خاص العهد
الزبيدي لـ"العهد": معركة "طوفان الأقصى" حقّقت مكاسب وإنجازات تاريخية كبرى
بحكم مسيرته السياسية الطويلة الممتدة بين حقبتين، حقبة المعارضة وحقبة إدارة الدولة وبناء النظام السياسي الجديد في العراق، ومعايشته للكثير من الوقائع والأحداث والتفاعلات على الصعيد الإقليمي، وعلاقاته المتشعبة مع شخصيات وقوى سياسية مقاومة للكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، يطرح السياسي والوزير العراقي السابق باقر جبر الزبيدي رؤية عميقة لمجمل المشهد الإقليمي العام الذي تشكّل وتبلور ارتباطًا بنتائج ومعطيات وتداعيات معركة "طوفان الأقصى" التي مرّ على اندلاعها أكثر من ثلاثة عشر شهرًا.
يرى الزبيدي أنّ: "هذه المعركة مثّلت نقطة تحول، وانعطافة تاريخية كبرى في مسيرة الصراع بين محور المقاومة من جهة، والكيان الصهيوني والداعمين والمساندين له من جهة أخرى". ويشير الزبيدي، والذي كان ممثلًا للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي في سوريا ولبنان طيلة ثمانية عشر عامًا(1985-2003)، قبل تصديه لقيادة عدة وزارات بعد الإطاحة بنظام صدام، مثل الإسكان والإعمار والداخلية، والمالية والنقل، يُشير في حديث مطوّل، مع موقع "العهد" الإخباري، إلى أن المعركة الحالية تختلف في العديد من جوانبها وأبعادها عن كل المعارك التي خاضها العرب ضد الكيان الصهيوني على مدى ستة وسبعين عامًا، وأن حزب الله مثّل رقمًا صعبًا في معادلات الصراع، بفضل قيادته الحكيمة والشجاعة التي تمثلت بالقائد الجهادي الأكبر الشهيد سماحة السيد حسن نصر الله.
في ما يلي أبرز ما تضمنه الحوار:
مواقف الشعوب ليست كمواقف الأنظمة
س. كيف تقرأون المشهد الإقليمي العام ارتباطًا بمعركة "طوفان الأقصى" وتفاعلاتها ومعطياتها العسكرية والسياسية؟
ج. في الواقع، أفرزت هذه المعركة المساحات بين المواقف المتخاذلة لمختلف الأنظمة والحكومات العربية، والتي لم تناصر الشعبين الفلسطيني واللبناني، وهما يتعرضان لأبشع المجازر على أيدي الكيان الصهيوني المجرم، في حين أن مواقف الشعوب العربية والإسلامية اتسمت بالشجاعة والمبدئية، وقد شهدنا وشاهدنا مظاهر وأشكال وأساليب مختلفة للدعم والإسناد من هذه الشعوب، والتي كان لها أثرًا كبيرًا في فضح جرائم الكيان الصهيوني وإبراز مظلومية أبناء غزة ولبنان.
بعبارة أخرى، يمكن القول إن المشهد العربي مشهد مؤلم، إذ إن مواقف العديد من دول الخليج العربية ودول شمال إفريقيا تميل إلى جانب الكيان الصهيوني أكثر منه الى محور المقاومة وإلى جبهة الدفاع عن القدس. في مقابل ذلك، استطاعت المقاومة الشريفة التصدي للكيان الغاصب وإذلاله، والتي تميزت بإسلاميتها، وفيها عرب وغير عرب.
"طوفان الأقصى" قلب كل المعادلات
س. بماذا اختلفت معركة "طوفان الأقصى" عن المعارك والحروب السابقة التي خاضها العرب ضد الكيان الصهيوني؟
ج. ممّا لا شك فيه أن معركة "طوفان الأقصى"، والتي تميزت عن سواها بوجود العامل الإلهي، قلبت كل المعادلات، وبلورت حقائق جديدة. إذ إنها المواجهة الأولى التي يتعرض فيها الكيان الصهيوني إلى خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات، فهناك مئات القتلى من جنود وضباط الاحتلال، فضلًا عن الأسرى، وهناك عشرات آلاف الفارين من المستوطنين، وهناك فقدان الأمن والاستقرار الذي طال تل أبيب ومختلف المدن في الأراضي المحتلة.
إلى جانب ذلك، في الحروب والمعارك السابقة كان الكيان الغاصب هو من يتحكّم بمساراتها ويقرر كيفية انتهائها خلال وقت قصير، من دون أي مطاولة واستنزاف، بينما هو في معركة "طوفان الأقصى" بدا عاجزًا عن التحكّم بأي شيء، فلا هو قادر على إنهاء المعركة بالطريقة التي تناسبه، ولا هو قادر على وقف مسلسل خسائره وهزائمه، عسكريًا وأمنيًا وسياسيًا. أضف إلى ذلك، أن المعركة الحالية أثبتت أن حركات المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن والعراق هي من تتحكم بالميدان، وهي من تقرر مسارات المواجهة ونتائجها.
