خاص العهد
ازدواجية "حفظة السلام"..هذا ما حصل عند الحدود
فاطمة سلامة
في التاسع عشر من آذار/مارس 1978، أنشئت قوة الأمم المتحدّة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل" للقيام بمهمات تبعاً لقراري مجلس الأمن (425) و(426). تأكيد انسحاب القوات "الإسرائيلية" من جنوب لبنان، كان على رأس تلك المهمات. بعد حرب تموز/يوليو عام 2006، جرى تعديل وتعزيز المهمات المناطة بقوات "حفظ السلام"، تماشياً مع القرار 1701. انضمت الى أجندة عمل "القبعات الزرق" مجموعة مهام على رأسها "رصد وقف الأعمال العدائية". تلك الأعمال التي تُمعن "إسرائيل" في القيام بها بشكل شبه يومي، فيما توثقها قيادة الجيش اللبناني.
وعلى مدى سنوات، أصدرت المؤسسة العسكرية آلاف البيانات التي توثّق الانتهاك الصهيوني للسيادة اللبنانية تحت مرأى ومسمع "اليونيفيل" والمجتمع الدولي. اللائحة في هذا الصدد تطول براً وبحراً وجواً. يكفي أن نشير الى الانتهاك اليومي للأجواء اللبنانية، واعتداءات الزوارق الحربيّة "الاسرائيليّة" على المياه الاقليميّة اللبنانيّة. يُضاف الى ذلك حادثة تركيب السياج الحديدي على الجدار الاسمنتي في الجهة المقابلة لبلدة العديسة، وأعمال الحفر المستمرة، فضلاً عن مطاردة الرعاة عند الحدود. أكثر من ذلك، فقد وصلت "الوقاحة" الصهيونية الى احتماء الطائرات الحربية الصهيونية بالطائرات المدنية اللبنانية لشنّ اعتداء على سوريا، في خطوة كادت تتسبّب بكارثة.
وفي خضم الخروقات "الإسرائيلية" التي لم تعر أي اهتمام للقرار 1701، ثمّة ملاحظات عدة يُبديها لبنانيون عند الحدود على أداء "اليونيفيل". الأخيرة تبدو في موقع المنحاز لكيان العدو تبعاً لأوامر أميركية وغربية. ما حصل في منطقة بليدا الحدودية لا يخرج عن هذا المنطق الذي بدت فيه "اليونيفيل" كمن يرى بعين واحدة، وهو الأمر الذي دفع برئيس بلدية بليدا الحاج حسان حجازي الى تقديم بلاغ الى "اليونيفيل" عبر الجيش اللبناني يفيد عن مقاطعة القوات الأممية نهائياً احتجاجاً على التحيز الفادح والتصرفات اللامنطقية. وهو بلاغ أتى بعدما "طفح الكيل" من ازدواجية المعايير التي تتبعها "اليونيفيل" وبعدما سجّلت عدة أخطاء وخروقات على مدى الأسبوعين الماضيين. فما الذي حصل عند الحدود؟.
يروي حجازي لـ"موقع العهد الإخباري" الخروقات التي حصلت على مدى الأيام الأخيرة، والتي جاءت على الشكل التالي:
-بتاريخ 17 حزيران/يونيو المنصرم عند الساعة السابعة والنصف صباحاً قام عدد من جنود الإحتلال (حوالى 50 عنصراً) بخرق السياج التقني في منطقة أبو مناديل وغاصوبة ترافق ذلك مع استنفار لجيش العدو بالأسلحة الثقيلة وتوجيهها باتجاه الأراضي اللبنانية، وسط غياب عناصر "اليونيفل" الذين كان شغلهم الشاغل تسجيل أرقام آليات مخابرات الجيش وشرطة البلدية الذين تواجدوا في المكان. المنطق -برأي حجازي- يفرض على "حفظة السلام" تصوير الخرق الصهيوني وأرشفته، لا إدارة الظهر له.
