأوروبا، ومعهم جماعة التطبيع العربي، بالتخلّص من كابوس محور المقاومة بكلّ ما فيه، من دول أو قوى أو مجموعات أو قدرات... أو جمهور ايضًا. وهي مهمّة لا يتقنها الا من يملك عقيدة قائمة على قتل الآخر، أي آخر، ويمثلها اليوم مجنون العصر بنيامين نتنياهو، ولكن ليس وحيدًا، بل مسنودًا من كلّ نخب الكيان، من كلّ الصنوف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ممن يهللون للجريمة المفتوحة.

فهل من سبيل لمواجهة هذا الجنون بغير المقاومة، بأعلى قدر من الصبر والمثابرة، وأعلى درجة من الثقة بأن لدى المقاومين، في كلّ المنطقة، الإرادة والقدرة على تحقيق ما يبقي "كابوس المقاومة" حيًا ممسكًا برؤوس الأعداء. اما من بدأ يرتّب ياقاته استعدادا لحفلة كالتي شهدها لبنان صيف العام 1982، فهو ليس الا مجنونًا لا يريد التعلم من دروس التاريخ.

بنيامين نتنياهو

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة