خاص العهد
أجهزة الرقابة في لبنان: قراءة في الدور والفعالية
محمد علي جعفر
تُشكل الرقابة على أجهزة الدولة إحدى أسس النظام الديمقراطيّ الحديث. ومع تطور مفهوم الدولة نحو الدولة الإدارية أو الدولة الحديثة وسعي الدولة لتفعيل دورها الخدماتي تجاه المواطن، بدأت الدول بتأسيس هيئات حكومية تنظيمية وتفتيشية وبالتالي تحوّلت الإدارة العامّة إلى جزء أساسي من الحياة اليومية للمواطن في الدولة الحديثة.
ساهم هذا التطور في تحميل الدولة مسؤوليات إضافية تتجاوز مُجرد إدارتها للخدمات المدنية. فإلى جانب ضمان حقوق المواطن، باتت الدول اليوم معنية بضمان إستمرارية حصول المواطن على حقوقه من جهة، وضمان الإستعمال الأمثل لموارد الدولة من قبَل الأجهزة الإجرائية المعنية تأمين هذه الحقوق. وهو ما يدفع الدول لإنشاء وتحديث منظومة رقابية تضمن استعمال الدولة لصلاحياتها، وتمنع المساس بالمصلحة العامة أو استغلال قوة السلطة من أجل المنفعة الشخصية وذلك بناءاً لمعايير تضعها الدولة تُنظم عملها. تُساهم هذه الأجهزة في تأمين التوازن في الدولة الديمقراطية عبر منع استغلال السلطة وتحقيق منفعة المواطن. بالإضافة الى ما تقدم، تنطلق أهمية الرقابة من قيمة أن الجهاز التنفيذي للدولة هو في خدمة المواطن، وبالتالي تُمارس هذه المنظومة دورها، على السلطة التنفيذية وتُقدم تقاريرها للمسؤوليين ونتائجها للرأي العام. بالنتيجة تتعاطى الدول الحديثة مع مفهوم الرقابة على أنه الوسيلة لضمان نجاح الإدارة العامة ضمن معياري المسؤولية والشفافية.
جاء إنشاء أجهزة الرقابة في لبنان لتعزيز إدارة الدولة بمفهومها المؤسساتي ووضع الأجهزة التنفيذية للدولة تحت مظلة الرقابة. وهو ما يمنع الإستنسابية الإدارية وتغليب لغة المصالح لدى السلطة السياسية وأهل الحكم. لكن غياب الدور الفعَّال لهذه الأجهزة، ساهم في تعزيز واقع الفساد الذي تعيشه الدولة اللبنانية.
تتعدَّد مؤسسات الرقابة في لبنان وهي مجلس الخدمة المدنية، ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي. يعمل مجلس الخدمة المدنية على تأمين كل ما يتعلق بشؤون موظفي القطاع العام من التعيين الى الترقية والنقل والتعويض ... الخ. يتولى ديوان المحاسبة مهمة القضاء المالي عبر مراقبة استعمال الأموال العامة وفق الأنظمة والقوانين ومحاكمة المخالفين. يتولى التفتيش المركزي مراقبة العمل الإداري للمؤسسات العامة وتنسيق الأعمال فيما بينها. يُشكل هذا المثلث الرقابي دورة منظومة الرقابة في لبنان والتي تغطي موارد الدولة البشرية والمالية والإدارية. فهل تُمارس هذه الأجهزة دورها بشكل فعَّال؟
خلال الفترة الأخيرة ضجت الساحة اللبنانية بعدد من الفضائح التي تتعلق بالفساد المالي والإداري للدولة وبالتالي تتعلق بموارد الدولة وكيفية إدارتها (ملفات عديدة منها: كازينو لبنان، وزارة الإتصالات، داتا المعلومات و.. الخ). لعب الإعلام الدور الأبرز في تبيين الحقائق وذلك عبر نقل خطاب النخبة الحاكمة وتوجيه الرأي العام. فيما السؤال الأهم يتمحور حول غياب التقارير التي يجب أن تنجزها الأجهزة الرقابية للدولة اللبنانية المنوطة مسؤولية مراقبة الملفات المتعلقة بموارد الدولة وإدارة هذه الموارد. فلماذا هذا الغياب؟
ضمن إطار هذا السؤال تُطرح عدة تساؤلات. لكن معرفة اللبنانيين بحقيقة أن أجهزة الرقابة في لبنان تعود للسلطة التنفيذية كافٍ بحد ذاته لتبيان الخلل الذي تُعاني منه الدولة في لبنان. فإذا كانت وظيفة أجهزة الرقابة ممارسة الدور الرقابي على الجهاز التنفيذي للدولة، فكيف لجهازٍ رقابيٍ أن يُمارس الرقابة على نفسه؟
في لبنان يتستَّر أهل السلطة تحت عناوين عديدة لا سيما الطائفية والمذهبية التي يأخذونها ساتراً لتخويف اللبنانيين. في حين أن الطائفية والمذهبية ليست إلا مُبرراً لتأمين استمرارية الواقع الإداري المُترهل للدولة وبالتالي تأمين استمرارية حكم هذه النخبة. لم تكن الطائفية يوماً مشكلة في لبنان في وقتٍ يختلف فيه أبناء نفس الطائفة حول منطق إدارة الدولة. تُشكَّل المحسوبية في لبنان إحدى معضلات الحكم، فيما يُشكل غياب الآليات والتدابير الإستباقية والردعية لأجهزة الرقابة مُعضلة أخرى. وإذا كان نجاح الرقابة مقياساً لحصانة الديمقراطية فأي ديمقراطية يتغنى بها أهل السلطة في لبنان؟
يحتاج لبنان لتجديد بنيته عبر فصل السلطات وتأمين البنية الأسلم لجهاز الرقابة عبر فصله عن السلطة الإجرائية وجعله سلطة حقيقية مُستقلة بعيدة عن تدخلات أهل السياسية، لتكون قادرة على تقديم تقاريرها للمعنيين وللرأي العام. يجب أن يكون هذا الجهاز مصدر نجاح السطلة التنفيذية في ممارسة دورها الخدماتي تجاه المواطن. ويجب أن يكون هذا الجهاز حَكماً يُرشد المواطنيين الى نجاح الوزارات والإدارات في القيام بواجباتها.
إن ازمة الثقة بين المواطن والدولة اللبنانية مردها الى الفساد السياسي. اليوم، يجب أن تكون الأولوية لحماية المؤسسات الرقابية عبر تفعيل دورها وإعطائها سلطة حقيقية لا وهمية!