معركة أولي البأس

خاص العهد

بعد حادثة Grace1.. إيران من الصبر الاستراتيجي إلى الردّ المباشر؟
06/07/2019

بعد حادثة Grace1.. إيران من الصبر الاستراتيجي إلى الردّ المباشر؟

ياسمين مصطفى

كشفت حادثة احتجاز قوات "المارينز" البريطانية لناقلة النفط الإيرانية Grace1 في مضيق جبل طارق لإيران افتقار الدول الأوروبية لسيادة واستقلال حقيقيَّين، وارتهان سياستها الخارجية للقرار الأميركي الهادف لحصار طهران تمهيدًا لخنقها اقتصاديًا وسياسيًا. ومع الاصطدام بالإرادة الإيرانية، شرعت واشنطن وحلفائها بخطوات استفزازية علّها تجر طهران لرد فعلٍ يفتح المجال أمام حرب شاملة عليها. لكنّ العارف بخيوط اللعبة الدولية، يدرك أنه لا يمكن لواشنطن والدول الأوروبيّة تخطي الخطوط الحمراء لإيران وعدم انتظار رد إيراني قوي على هذه الحادثة، على غرار إسقاط المقاتلة الأميركية المسيرة بصاروخ إيراني الصنع في مياه الخليج، وعجز واشنطن،بكل عظمتها،عن الرّد.

ومع مرور 50% من النفط البريطاني من مضيق هرمز، ومع حاجة بريطانيا للمضيق أكثر من حاجة إيران لمضيق جبل طارق، يصبح السؤال مشروعًا حول موقف لندن وواشنطن فيما لو قررت إيران تنفيذ تهديداتها واحتجاز ناقلات نفط أوروبية في مضيق هرمز، مع ما يحدثه ذلك من خلل كبير على صعيد تجارة النفط الدولية.

*خطوة استفزازية مُحاكة بتنسيق أميركي بريطاني

السيناريوهات المحتملة ورد الفعل الإيراني على الخطوة الأميركية في مضيق جبل طارق، تناولها الكاتب والباحث السياسي د. محمد حسين خليق. وفي حديث مع موقع "العهد" الإخباري، لم يستغرب خليق ما حصل، إذ ان الاستفزاز هو ديدن كيان العدو في خرق أجواء سوريا، وديدن واشنطن في التدخل بشؤون دول محور المقاومة.

يؤكد خليق أن احتجاز ناقلة النفط كان خطوة استفزازية مُحاكة بتنسيق أميركي بريطاني على أعلى المستويات، مشيرًا في هذا السياق لتصريح وزير خارجية إسبانيا جوزيف بوريل. ويلفت الباحث الإيراني إلى أن الهدف من الخطوة خبيث، يتمثّل
بتدويل منطقة الخليج للحؤول دون حصول إيران على ذراع قوة في مضيق هرمز تتحكم عبرها بمسار تجارة النفط عالميًا.

وعلى الضّفة الأخرى، يوضح خليق أن "إيران في المقابل تنظر للأمور بواقعية ونظرا لموقعها الجيوبوليتيكي القوي في المنطقة، فإنها عندما تهدد على لسان أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، فهو كلام مدروس ودقيق، ويؤكد أن إيران لا تُستفز، وأنها قادرة على الرد بالمثل".

يشير خليق إلى بروباغندا ضخمة تديرها واشنطن بأذرع أوروبية، ويقول:"كان الهدف إطالة أمد التوتر في المنطقة وخلق اشتباك سياسي جديد في المنطقة مخرجاته مواجهات عسكرية محدودة، دعما للكيان الصهيوني".

تهوّر بريطاني

وعلى الرغم من محاولات إيران الحثيثة للتعامل مع بريطانيا والدول الأوروبية من منافذ السياسة المستقلة دوليًا، يلفت الباحث خليق إلى أن الملف النووي والمفاوضات مع أوروبا لتفعيل الخط المالي "إنستيكس" عرّت الاتحاد الأوروبي لجهة ارتهانه لواشنطن.

ورغم حرج أوروبا الشديد لعدم التزامها ببنود الاتفاق النووي، يشير خليق إلى أن بريطانيا تدرك أن ما قامت به لن يؤدي لحرب شاملة مع إيران، فـ"الضعيف يقوم بحركات بهلوانية أمام القوي لاستفزازه، والدليل أن دولة عظمى مثل الولايات المتحدة لم تحرّك ساكنا عقب إسقاط إيران لمقاتلتها في مياه الخليج".

وعليه، يشدد خليق على أنه بعد خطوة بريطانيا الاستفزازية، سيكون لإيران كلام آخر، مع نقطة سوداء طُبعَت في ملف العلاقات الدبلوماسية الإيرانية البريطانية.

