فيديو
مارسيل غانم الى العمل السياسي.. والمهنة لأصحابها؟
ميساء مقدم
يُصنف الحياد والموضوعية في العمل الاعلامي كقيمتين ضروريتين تدرّسان ضمن أخلاقيات الإعلام والعمل الصحفي. والمقصود هنا بالحياد هو تجرّد الإعلامي أو المؤسسة الإعلامية من المواقف المسبقة الخاصة بها خلال أداء الرسالة الإعلامية في نقل المعلومات أو الأحداث أو معالجة القضايا. وتفترض الموضوعية الالتزام بالدقة المتناهية في أداء الرسالة من خلال اظهار جوانب القضية كافة دون بتر أو اجتزاء أو زيادة أو ميل أو تحوير نحو رأيٍ محدد.
ومع صعوبة الالتزام بهذين العنصرين خلال أداء الرسالة الإعلامية، نظرًا لأن القائم بالاتصال غالبًا هو عنصر بشري لا يمكن له التجرّد كليًا من آرائه وخلفياته وأفكاره المسبقة، إلا أن الاقتراب النسبي من الحياد والموضوعية، يرفعان من قيمة ودقّة ومصداقية الرسالة الإعلامية، فيما يشكل الابتعاد عنهما واحدة من آفات الإعلام الموجّه الذي يحمل بروباغندا خاصة يسعى لترويجها بعيدًا عن الموضوعية.
في كتابه "الأخلاق الإعلامية بين المبادئ والوقائع"، يذكر د. جورج صدقة أنه "في فترة الحملة الانتخابية لانتخابات الرئاسة الفرنسية عام ٢٠٠٧ عبّر أحد الصحافيين بشكل عرضي عن تفضيله لمرشح، فكان أن اعتبرته المؤسسات الإعلامية التي يعمل فيها (ومنها إذاعة فرنسا والقناة الثانية في التلفزيون الفرنسي) أنه فقد الحياد الضروري لمواكبة الحملة الانتخابية وتم تعليق مشاركته في تغطيتها".
بالانتقال من العام الى الخاص، يصعب الحديث في الإعلام اللبناني عن حياد، نظرًا لأن غالبية وسائل الاعلام هذه مملوكة من جهات سياسية تسعى كل منها للترويج لسرديتها الخاصة. لكن بعض هذا "الإعلام" قد ألغى كل ما يتّصل بقواعد المهنة، مبطلًا الحدود بين الحقيقة والرأي، وبين الوقائع والآمال، وبين إدارة الحوار بين الضيوف وبين إلقاء المحاضرات السياسية تحت راية "الأمر لي".
برنامج الـ"التوك شو" اللبناني "صار الوقت" على شاشة "إم تي في"، بات مدرسة جديدة في خرق قواعد المهنة والاستخفاف بأخلاقياتها. مقدّم البرنامج "المخضرم" في عالم تقديم البرامج السياسية، وهو الأعرق على الساحة اللبنانية، بات اليوم يعمل "على المكشوف" ودون قفازات.
طيلة السنوات التي قدّم فيها مارسيل غانم برنامج "كلام الناس" على شاشة "إل بي سي"، كان يسعى ولو شكليًا لإظهار نوع من الموضوعية في برنامجه، فيستقبل ضيوفًا في اتجاهات مختلفة تتبنى مختلف الآراء السياسية، لكن في الوقت ذاته، يعمد الى اللعبة إياها: ضيف محنّك في الحوارات يتبنى الرأي الذي يسعى غانم لترويجه مقابل ضيف آخر ضعيف في الحوار يتبنى الرؤية المقابلة. وفي ذلك حنكة مطعّمة بخبث، لكنها ترتدي لبوس "الموضوعية".
أما على شاشة "ام تي في" مع "صار الوقت"، فتراه خارج كل معيار أو قيمة، يحاضر بالضيوف، يوجههم الى حيث يريد، يسخر، حتى تخاله هو الضيف لا مدير الحوار الذي ينبغي أن يترك آراءه السياسية وتوجهاته خارج الـ"الاستديو".
وحتى لا يكون حديثنا دون توثيق، لنأخذ حلقته بتاريخ 14 نيسان/ أبريل الحالي كنموذج. يتحدّث غانم لمدّة 9 دقائق متواصلة في مقدّمة برنامجه، يدلي بآرائه الخاصة حول مختلف القضايا، يخوّن ويعطي شهادات بالوطنية والاقتصاد والاجتماع والاخلاق، يدافع عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ويبيّض صورته، ويهاجم كل اجراء اقتصادي يمس بمصالح "المصارف":
- "هل نشكر العهد والحكومة على تحويل لبنان الى كوبا؟".
- "دمرتم بلدًا فجرتم مرفأ هجرتم مدينة قتلتم سياحة.."
- "مع خفة وزير اللا طاقة الحالي.."
- "القضاء المجنون في هذا العهد"
- "تخيلوا أن يصبح كل لبناني مضطرًا أن يقدم طلبًا للجنة الجهابذة.."
- "أنتم تأخذون لبنان الى المجهول والخراب وهذا ما يضعكم في مناصب الخونة شوية كرامة الله يخليكم".
كلها عبارات موجّهة، أكثر من مباشرة، من مقدّم البرنامج الذي يفترض أنه موضوعي، وسيدير في ما يلي من مقدّمته حوارًا موضوعيًا تستمع اليه مختلف الأطياف اللبنانية على تنوعها. لكن، بعد دراسة الحلقة، نجد أن آراء غانم الخاصة وتعليقاته وتوجيهاته أخذت قرابة الربع ساعة من وقت الحلقة التي تبلغ مدّتها قرابة الساعة والخمسين دقيقة من ضمنها الإعلانات، طبعًا دون احتساب ادارته للحوار بأسئلة موجّهة لم نعتبرها ضمن خانة "المحاضرات السياسية لغانم".
فيديو توضيحي ساخر: مارسيل غانم ضيف "صارق الوقت"
السؤال الأبرز هنا: طالما أن الرجل كشف عن وجهه ولم يعد يأبه لإدراك الجمهور أنه ليس إعلاميًا بل "كومبارس" له دوره الذي يجب أن يؤديه وآراؤه التي يريد أن يدلي بها من خلال هذه المنصة، لماذا لا يعلن غانم عن تحوّله من إعلامي الى سياسي ويكشف عن برنامجه السياسي وانتماءاته وأهدافه ويخوض هذا الميدان بشكل واضح وصريح وشجاع، ويترك مهنة الإعلام لأهلها؟