خاص العهد
رسائل صندوق النقد الدولي..ضربة قاضية للسياسة الحكومية!
فاطمة سلامة
حين يُحكى عن الجهود التي بذلتها الحكومة اللبنانية خلال مناقشة موازنة 2019، يُشار تلقائياً الى شروط المجتمع الدولي التي فرضت أمراً واقعاً لا بد منه. كُثر قالوا أين كانت الحكومة في السنوات الماضية؟ ولماذا لم تتخّذ تدابير وقائية في موازناتها تُجنّب لبنان شرّ العجز؟. البعض انتقد تلبية الدولة السريعة لنداءات المجتمع الدولي وتعاميها عن واقع لامس الخطوط الحمراء لسنوات. كلام كثير قيل عن اجتهاد الدولة في الامتثال لشروط "سيدر" للفوز بقروضه، وعلى رأسها تخفيض العجز، وتكاسلها منذ زمن في معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية.
وبعد أشهر من الجد والاجتهاد، لم تكتمل "فرحة" الحكومة بالإنجاز "العظيم" الذي سجلته لناحية تخفيض العجز الى 7.59 بالمئة. تقرير صندوق النقد الدولي أتى ليُسجّل عدم رضى دولياً عن كل الجهود التي بذلتها الدولة اللبنانية والتي هدفت من خلالها الى النزول عند "خاطر" المجتمع الدولي ورغباته.
التقرير الذي صدر بعد النقاشات التي أجرتها بعثة صندوق النقد الدولي مع المسؤولين اللبنانيين، استبعد خفض العجز المالي الى 7.59، متوقعاً أن يصل الى 9.75 بناء على التدابير التي أقرتها الحكومة. وهو في هذا السياق يُوجّه ضربة قاضية للسياسة التي تتبعها الدولة اللبنانية، وفق ما يؤكّد الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة. يستند المتحدّث إلى ما تضمنّه التقرير ليُشير الى أنّه يُوجّه رسالة واضحة وصريحة الى السلطة اللبنانية على غرار الرسالة التي وجهها تقرير "موديز" الأسبوع الماضي. مضمون هذه الرسالة قاس وشديد اللهجة وفيه تحذير بأنّ الأمور لا يمكن أن تمر بالشكل الذي رست عليه الموازنة.
ويُشدّد عجاقة على أنّ التقرير المذكور موجّه حصراً الى السلطة السياسية ولن يكون لديه أية مفاعيل على الأسواق بدليل أن سندات الخزينة لم تتأثر أسعارها.
يتوقّف عجاقة عند النقاط الأساسية التي قاربها التقرير والتي يُوجّه فيها للحكومة اللبنانية رسالة مفادها الآتي:
-أرقام الموازنة تفتقد الى المصداقية ونسبة العجز الذي تحدّثت عنه غير دقيقة، إذ ان العجز لا يقل عن 9.75 بالمئة ما يُسجّل فارقاً يتخطى 2 بالمئة وهي نسبة كبيرة
- تخفيض العجز فقط لا يكفي لعودة الانتظام المالي، والمطلوب إيلاء الاهتمام الكافي للنمو الاقتصادي
- الفائض بالميزان الأولي غير مقبول إذ يجب أن يكون أعلى من خدمة الدين العام، أي فوق 6 مليارات دولار، وهو يُسجّل الآن وضعاً سلبياً (أقل من صفر)، والفائض الأولي بكل بساطة هو نتاج الماكينة الاقتصادية أي الانتاج الوطني وهو ما لم تتكلم عنه الحكومة أبداً في موازنتها ولم تذكر أي خطة لتحفيزه وتطويره عبر القيام بخطوات هيكلية. جل ما قدّمته لم يتعدّ الاصلاحات المالية الآنية.
- الاتجاه الموجود لدى السلطة عبر تحميل مصرف لبنان عجز الموازنة وبالتحديد قرض الـ11 الف مليار ليرة بفائدة منخفضة، غير منطقي وفقاً لتقرير صندوق النقد الذي أوصى المصرف المركزي بعدم الدخول بأي عملية تخص الموازنة سيما الابتعاد عن الاكتتاب بسندات الخزينة المخفضة.
وينتقل الخبير الاقتصادي من ملاحظات التقرير وانتقاداته الى الخيارات التي طرحها كمخرج للأزمة الاقتصادية، والتي لفت فيها الى تدابير تزيد الإيرادات كرفع ضريبة القيمة المضافة (VAT) وزيادة رسوم الوقود، فضلاً عن محاربة الفساد. وهنا يلفت عجاقة الى أنّ محاربة الفساد وحدها قادرة على محو العجز من جذوره، وهو ما يُطالب به الدولة اللبنانية، لافتاً الى أنّ معالجة ملف الأملاك البحرية والنهرية وسكك الحديد يدر علينا أموالاً هائلة تصل حد الثلاثة مليارات دولار سنوياً. كما أنّ محاربة التهرب الضريبي يُعطي الخزينة ما لا يقل عن مليار ونصف المليار دولار سنوياً، وهي أمور لم تأت موازنة العام 2019 على ذكرها، وفق ما يُشدد عجاقة الذي يبدي تخوفه من عدم قدرة الدولة على محاربة الفساد بفعل الحمايات السياسية وسياسة تقسيم الكعكة ما قد يأخذنا الى أماكن غير محمودة على هيئة ضرائب يدفع ثمنها الفقراء والطبقة المحدودة.
ويوضح عجاقة أن صندوق النقد الدولي لطالما حث في تقاريره على فرض الضرائب المباشرة على اعتبار أن مردودها أكيد. وبرأيه، فإنّ عدم امتثال لبنان لنصائح الصندوق قد يوصل الى خسارة لبنان قروض "سيدر"، وقد يؤدي الى تراجع التصنيف الائتماني للبنان ليسجّل "caa2" ما سيكون له تبعات كارتفاع الفوائد والضغوطات على الليرة اللبنانية. يستغل المتحدّث الفرصة لمناشدة الحكومة اللبنانية بضرورة محاربة الفساد والابتعاد عن القرارات غير الشعبوية التي تحمّل الطبقة الفقيرة وزر السياسات الخاطئة.