خاص العهد
هل تنقذ اللوحات العمومية الجديدة قطاع النقل أو تُغرقه؟
فاطمة سلامة
يُحدّثنا العائدون من بلاد الاغتراب عن الفرق الشاسع بين لبنان والدول لناحية قطاع النقل. "الفوضى" التي تسود هذا القطاع في لبنان مقابل "التنظيم" في البلدان الأخرى، تُشكّل مدعاة للأسف. بالنسبة اليهم، فهذا الأمر ليس شيئاً عابراً أو عارضاً. إنّه بكل بساطة "أسلوب حياة"، إن صلُح صلُحت معه العديد من الأمور، وإن فسُد فحدّث ولا حرج عن التداعيات.
والجدير ذكره أنّ الأزمات التي تضرب قطاع النقل في لبنان ليست "طارئة"، عمرها عقود. على الدوام، نسمع وعوداً تُبشّر بقرب تطبيق خطة شاملة للنقل تُغيّر الواقع المخزي. أيّ من هذه الوعود لم يبصر النور. على العكس تماماً، كل يوم يسير هذا القطاع الى الوراء، ويتمخّض عنه الكثير من المشاكل على رأسها "زحمة السير" التي باتت عبئاً على دورة الحياة بكاملها.
اليوم يعود الحديث عن ضرورة إقرار خطّة شاملة واستراتيجية لقطاع النقل في لبنان مع اقتراح قانون يقضي بزيادة عدد اللوحات العمومية في الأسواق. وهو الاقتراح الذي أُقر خلال مناقشة الموازنة في مجلس الوزراء كباب لرفع الإيرادات. إلا أنّ القرار المذكور رافقته الكثير من الآراء المؤيدة من جهة، والمعارضة من جهة أخرى. فهل ستساهم هذه الزيادة في تنظيم قطاع النقل العام، أم ستعمل على إغراقه وتحميل المواطنين أعباء إضافية؟.
الموسوي..خطوة "صائبة"
رئيس اتحاد "الولاء" لنقابات النقل والمواصلات أحمد الموسوي يستهل حديثه بالإشارة أولاً الى أنّ موضوع طرح اللوحات العمومية بالتداول كان بموافقة اتحادات النقل مجتمعةً. القرار لم يأت عبثاً، بل نتيجة الأوضاع المتردية التي يعاني منها قطاع النقل، والتعديات الصارخة عليه من قبل اللوحات المزورة والمكرّرة والبيضاء بكافة الفئات. يشرح الموسوي أنّ اتحادات النقل هي من طالبت بضخ أعداد كبيرة من اللوحات في الأسواق، من مبدأ المساواة بين جميع المواطنين وتمكين أي شخص من الحصول على "نمرة" بلا أي محسوبيات سياسية. وعملاً بهذا المبدأ "تمنينا على وزيرة الداخلية ريا الحسن فور إعلانها عن وضع لوحات عمومية جديدة في التداول (300 لوحة سيارة عمومية-300 لوحة ميني باص-1776 لوحة للشاحنات)، أن لا يقتصر الأمر على تلك الأعداد المذكورة، وهي لوحات موجودة في قانون 1994، بل أن يتم الاتفاق على آلية يجري خلالها وضع أعداد كبيرة تمكّن الجميع من امتلاك لوحة عمومية".
ومن هنا كانت الاجتماعات التي ترأسها رئيس الحكومة سعد الحريري مع الوزراء المعنيين واتحادات النقل والتي كان آخرها الأسبوع الماضي للاتفاق على وضع لوحات عمومية جديدة في التداول. برأي الموسوي، فإنّ وضع لوحات جديدة هو خطوة "صائبة نوفّر من خلالها فرصة عمل جديدة للمواطنين خصوصاً بعدما اتسع عدد المقيمين في لبنان. وهي خطوة تسهم في تنظيم القطاع الذي يعاني من تعديات غير مقبولة، فهناك أرقام تتحدّث عن 16 الف لوحة ميني باص (فان) تعمل بشكل غير شرعي، مقابل 4000 تعمل بشكل شرعي، و18 ألف سيارة أيضاً تعمل بشكل غير قانوني، مقابل نحو 33 ألف تعمل بشكل قانوني، مع ما يسبّبه هذا الأمر من ضرر على المواطنين الذين تعرّض قسم منهم للسرقة والتعديات".