يتأسف الباحث الإيراني لكون طهران قدّمت لأوروبا فرصة قيّمة عبر الملف النووي لتثبت لمنطقة اليورو استقلالية في الحركة الاقتصادية الدولية وفي السياسة، لكن أوروبا فشلت في استثمارها.

الإعلامي الإيراني محمد غروي يتفق في حديث لموقعنا مع رؤية خليق، ويقول إن الضبابية التي كانت موجودة سابقا لجهة العلاقات الإيرانية مع الغرب بدأت تنجلي، وباتت إيران تدرك أن أوروبا رهينة الولايات المتحدة.

إيران من الصبر الاستراتيجي إلى الرّد المباشر

ومع اقتراب مهلة الستين يوما التي أعطتها إيران لأوروبا لإنقاذ الاتفاق النووي يوم غد في 7 تموز/يوليو، يوضح غروي أن الجميع يحاول التصعيد ليصل الى مبتغاه، لكنه يؤكد أن إيران يوم غد ستكون غير إيران اليوم، إذ ستترك سياسة الصبر الاستراتيجي التي طالما اعتمدتها، لتتخذ سياسة أكثر صرامة.

يلفت غروي إلى أن طلب واشنطن اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يندرج ضمن الحذر والتهيّب الأميركي من رد إيراني قوي، ويقول:"المرحلة تدخل يوما بعد يوم في مستويات أكثر خطورة، الجميع لا يريد الحرب لكنهم يؤسسون لها.

وعليه، يشير غروي إلى أن الوجه الآخر لبريطانيا بدأ بالظهور، ويقول إنها "كانت موافقة على خروج اميركا من الاتفاق النووي، وطوال مدة 14 شهرًا كانت الدول الأوروبية تناور لإبقاء إيران تحت الضغوط المفروضة عليها، ما يجعل الاتفاق النووي في مهب الريح".

وفي المقابل، يؤكد غروي أن لدى إيران جرأة كافية لاحتجاز ناقلة نفط بريطانية للحؤول دون تكرار الخطوة الاخيرة، لكن طهران التي تفسح في المجال للدبلوماسية لديها صبر وسينفذ، وعندها لتتحمل بريطانيا وأوروبا التداعيات.

تواطؤ عربي ومشاركة في الحصار

على المقلب الآخر، يتأسف أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق د.بسام أبو عبدالله للتخاذل العربي الرسمي في وجه محور المقاومة، والذي دفع الناقلة الإيرانية لسلوك مسار طويل إلى جبل طارق لتفادي الاصطدام مع السلطات المصرية في قناة السويس.

وإذ يشدد عبد الله على خطورة المرحلة، يسأل"ماذا لو تحولت المياه الدولية في مضيق هرمز الى فوضى واحتجزت ايران ناقلات نفط أوروبية؟"، ويضيف"السلوك البريطاني يعكس توترا لدى الغرب، خاصة بعد اسقاط ايران طائرة التجسس الاميركية"، ويؤكد أن لا مصلحة لاحد بتحويل المياه الدولية لفوضى عارمة".

متانة العلاقات الإيرانية السورية

وعن العلاقات الإيرانية السورية، يؤكد عبد الله أن إصرار القيادة الايرانية على ايصال النفط الى سوريا دليل على قوة العلاقات الايرانية السورية ومتانتها وعمقها كجزء اساسي من محور المقاومة، وبالتالي يدل هذا اولاً على حجم تواطؤ الانظمة العربية التي لا تتخذ قرارات سيادية، خاصة ان قناة السويس ممر دولي يجب ان يحترم كل الناقلات التي تمر به.

ويشدد عبد الله على أن كل الضغوط لن تثني ايران وسوريا عن المضي قدما في تحقيق الانتصار الكبير الذي سينعكس على العلاقات الدولية المعاصرة وعلى تشجيع دول مثل غرب اميركا على الخروج من المظلة الاميركية.

وعن الرد الإيراني يقول عبد الله "ستلجأ ايران اولاً للاساليب القانونية والسياسية وستضغط بكل السبل، لكن اذا وجدت ان الضغط على سوريا مقصود فإيران سترد بالمثل حتى لا تصل صادراتها النفطية إلى الصفر، وحتى لا تسمح للغرب بالتمادي".

إذًا، يمكن القول إن ما حصل في الآونة الأخيرة يكشف عن خطورة المرحلة القادمة، واشنطن-رغم كل الأصوات المتعطشة للحرب في صفوف قياداتها-لا تريد الحرب، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، يتوجب على واشنطن أن تكون دقيقة في حساباتها فيما يخص استفزاز إيران ودفع المنطقة لما لا يُحمد عقباه، كما أن على الأوروبيين التحرر من الضغوط الأميركية، للمحافظة على الاتفاق النووي والعلاقة مع طهران، وبالتالي لحفظ الأمن والسلم الدوليين.

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل