فلسطين
ترميم "عين الحلوة" لتعطيش فلسطينيي الأغوار
يواصل المستوطنون الصهاينة بخطوات حثيثة ترميم نبع عين الحلوة بالأغوار الشمالية بهدف الإستيلاء الكامل عليها وتحويلها لمتنزه للإستجمام.
عين الحلوة هي واحدة من الينابيع القليلة جدًا في الأغوار التي بقي الفلسطينيون يستخدمونها للشرب وسقاية مواشيهم بعد جفاف عدد كبير من الينابيع والآبار الإرتوازية الفلسطينية بفعل ممارسات الإحتلال الإسرائيلي، وسيطرة شركة "ميكروت" على غالبية مصادر المياه الجوفية في المنطقة.
ويحاول الإحتلال إغلاق المنطقة بالكامل لصالح المستوطنين، وهو ما يعني حرمان عشرات العائلات الفلسطينية في المنطقة من حقّهم في النّبع، علماً أنّهم يعتمدون عليها بشكلٍ أساسي لاستخداماتهم اليومية عليه.
قوات العدو كثّفت من إقامة الآبار الإرتوازية
يوضح الباحث في شؤون الإستيطان والأغوار وليد أبو محسن أنّ عمليات التّرميم الأخيرة التي يقوم بها المستوطنون في نبع عين الحلوة جزء لا يتجزأ من سياسة الإحتلال الرامية لتعطيش سكان الأغوار بهدف ترحيلهم، ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى عين الحلوة، يفاقم أزمة المياه الموجودة في المنطقة منذ إحتلالها وإستيلاء الإحتلال على مصادر المياه فيها.
ويضيف أبو محسن أنّ حجم الإعتداءات على مصادر المياه من قبل سلطات الإحتلال والمستوطنين كبيرة جدًا وخاصة في مناطق الأغوار الشمالية، مؤكّدًا أنّ عين الحلوة تعتبر من أكثر ينابيع المياه تدفقًا في المنطقة، ويعتمد السكان عليها بشكل أساسي.
ويحاول المستوطنون منذ سنوات طويلة الإستيلاء على عين الحلوة وترهيب المواطنين لمنعهم من الإقتراب منها، كما يقول أبو محسن، لكن هذه المرة هناك جهود متواصلة وحثيثة ترمي للسيطرة الكاملة عليها، ويأتي ذلك بعد عدّة أشهر من قيام سلطات الإحتلال بتسييج عين الساكوت لمنع الفلسطينيين من وصولها، علمًا أنّ الإحتلال يحرم الفلسطينيين من استغلالها منذ سنوات طويلة، حيث يستخدمها المستوطنون للأغراض الزراعية.
ويشير أبو محسن إلى أنّ منذ إحتلال الأغوار أوقفت سلطات الإحتلال غالبية الآبار الإرتوازية الفلسطينية عن العمل، والتي كان يبلغ عددها 56 بئرًا قبل عام 1967، كما سيطرت شركة "ميكروت" الإسرائيلية على مصادر المياه الجوفية في الأغوار، حيث حفرت الشركة 42 بئرًا في مناطق الأغوار كاملة، وهذه الآبار محفورة على أعماق كبيرة وتضخّ ما بين 60- 70 مليون متر مكعب من المياه سنويًا، وهو ما أدّى إلى سحب غالبية المياه الجوفية في المنطقة، وبالتالي جفاف المياه وشحّها في غالبية الآبار والينابيع الفلسطينية المتبقية، وأصبحت سلطات الإحتلال تزود تجمعات الأغوار بالمياه عبر شركة "ميكروت" الإسرائيلية بكميات شحيحة ومحدّدة لا تكفي السكان لأغراضهم اليومية ومزروعاتهم ومواشيهم.
يلفت أبو محسن إلى أنّ مصادر المياه الفلسطينية الموجودة في الأغوار تنقسم حالياً إلى قسمين: فمنها ما جفّ نهائيًا أو شحّت مياهه بسبب الآبار العميقة لشركة ميكروت، ومن الأمثلة على ذلك عيون الماء والآبار الموجودة في قرى عين البيضاء، وبردلة، وكردلة، أما القسم الآخر الذي لم تتأثر كمية المياه فيه إستولت سلطات الإحتلال عليه بشكلٍ كامل وزوّدت المستوطنين بمياهه لأغراض زراعية مثل عين الساكوت، علمًا أنّ غالبية المستوطنات الإسرائيلية في الأغوار هي مستوطنات زراعية، وجميعها يزودها الإحتلال بكميات مياه هائلة مقابل حرمان سكان المنطقة من هذه المياه.