-بتاريخ 30 حزيران/يونيو سُجّل خرق آخر من قبل "اليونيفيل" نفسها، حيث أقدمت طائرة تابعة لقوة الأمم المتحدّة المؤقتة على خرق الحدود اللبنانية الجوية والدخول الى الأراضي الفلسطينية المحتلة (موثّق بالفيديو تم تصويره من قبل البلدية)، علماً أنّ هذه الطائرة لم تعد الى الأراضي اللبنانية، وعلماً أنّ لديها ممراً وحيداً فقط في الناقورة.
-بتاريخ 30 حزيران/يونيو أيضاً، بدأ العدو أعمال حفريات على طول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة من خلال استخدام خمس جرافات لإتمام المهمة، إذ جرف جزءاً من المنطقة المتحفظ عليها عند النقطة B22 في موقع بئر شعيب، وقد توجه الى النقطة عناصر الجيش والبلدية دون خرق الخط الأزرق، فيما سجّل غياب تام لقوات "اليونيفيل"، علماً أن البلدية اتصلت بالفريق "النبالي" وأبلغته بضرورة التواجد لكنه لم يلب النداء. وعند الساعة الثانية عشر أقدمت جرافة العدو بناء على أمر من مسؤول السرية على التعرض لعناصر البلدية ومخابرات الجيش حيث جرى خرق الخط الأزرق وتوجيه السلاح وشتم العناصر المتواجدة.
-بتاريخ 1 تموز/يوليو وبعيداً عن الخط الأزرق قامت آلية تابعة لقوات "اليونيفيل" المراقبون تحمل لوحة رقم 1266 بدخول حوالى 250 متر في أراض زراعية خاصة وتابعة لأحد المواطنين في بليدا ما أدى الى ردة فعل من قبل صاحب الأرض وابنته وأقاربه.
هذه التجاوزات والاستفزازات تُبيّن ما لا يقبل الشك -بنظر حجازي- ازدواجية معايير "اليونيفيل" التي تُظهر لامبالاة فيما يتعلّق بخروقات العدو، مقابل إبداء الاهتمام بأي تصرف يصدر عن الجنوبيين وتصوير الأمر على أنه خرق للخط الأزرق رغم أنّ الأهالي يقبعون في أرضهم وأرزاقهم. وهنا يصف حجازي الأمر على أنّ هناك "عمى وطرشا" واضحا من قبل "اليونيفيل" للخروقات الصهيونية، بينما هناك صحوة باتجاه الأهالي.
قرار البلدية بمقاطعة "اليونيفيل" تبعه وساطات واتصالات تمخّض عنها اجتماع عُقد بين بلدية بليدا بشخص رئيسها وضباط من الجيش اللبناني وقائد القطاع الشرقي في قوات اليونيفيل رافاييل مارتينيز. استغلّ حجازي الاجتماع ليعرض بلا تردد ملاحظاته على أداء "اليونيفيل" وتحيزها وتعاميها عن الخروقات "الاسرائيلية"، فوعد الجانب الأممي بعدم تكرار التجاوزات، واصفاً ما حصل بالأحداث الفردية، وفيما يخص حادثة الطائرة فقد برّر الأمر بأنه حصل عن طريق الخطأ.
وقد طالب حجازي مارتينيز بثلاثة أمور رئيسية:
-عدم دخول آليات "اليونيفيل" الى الأحياء الداخلية في البلدة لما يسببه هذا الأمر من استفزاز للأهالي، والالتزام بالاتفاق السابق لناحية اتباع مسار مرور خارج البلدة.
-عدم تسجيل أي خرق لدى نزول الأهالي الى أراضيهم الزراعية، فهذه ممتلكاتهم وأرضهم وبليدا تمتلك قراراً من القاضي العقاري يثبت امتلاكها لعشرين ألف دونم ضمن المناطق الفلسطينية المحتلة.
- عدم القيام بدوريات لا لزوم لها في بعض الملكيات الخاصة، فهذه الأراضي ليست رزقاً سائباً والمطلوب أخذ الإذن من أصحابها ومن البلدية.
وفيما وعد الجانب الأممي الالتزام بالمطالب التي أبداها حجازي مبدياً اعتذاره عنها، تبقى العبرة في التنفيذ سيما وأنّ علامات استفهام كثيرة تلازم تصرفات الجهة الأممية الموكلة مهمة "حفظ السلام".