معركة أولي البأس

منوعات ومجتمع

هِيَ آية.. زرعٌ للمهدي
05/01/2023

هِيَ آية.. زرعٌ للمهدي

هدى محمد رحمة

كم تشبه اسمها، هي آية الياسمينية، تجلت فيها رحمة الله عز وجل، وكما خطَّ الله ميقات ميلادها، خطَّ تعالى ميقات رحيلها، بيده الأمر كله.

آية لم ترحل باكراً، الموت يعرف حتى الأجنة في بطون أمهاتهم. الله تعالى هو من أراد لآية أن تمر على هذه الدنيا الفانية مثل غصنٍ طريٍّ نديّ.

هي ابنة أقصى الجنوب وأقصى البقاع، تنتسب إلى عائلتَي العلماء والأدباء والشعراء، وآثار عائلتيها في الدين ونشر فضائل آل البيت والعلم والأدب والشعر كانت على امتداد الوطن وأكثر.

بين بنت جبيل وعيناتا حكاية واحدة. هما من أبرز قرى التحدي والصمود الأسطوري أمام المحتل، وآية، حفيدة هاتين القريتين، جدّاها العلامة الجليل الراحل الشيخ موسى شرارة، والراحل السيد نظام الدين فضل الله الذي لا زالت قصائده في آل بيت محمد الأطهار تتلى على المنابر الحسينية.

ابنة هاتين القريتين ولدت وعاشت في الهرمل، بلدة الكرم والوفاء، كيف لا وعلماء آل شرارة الأفاضل  من بنت جبيل رحلوا إليها، أقاموا فيها وصاروا من أهلها ورموزها؟ كيف لا وخيرة الشبان في الهرمل سمعوا نداء الجنوب وهبوا للدفاع عنه ضد المحتل، وفي تراب قراه عبق دمائهم الزاكية؟

وفي وداع آية، في تشييعها المهيب وخلفها جموع المحبين، وكأنها خرجت من كل بيوتات الهرمل، بكاها الكبير والصغير، واحتضن تراب الهرمل جسدها في مقام جدها الجليل.

وكما في وهب الحياة يتجلى كرم الله بأن أراد لوالدَي آية أن يكونا أبوين فأهداهما آية، كذلك في نزع الحياة يتجلى كرمه وعطفه ورحمته تعالى. من بنت جبيل وعيناتا إلى الهرمل ترحمت الناس على آية، من يعرفها ومن لا يعرفها، وكل ذِكرٍ على ألسنة وفي قلوب الناس كان هديةً لروح آية.

هي آية، النسمة الرقيقة البريئة الياسمينية، صفحات حياتها بيضاء نقية مثل وجهها، هي الخلوقة البشوشة البارّة المتفوقة المحبوبة، هي ابنة بيت الالتزام الديني والأخلاقي والتربوي، هي ابنة والدَين زرعا فيها كل ما يغذي روحها الصافية. كانت آية تحفظ آيات القرآن الكريم وتدرس معانيه وتجويده، دليلة في كشافة الإمام المهدي (عج)، من أشعلت شمعة شوقها للمهدي في سلامها عليه في عامها الأخير، مرّت خفيفةً على كل من عرفها، تشبه حياتها رحيلها.

يحضر ببالي الشهداء الذين استشهدوا بعمرٍ صغير، هم لم يملكوا الوقت حتى لارتكاب الذنوب، أو أقلها الذنوب الكبيرة، واختارهم الله شهداء بعمرهم الذي لا يتعدى العشرين ربيعاً، وبأول قطرة دمٍ نزفت منهم، غفر الله ذنوبهم الصغيرة، وهكذا آية التي لم تكمل الخمسة عشر ربيعاً. وكما أن عوائل الشهداء مطمئنون لمصير ومكان أبنائهم، ومتيقنون أنهم مهما قدموا لأبنائهم من أسباب سعادةٍ في هذه الدنيا، لن تكون قطرةً في بحر ما وصلوا إليه وهم بين يدي ربٍ رحيمٍ غفورٍ عطوف، فهو عز وجل أرحم من الأم على ولدها، وهكذا أهل آية.

تأتي سكرة الموت لتُنَبِّه، لتوقِظ، لتَهُز، أن اعملوا يا عباد الله، أن استغفروا، توبوا، اقتربوا... هذا الموت على الباب، لا ينذر، لا يستأذن.

المصاب كبير بلى، والقلب يعتصر حتماً، قلب أمٍ وأبٍ فقدا وحيدتهما ومدللتهما وحصاد حياتهما. لم تكن آية تنادي أعمامها وأخوالها بالشيخ والنائب والدكتور والأستاذ، بل كان خطابهم بلغة العاطفة، عمو وخالو، هي آية صاحبة الحضور الآسر بين أقاربها.

هو قضاء الله عز وجل الذي لا مفر منه، وهم أهل آية الذين وقعوا في هذا البلاء العظيم، هم أهل العاطفة، وأهل الحب. والدها الأستاذ رائد شرارة ابن العالم الجليل الشيخ موسى شرارة الذي واكب وخدم أباه الراحل حتى آخر أنفاسه الطاهرة، وأمها المربية الهاشمية ليس غريباً عليها وبقلبها الفائض بالحنان أن تحتضن صديقة ابنتها وأمام نعش وحيدتها تواسيها، وهي صاحبة المصاب، فهي تنتسب إلى أم المصائب زينب الحوراء عليها السلام التي على ثقل فجيعتها وفقدها قالت "ما رأيت إلا جميلا".

إقرأ المزيد في: منوعات ومجتمع