الإحتلال يلاحق حتى صهاريج المياه
لا تقتصر انتهاكات الإحتلال للحق الفلسطيني بالإستيلاء على المياه الجوفية والينابيع الأساسية وحرمان الفلسطينيين منها، بل يتعدّى ذلك إلى ملاحقة صهاريج المياه التي تزوّد سكان المضارب وخِرَب الأغوار بالمياه لاستخداماتهم اليومية.
يقول أبو محسن إنّه تمّ تخصيص 118 مليون متر مكعب من المياه للفلسطينيين سنوياً حسب اتفاقية أوسلو، وهذه الحصة تبلغ حوالي 15% فقط من كمية المياه المتاحة في فلسطين التاريخية والتي تبلغ 700 مليون متر مكعب، موضحًا أنّ سلطات الإحتلال لم تقم بإعطاء هذه الحصة كاملة للفلسطينيين خلال 28 عاماً، كما أنّها لم تقم بزيادة الحصة بالرغم من تضاعف عدد السكان منذ ذلك الوقت حتى الآن، ففي ذلك الوقت كان يبلغ عددهم في الضفة وغزة 2 مليون ونصف المليون مواطن، في حين يبلغ العدد الآن 4 ملايين مواطن.
تحديد كمية المياه من الشرب والإستحمام بالليترات
من جهته، يوضح سامي حمدان من مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين أنّ الإحتلال منذ عام 1967 وحتى الآن يدير ويستغل المياه في الأغوار ويقدّم حصصًا قليلة منها للفلسطينيين، ومما زاد من سوء الوضع زيادة عدد المستوطنين في مناطق الأغوار.
وتطرّق للحديث عن حصص المياه في المنطقة، حيث توصي منظمة الصحة العالمية بـ 110 لترات من المياه كحدّ أدنى للفرد الواحد في اليوم لاستخدامها لأغراض الشرب والإستحمام وغيرها من الحاجات اليومية، لكن المواطن الفلسطيني يحصل على معدل 83 لترًا من المياه فقط، وفي المناطق التي تعاني من مضايقات الإحتلال بشكل كبير مثل مناطق الأغوار يحصل الفرد على كمية تتراوح بين 20- 25 لتراً من المياه فقط، بينما يحصل المستوطن على كمية تصل إلى 400 لتر من المياه في اليوم أي أضعاف ما يحصل عليه المواطن الفلسطيني.
ويتخوّف مراقبون أن يتّجه المستوطنون بعد عين الحلوة لغيرها من العيون المتبقية، وبالتالي تصبح مصادر المياه المتاحة للفلسطينيين في الأغوار معدومة بعد أن كانت شحيحة.
العدو يلجأ لإقامة المستوطنات من أجل السيطرة على المياه
توضح ورقة بحثية أعدّها مركز عبد الله الحوراني للدراسات التابع لمنظمة التحرير "أنّ الإستيطان بدأ في الأغوار الشمالية منذ احتلالها عام 1967، بسبب قربها من الحدود الأردنية، وخصوبة أراضيها، ووفرة مياهها، وقربها من مدينة بيسان المحتلة عام 1948، وأقيمت أولى المستوطنات عام 1968 وهي مستوطنة "ميخولا" الزراعية، وتصاعدت وتيرة الإستيطان بعد طرح مشروع "ألون" للسيطرة على الأغوار الفلسطينية، حيث أقيمت 7 مستوطنات جديدة أغلبها ذات طابع زراعي وعسكري في آن واحد، بالإضافة إلى إقامة 3 بؤر استيطانية جديدة ".
ويمثل النشاط الاقتصادي الإستيطاني أهمية كبيرة بالنسبة لدولة الإحتلال في هذه المنطقة، لما تحويه من أراضٍ زراعية خصبة بالإضافة إلى مزارع الأبقار الضخمة وعدد كبير من المصانع التي تعتمد على الإنتاج الزراعي والحيواني في تصنيعها لا سيما الأعشاب الطبية، ويقدّر حجم أرباح المستوطنين من خلال الإستثمار في الأغوار الشمالية بحوالي 650 مليون دولار سنوياً... وفي المقابل تخسر دولة فلسطين سنوياً حوالي 800 مليون دولار بسبب سيطرة الإحتلال على هذه المناطق.
ووفقاً للمركز "تعتبر منطقة الأغوار الشمالية ضمن الحوض المائي الشرقي الأكبر في فلسطين، ورغم ذلك يسيطر الكيان الصهيوني على 85% من مياه الأغوار الشمالية، فيما يتحكم الفلسطينيون بـ 15% المتبقية. وتشير الأرقام أنّ معدل استهلاك المستوطن القاطن في الأغوار الشمالية يبلغ 8 أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني".
إقرأ المزيد في: فلسطين
30/10/2024