خاص العهد
ذكرى معركة تحرير الجرود.. النصر بأبعاده الاستراتيجية
يرى خبراء عسكريون سوريون أنّ معركة تحرير الجرود قد شكلت منعطفًا مهمًا جدًا، في مسار الحرب السورية، لأنّها أسقطت من يد الكيان الصهيوني والولايات المتحدة أشرس أوراق التصعيد العسكري والميداني المتمثل بتنظيم "داعش" التكفيري ومعه جبهة "النصرة" الإرهابية، حين بدأت الأمور تتجه نحو الحسم العسكري في مناطق واسعة من سوريا، حيث سرت ثقافة الهزيمة على نحو غير مسبوق في صفوف المجموعات الإرهابية التي تعمل لخدمة الكيان الصهيوني.
مع إدراك الجميع لأهمية معركة تحرير الجرود ومفصليتها، ثمة قناعة راسخة عند الخبراء العسكريين السوريين أن: "كثيرًا من الحبر سال وسيسيل لاحقًا في توصيف ما جرى بأبعاده الاستراتيجية التي غيّرت مسار الأحداث نحو يقينية النصر".
نصر استراتيجي
في حديثه لموقع "العهد" الإخباري، يُحاول الخبير العسكري الوليد صالح مقاربة معارك تحرير الجرود من النواحي الاستراتيجية كافة؛ وهي:
1- الأهمية:
● القلمون: تشكّل جبال القلمون شريطًا جبليًا استراتيجيًا بطول 120 كم وبعرض متغيّر بين 10 و35 كم بمساحة 25 ألف كم مربع، يحدّه من الغرب سلسلة جبال لبنان (جرود بعلبك) ومن الشرق الطرق المؤدية الى بادية الشام مع مجموعة كبيرة من القرى والمدن الصغيرة.
● جرود لبنان: تمتد من قرية عرسال في منطقة البقاع اللبناني إلى جرود بعلبك فيه، وتعد الخاصرة الشرقية للبنان وأحد المنافذ الرئيسة إلى سوريا.
2- الموقف الميداني قبل المعركة:
سيطر مسلحو "داعش" و"النصرة" على نحوى 180 كم مربع؛ حيث استحوذت النصرة على 60 كم مربع من كامل المساحة، وكانت مناطق سيطرتها في جرود فليطة. وقد شكّل هذا الوضع خطرًا على كل من لبنان وسوريا بالاضافة إلى جعل هذه المنطقة نقاط ارتكاز وانطلاق لهذه المجموعات لضرب لبنان وسوريا.
3-المعركة:
سمّاها الطرف السوري "إن عدتم عدنا"؛ وسمّاها الطرف اللبناني "معركة فجر الجرود". وقد سبق المعركة شهور من التخطيط، بدءًا من الاستطلاع والإعداد العسكري والتتسيق بين الجيش العربي السوري والجيش اللبناني والمقاومة اللبنانية. وقد كانت بداية المعركة في 1982017 بهجوم للمقاومة اللبنانية والجيش العربي السوري على مواقع النصرة في طرفي البلدين (جرود فليطة)؛ ثم بدأ الهجوم الثلاثي على مواقع تنظيم "داعش" الإرهابي من جميع الجهات. وهذا ما أدى الى تشتيت تركيز قوات "داعش"، والتي قدّرت بنحو ألف مقاتل. كما أن الإعداد الفعال للمعركة والاستطلاع الدقيق واستخدام سلاح المدفعية بكفاءة عالية والتنسيق العالي بين القوات أدى الى تقليل مدة المعركة إلى 9 أيام وتقليل الخسائر البشرية إلى حدها الأدنى. أمّا المقاومة اللبنانية فقد كانت وحداتها تقاتل مع الجيش العربي السوري ومع الجيش اللبناني.
4- النتائج:
جرى تحرير كامل المناطق التي كانت تحتلها التنظيمات الإرهابية، فتمّ تأمين هذه الخاصرة الرخوة بين سوريا ولبنان. كما تمّت حماية جميع الطرق الواصلة بين البلدين؛ بالإضافة إلى استرجاع جثامين الشهداء من المقاومة والجيش اللبناني، والتي كانت تحتجزها التنظيمات الإرهابية سابقًا.
5- الخلاصة :
تعدّ معركة فجر الجرود نقطة مهمة في الصراع ضد التنظيمات الإرهابية، ونصرًا لمحور المقاومة وانتكاسة لمشغلي التنظيمات وانتكاسة إضافية لمن حاول أن يخلق شرخًا دائمًا بين الجيشين السوري واللبناني.
يختم الخبير العسكري الوليد صالح حديثه لموقعنا بالإشارة إلى الدور الكبير الذي قامت به المقاومة اللبنانية، في تلك المعركة المهمة والصعبة، مشيرًا إلى أنه وفي الذكرى السابعة لها يجب الترحّم على الشهداء الأبطال، ومنهم الشهيد القائد فؤاد شكر الذي أعلنت المقاومة يوم استشهاده أنه كان قائد قوات المقاومة في "معركة فجر الجرود".
إنجاز بفعل تراكمي
الخبير العسكري العميد قاسم قنبر رأى، في حديثه لموقع " العهد" الإخباري، أن عملية تحرير الجرود على النحو النموذجي والمثالي الذي تمّت عليه اكان نتيجة جهد تراكمي لافت قامت به المقاومة الإسلامية منذ سنتين قبيل المعركة، مشيرًا إلى أن هذه العملية تعدّ من أوسع العمليات العسكرية التي خاضها حزب الله في تاريخه.
كما لفت العميد قنبر إلى أن الجيش العربي السوري والمقاومة الإسلامية في لبنان قد اجتثا، خلال أيام أربعة أعوام التموضع العسكري للمجموعات التكفيرية في الجرود، والتي كانت قد اعتقدت بأنها أسست لوجود دائم يهدّد لبنان وسوريا ويشرف على مفاصل الطرق الرئيسة في كلا البلدين، وخصوصًا لجهة الأوتوستراد الدولي دمشق- حمص الذي يصل إلى الساحل وحلب في شمال سوريا.
يختم الخبير العسكري حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أن بداية الاستخدام النموذجي والفعال لسلاح المسيّرات من المقاومة الإسلامية في لبنان كان في معارك الجرود، مشيرًا إلى أن هذا الأمر أوردته تقارير الاحتلال "الإسرائيلي" التي ذكرت أن الحزب أدخل هذه المسيّرات ضمن تكتيكاته العسكرية التي أفاد منها، بشكل كبيرن في معاركه اللاحقة مع الكيان، وخصوصًا لجهة جمع المعلومات وتوجيه القوات والرصد واستهداف المناطق العالية. وهو الأمر الذي فسر العدد القليل من الشهداء وعدم وقوع عناصر المقاومة في الكمائن نتيجة كمّ المعلومات الكبيرة التي حصلت عليها المقاومة قبيل انطلاق المعارك.