الذهب يُحكم قبضته على الاقتصاد العالمي: ملاذ اللبنانيين الآمن في زمن الانهيارات

في لحظةٍ تتقاطع فيها الأزمات العالمية مع الانهيار المحلي، يشقّ الذهب طريقه مجددًا ليُثبت أنه "الحصن الأخير" أمام الهزات الاقتصادية الكبرى، فبينما تشهد الأسواق العالمية موجة صعود غير مسبوقة في أسعار الذهب، تتصاعد في لبنان وتيرة الطلب عليه، كملاذ أخير للمدخرات في ظل انعدام الثقة بالنظام المصرفي، والتخبط النقدي المستمر.

صعود تاريخي في السوق العالمية... وترامب يُشعل الفتيل مجددًا

يعيش سوق الذهب العالمي حالة من الترقب والتصاعد المستمر، فقد بلغ سعر أونصة الذهب يوم أمس، الجمعة 4 نيسان /أبريل 2025، نحو 3038.24 دولارًا أميركيًا، بعد أن كان قد حطّم يوم الخميس، أي قبل يوم واحد رقمًا قياسيًا بعد الرسوم الجمركية، إذ تجاوز سعر الأونصة 3150 دولارًا.

الخبير الاقتصادي ربيع ياغي أكد أن هذا الارتفاع جاء في ظل تجدد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين، بعد أن فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعريفات جمركية قاسية بنسبة وصلت إلى 54% على واردات صينية محددة، ما دفع بكين إلى الرد برسوم مضادة على المعادن الدقيقة والرقائق الإلكترونية.

وفي تصريح لموقع العهد الإخباري، قال ياغي "إن السياسات الانتقامية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر عالميًا، والتي تذكرنا بأحداث عام 2018، تعود اليوم بصيغة أكثر حدّة، في ظل تصاعد التحديات المالية والنقدية، وتفاقم الدين العالمي، واهتزاز ثقة الأسواق بالبنوك المركزية، لا سيما بعد الأزمات المصرفية التي عصفت بأميركا وسويسرا، مثل انهيار "سيليكون فالي بنك" وأزمة "كريدي سويس".

لبنان في قلب العاصفة... والذهب يتصدّر خيارات الشعب

يقول ماهر عدلوني، أحد تجار الذهب في بيروت، إنّ "الطلب لم يكن يومًا بهذا الحجم"، مشيرًا إلى وجود "إقبال كثيف من قبل المغتربين والميسورين لشراء السبائك والأونصات حيث تأتينا طلبات يومية على كميات ضخمة، بعضها يتجاوز 6 كيلوغرامات دفعة واحدة".

أما نعيم رزق، نقيب تجار الذهب والمجوهرات، فيؤكد أن السوق "يشهد حركة غير مسبوقة، بحيث قد يستغرق تأمين 300 أونصة نحو ثلاثة أيام على الأقل"، وهو مؤشر واضح على حجم الطلب المرتفع، خصوصًا على الذهب غير المُصاغ الذي لا يخسر من قيمته عند إعادة البيع.

شهادات من السوق... حماية للمدخرات ومراهنة على المستقبل

يرى يوسف حاموش، عضو نقابة تجار الذهب في بيروت، أن الذهب أصبح "الدرع الأخير للمواطن في وجه التآكل المالي". ويشير إلى أن "المواطن العادي بات يشتري أونصات صغيرة بوزن 5 غرامات أو 10، فيما يشهد السوق أيضًا عمليات شراء بالجملة من قبل رجال أعمال ومغتربين".

أما من جهة الربحية، فيوضح حاموش أن من اشترى أونصة بسعر 1800 دولار في العام الماضي وباعها اليوم بسعر 3000 دولار، يكون قد حقق ربحًا صافيًا بنحو 1200 دولار، مؤكدًا أن "الذهب أداة ممتازة لمن لا يحتاج إلى السيولة الفورية".

أسعار الذهب ليوم أمس الجمعة 4 نيسان/أبريل 2025 (بالدولار الأميركي)
الصنف    السعر (بالدولار)
أونصة الذهب عيار 24    3038.24 $
غرام ذهب عيار 24    نحو 97.70 $
غرام ذهب عيار 21 نحو 85.45 $
سبيكة 100 غرام    نحو 9,770 $
سبيكة 1 كيلو    نحو 97,700 $

الدلالات الاقتصادية:

ويرجح ياغي أن أسباب زيادة الطلب على الذهب يرجع إلى عدة عوامل منها:

-ارتفاع الأسعار العالمية والتوترات الجيوسياسية، مما دفع المستثمرين، خاصة المغتربين اللبنانيين، إلى شراء الذهب كوسيلة لحماية مدخراتهم.

 -ارتفاع الأسعار المحلية: تأثر السوق المحلي بالارتفاعات العالمية، حيث شهدت أسعار الذهب مستويات قياسية جديدة، مما أثر في القدرة الشرائية للمواطنين.
 
 -تأثير سعر الصرف: ساهم سعر الصرف غير المستقر على مدى سنوات في زيادة تكلفة الذهب محليًا، مما زاد من تعقيدات التعاملات التجارية.

توقعات مستقبلية: إلى أين يتجه الذهب؟

تشير التوقعات العالمية بحسب الخبير الاقتصادي إلى أن الهدوء في سعر الذهب لن يدوم طويلاً، فوفقًا لتقارير بنكية، أبرزها من "غولدمان ساكس" و"HSBC"، فإن الذهب مرشح لبلوغ 3100 – 3300 دولار للأونصة مع نهاية العام 2025، مدفوعًا بعدة عوامل:

- الحرب التجارية وتبعات تفاقم النزاع الأميركي – الصيني.
 - احتمال خفض أسعار الفائدة الأميركية.
 -التوجه المتزايد للبنوك المركزية نحو شراء الذهب كاحتياطي نقدي.
-إدخال الذهب ضمن استثمارات شركات التأمين الصينية لأول مرة.

شهادات الزبائن

أم علي، إحدى الزبائن في محال الذهب رأت أن هذه السلعة لم تعد مجرد وسيلة للزينة أو للادخار، بل أصبحت جزءًا من معركة البقاء الاقتصادي، وسلاحًا شعبيًا في وجه الحصار المالي والمصرفي المفروض، وإن اللجوء إلى الذهب ليس ترفًا، بل ضرورة، تحصّن ما تبقّى من القوة الشرائية وتمنح الفرد قدرة على مواجهة الانهيار الاقتصادي وظروف الحرب باقتدار.

أما أم حسين، فقالت إن "الذهب وسيلة لحماية أموالي من الانهيار الاقتصادي، وهو جزء من إستراتيجيتي الحياتية في ظل الظروف الحالية".

وفي جولة لموقعنا على بعض محال الذهب عبّرت أم محمد إحدى زبائن متاجر بئر العبد بالقول:"في أثناء الاضطرابات الاقتصادية وبعد العدوان الصهيوني، بدأنا نعيد التفكير في أولوياتنا".

وأشارت إلى أن الذهب أصبح جزءًا من عملية تأمين المستقبل، لا أحد يعرف إلى متى سيستمر الوضع، لكن الجميع متفقون على أن الذهب يمكن أن يكون حلاً للبقاء على قيد الحياة اقتصاديًا".

لبنانالاقتصادالذهب

إقرأ المزيد في: خاص العهد