لا يرى الموسوي في الخطوة أي إغراق للأسواق، على العكس تماماً، فالسيارات غير الشرعية تعمل بوجود "نمرة" عمومية من عدمه. وفيما يُحكى عن تأثير الخطوة على قدرة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي قد يجد نفسه غير قادر على تلبية كل هذا العدد، يلفت الموسوي الى أن لا خوف مطلقاً على الصندوق. على العكس، وضع لوحات جديدة يعني عملياً اشتراكات جديدة لمؤسسة الضمان. وحول المخاوف من أن تشهد أسعار اللوحات هبوطاً بسبب كثرة العرض، يُطمئن المتحدّث أنه جرى أخذ هذا الأمر في الحسبان ولن يهبط سعر "النمرة" أكثر من 5 ملايين عن السعر الموجود حالياً.
فياض..خطوة في غير محلها
وجهة نظر الموسوي، تقابلها أخرى لا ترى في الخطوة المذكورة سوى "دعسة ناقصة" وخطوة متسرّعة وفي غير محلها. وهي وجهة يعبر عنها رئيس الاتحاد العام لنقابات السائقين وعمال النقل في لبنان مروان فياض. وفق حساباته، اقتراح القانون أنجز بنفَس سياسي بعيداً عن أية دراسة. المنطق يقتضي إقرار خطة النقل الموجودة في مجلس الوزراء، بموازاة إعطاء السائقين الحوافز ودراسة السوق وحاجاته كما يجب، لا أن يتم إغراقه بلا أية معرفة مسبقة.
يستغرب فياض القرار الحكومي الذي لم يضرب حساباً للأوضاع المزرية التي يعاني منها السائقون الذين يكدون ليل نهار لتأمين الحد الأدنى. برأيه، لا بد أولاً من تحديث النقل المشترك وتطبيق خطة استراتيجية قبل توزيع هذه الأعداد الهائلة من اللوحات. ماذا يعني أن نغرق السوق بكميات هائلة من "النمر" وأعداد "الركاب" لا تزال على حالها؟ يسأل فياض، ويجيب "يعني حكماً ضرب قطاع النقل والعاملين فيه". يرفض فياض كل ما يقال حول أهمية هذه اللوحات في مكافحة التعديات على هذا القطاع، كما يُحذّر من التبعات التي سيتركها على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ويكشف عن تحضيرات وتحركات سيقومون بها لمنع هذا الأمر.
حمادي..لتطبيق خطة سير واضحة
يؤيّد رئيس نقابة "الميني باص" العمومي عبد الله حمادي أي اقتراح يعمل على مكافحة التزوير والغش في قطاع النقل، لكنّه يتمنى أن يُصار الى تطبيق خطة سير واضحة وقانون سير شفاف. يرفض حمادي توزيع المزيد من اللوحات بلا أي خطة ما سينعكس سلباً على العاملين حالياً في هذا القطاع ويسبب مأساة "نحن في غنى عنها". سائق السيارة الحالي ستزاحمه 15 ألف سيارة عمومية جديدة فضلاً عن العدد الموجود سابقاً، ما سيفتح الباب أمام المضاربات وسيادة الفوضى، وسيضع أعباء جديدة على السائق الذي سيجد نفسه أمام تراجع في المدخول اليومي.
يعيد حمادي التأكيد أنّ القرار في غير محله، ويختم بضرورة تطبيق خطة نقل وسير شاملة وواضحة بعيداً عن تحميل المواطن مزيداً من الأعباء.
مصادر في لجنة الأشغال العامة والنقل تشدّد في حديثها لموقع العهد على أنّ الاقتراح المذكور لا يزال بحاجة الى الكثير حتى ينضج، وتظهيره كما هو الآن يُشكّل ضربة لقطاع النقل في لبنان.