المواقف العراقية .. متميزة
س. كيف تقيمون المواقف العراقية، الرسمية وغير الرسمية، في دعم وإسناد الشعبين الفلسطيني واللبناني؟
ج. بالتأكيد، كانت المواقف العراقية، بشكل عام، متميزة ومتقدمة على العديد من المواقف الأخرى. وهذا ما برز واضحًا في بيانات ومبادرات المرجعية الدينية في النجف الأشرف، والمتمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني، لمساعدة وإغاثة ومساندة الشعبين الفلسطيني واللبناني بكل السبل والوسائل المتاحة. وكذلك كان الموقف العراقي الرسمي إيجابيًا، بالبرغم من وجود بعض الملاحظات عليه، فضلًا عن مجمل المواقف والمبادرات الشعبية على الصعيد الإنساني، إلى جانب الإسناد العسكري المهم للمقاومة الإسلامية العراقية من خلال ضرباتها المتواصلة لعمق الكيان الصهيوني، والتي كان لها الكأس المعلّى في توجيه ضربات قاصمة ومؤلمة لهذا الكيان الغاصب.
الشهيد السيد نصر الله .. شخصية استثنائية شاملة
س. لا بد أنكم التقيتم سيد المقاومة الشهيد القائد حسن نصر الله مرات عديدة.. كيف وجدتموه؟
ج. بحكم عملي السياسي، خلال مرحلة المعارضة لأعوام طويلة في الساحتين السورية واللبنانية، ممثلًا لـ"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق"، في سوريا ولبنان، فقد أتاحت لي الظروف اللقاء بالسيد الشهيد نصر الله مرات عديدة. وقد لمست فيه صفات وخصائص قلّما تتوفر في شخصيات سياسية أخرى. فقد كان يتميز بحرصه واهتمامه الكبير بمجمل قضايا المسلمين في مختلف الأماكن، بل وحتى قضايا غير المسلمين، ممن يتعرضون للظلم والاضطهاد، سواء أكانوا أقليات في البلدان المسلمة أو في غيرها من البلدان غير المسلمة. وكان يتابع دقائق الأمور، وقد كان ذلك واضحًا جدًا في ما يتعلق بالعراق، والذي كان في ذلك الحين يئن تحت وطأة الحكم الديكتاتوري الظالم لنظام صدام.
وهو- رضوان الله تعالى عليه- إلى جانب اهتمامه وتركيزه على الشؤون السياسية كان يمتاز بروحه الإنسانية، بمتابعته لأدق التفاصيل للعاملين في الساحة الجهادية ولعموم الناس، وربما كان يُفكر ويحمل هموم الفلسطينيين والعراقيين بدرجة لا تقل عن حمله لهموم اللبنانيين وحزب الله. وبالنسبة إلى العراق، فقد سارع السيد الشهيد نصر الله الى تكريس كل إمكانات وخبرات حزب الله لدعم وإسناد العراقيين حينما اجتاح تنظيم داعش الإرهابي بلادهم في صيف العام 2014، والشيء نفسه بالنسبة إلى الفلسطينيين، بعد اندلاع معركة "طوفان الأقصى" في العام الماضي، وكذلك اليمن وسوريا.
موقف ايران داعم بقوة للمقاومة
*البعض ينتقد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، زاعمًا أنها لم تدعم وتساند فلسطين ولبنان، بصورة عملية، تتناسب وأقوالها.. كيف ترون ذلك؟
الزبيدي: في واقع الحال، الجمهورية الإسلامية الإيرانية موجودة وحاضرة في معركة "طوفان الأقصى"، بكل ثقلها السياسي والعسكري والإنساني، ومنذ بداية المواجهة ضد الكيان الصهيوني. ومن يدعي خلاف ذلك، إما إنه جاهل بمجريات الأمور وتفاعلات الأحداث، وإما إنه مغرض ويجانب الحقيقة، ويمثل أداة من ادوات التضليل والخداع وقلب وتزييف الحقائق. وهذا بما تقوم به العديد من وسائل الإعلام والأوساط والمحافل السياسية العربية.
كل الحقائق والوقائع تؤكد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد دعمت حركة حماس وحزب الله وحركة أنصار الله اليمنية،عسكريًا وماليًا وسياسيًا وإغاثيًا، ولولا ذلك الدعم لما تحققت الانتصارات في الميدان، ولما مني الكيان الصهيوني بهزائم وانكسارات غير مسبوقة منذ تأسيسه. وأبلغ دليل على الدعم الإيراني للمقاومة هو أن دماء القادة والخبراء العسكريين الإيرانيين اختلطت مع دماء إخوانهم الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والسوريين واليمنيين.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض
س. ماذا تعني عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، وهل سيعيد إنتاج الأزمات التي شهدتها ولايته السابقة بين عامي 2017 و2021؟
ج. أغلب الظن أن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وارتباطًا بطبيعة شخصيته، سوف يسعى لكسب رضا الجمهورية الإسلامية الايرانية، وكسب رضا روسيا. هو يعرف جيدًا قوة إيران وحجم تأثيرها وحضورها وفاعليتها، ولعلّ الضربة الإيرانية القاصمة لقاعدة عين الأسد في غرب العراق ردًّا على اغتيال الشهيد قاسم سليماني والشهيد أبو مهدي المهندس أكبر دليل وبرهان على ذلك، علمًا أن لدى إيران أسلحة متطوّرة لمّا تستخدمها حتى الآن، وترامب يعلم ذلك جيدًا.
أما في ما يتعلق بمآلات ونتائج المعركة الحالية في غزة ولبنان، أتوقع أن الكيان الصهيوني لن يبق أكثر من عامين، إذ ستكون نهايته على أيدي المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان، وزواله بات حتميًا بعد تجربة معركة "طوفان الأقصى" التي كشفت كل مواطن ضعفه وخوائه وهشاشته.