خاص العهد
ظاهرةُ مواكب الخدمة تتنامى.. نماذج مشعّة في العطاء
تصوير موسى الحسيني
منذ سنوات، وظاهرةُ مواكب الخدمة تتنامى وتتعاظم في مختلف المدن والبلدات اللبنانية. ولم تَعُد هذه الظاهرة محصورةً بأصحاب المواكب الكبيرة، بل تعدّتها لتجد مضائف الخدمة منتشرةً في كلّ مفترقٍ، وأمام كلّ منزلٍ وفي كلّ حي، يتنافسون بالخدمة والعطاء، ويقدمون للناس ما تيسّر تقديمه، وهمّهم الأساس أن ينهلوا من فيض بركات عاشوراء والثورة الكربلائية التي هي كالنهر الجاري الذي لا يجف.
كيف ومتى نشأت فكرة المضيف؟
هذه الظاهرة المهمّة والتي تشعّ تأثيراتها في النفوس والعقول والأرواح، وتنمّي في المحبين والموالين وجميع الناس حب العطاء وتعبّر عن أصالة الانتماء، هي ظاهرة سريعًا ما انتشرت وامتدت ومزجت بين مفاهيم متعددة لتصبو إلى تحقيق مصاديق مختلفة في الحب والعطاء والإيثار والتضحية والوحدة...
موقع "العهد" الإخباري واكب هذه الظاهرة في شهر المحرّم لهذا العام 1446 هـ ليسلّط الضوء على هذا النموذج المشعّ بامتداداته وتأثيراته، فكان اللقاء مع أحد خدّام مضيف السيدة الزهراء (ع) الكائن في محلّة الجاموس في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وفي حديثٍ لموقع "العهد" الإخباري، قال إنّ "فكرة العمل على إقامة المضائف بدأت من خلال مجموعة من الشبان الأصدقاء، الذين بدأوا الخدمة عبر تقديم الهريسة بشكل محدود في منطقة الصفير في الضاحية الجنوبية، وفي العام التالي تطوّر الأمر ونصبوا خيمًا، إلى أنّ وصل الأمر لإقامة مضيفٍ ثابت يقدّم الهريسة والرز ومناقيش الصاج والعصائر"، مشيرًا إلى أنّ "ظروف انتشار فيروس كورونا لم تمنعنا من الخدمة، وقمنا خلال تلك الفترة ببعض الأنشطة الصغيرة".
ولفت الخادم، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى "أنّنا أردنا التخصص بتقديم أنواع من الخدمة، فكان التوجّه بتطوير المضيف من حيث الشكّل، فكانت الفكرة أنّ يكون على شكل مقام، له نوافذ، وعلى كلّ نافذة من هذه النوافذ يُوضع اسم أحد الأئمة المعصومين (ع)، إلى جانب أسماء أبطال كربلاء، وهدفنا من خلال تظهير المضيف بهذا الشكل نابعٌ من اسمه "مضيف السيدة الزهراء (ع) - مائدةٌ من السماء"، التي لا ضريح معلومٌ لها، وبالتالي سَعيُنا هو لتعزيز الارتباط بهذه السيدة العظيمة، ويكون عملنا ومضيفنا شكلًا من أشكال المواساة لها والشوق لزيارة ضريحها"، مؤكّدًا "مواصلة العمل على تطوير المضيف من حيث التنظيم والإعداد".
أهداف المضيف
وعن أهداف المضيف، يقول الخادم إنّ "الهدف الأساس هو إقامة شعائر الإمام الحسين (ع) وترسيخها وتثبيتها، ومن أبرز هذه الشعائر التي نعمل على تعزيزها هي شعيرة الإطعام"، مشيرًا إلى أنّ "المضيف يتوجه نحو تأصيل خدمة الإمام (ع)، وذلك عبر تأهيل الإخوان الخدم، وتكريس بعض المراسم والبرامج الخاصة بالمضيف، كمراسم رفع الراية، وإقامة مطبخ نموذجي تتم خلاله مراعاة التعقيم والنظام ومعايير السلامة والنظافة، والحِرص على تقديم أجود أنواع الطعام، واختيار المواد الأولية المناسبة".
وأكد أن مضيف السيدة الزهراء (ع) يلتزم مقاطعة البضائع التي تدعم شركاتها المنتجة كيان الاحتلال، "فنحرص على أن تكون المواد الأولية كلها صناعة وطنية، ويصل الأمر في بعض الأحيان للتدقيق في ملابس الخدم، فنمنع دخول أي خادم يرتدي ملابس عليها شعارات مرتبطة بالمؤسسات والشركات التي يجب مقاطعتها".
وعن التطوير الذي حصل مقارنة بالعام الماضي، يقول الخادم إنّ "الأفكار تتطور من عام إلى عام، ونظرتنا أصبحت استراتيجية أكثر لهذا المشروع الذي نسعى لأن يصبح مضيفًا سنويًا ثابتًا، ووضعنا أهدافًا ونعمل على تحقيقها والوصول إليها، متسلحين ببركات هذه الخدمة، وواثقين بأن الإمام (ع) لا يترك خدامه بل يوفقهم لكل خير"، لافتًا إلى "أنّنا طوّرنا برنامج المضيف في هذا العام، الذي يتضمن جلسة روحية وعبادية، ومجلس عزاء مع لطم، يليه صلاة جماعة، وبعدها يتوزّع الخدم على خيامهم لأداء المهام الموكلة إليهم، بعد ارتدائهم زيًّا موحّدًا، ويبدأ توزيع الطعام بنداء وشعار معيّن مثل "لبيك يا حسين، يا صاحب الزمان..."، الذي يطلقه أحد الخدام إيذانًا بالمباشرة باستقبال زوّار السيدة فاطمة (ع)، وعندها تُفتح نوافذ المضيف".
عَلاقة الخدام بزوار المضيف
ولفت الخادم إلى أنّ "الناس التي تأتي إلى المضيف في فطرتها حبّ الإمام (ع)، فيأتون إلى المضيف ويطلبون ما يريدون، وطلباتهم بالنسبة لنا هي أوامر يجب تنفيذها، فهؤلاء العاشقون للإمام الحسين (ع) هم ضيوف السيدة الزهراء (ع) في مضيفنا"، مضيفًا "نحن نلمس البركات في هذا الإطعام، فهذا الطعام الذي يُقدّم على حبّ الإمام الحسين (ع) وأمه الزهراء (ع)، ليس مثل غيره من الطعام، فهو يُنشِئ مشاعر وارتباطًا روحيًا خاصًا، ويترك أثرًا معنويًا كبيرًا جدًا في النفوس، ونحن نلمس هذا الأمر".
التنسيق مع المضائف الأخرى
وعن التنسيق مع المضائف الأخرى، قال إنّ هناك "تنسيقًا وعلاقة مع المضائف الأخرى، عبر تبادل المواد التموينية، والتجهيزات والأفكار وغير ذلك"، مؤكّدًا أنّهم "يشجعون هذه المضائف وينقلون لهم التجربة، فالأمر ليس تنافسًا على من يكون الأفضل، بل الهدف هو دعم كلّ من يطلب الدعم".
رسالة للإمام (ع)
وختم الخادم كلامه متوجهًا للإمام الحسين (ع) بالقول: "من نحن لنتكلم مع الإمام (ع)، لكن نقول له إنّ كلّ شيء نقوم به هو قليلٌ أمام ما قدّمه من تضحيات من أجل الأمة والإسلام ولأجلنا".