خاص العهد
الحاج حسين الخليل لـ"العهد": الـ25 من أيار أحد مظاهر اقتدار المقاومة والوطن
هو اليوم الذي أشعرَ اللبنانيين بطعم الاستقلال الحقيقي، هكذا يصف المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الحاج حسين الخليل، الخامس والعشرين من أيار 2000. الفضل الأساسي في ذلك يعود حصرًا إلى سواعد المقاومين والأبطال، برأيه، وإلّا لظلّ كلّ شيء رهن القرارات الدولية المُلازمة للأدراج.
بحسب الخليل، تحرير الـ2000 كان تتويجًا لكلّ عمليات المقاومة وانتصاراتها المُحقّقة، المقاومة التي بادرت إلى إسناد رفاق السلاح في غزّة منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023 التزامًا بواجبها إزاء القضية الفلسطينية.
يظهر تأثير موقف حزب الله في المعركة الجارية مع العدوّ من خلال ما يكشفه ويؤكده الخليل لموقع "العهد" من اتّصالات ترِد إلى قيادة المقاومة تهدف إلى تعطيل البندقية التي تُطلق النار على "إسرائيل".
يوضح الخليل أن حزب الله يُقارب كلّ رسائل التهديد التي تصله عبر الوسطاء بناءً على مصلحة لبنان والأمة، ويجزم بأن ما يردع "الإسرائيليين" من توسعة الحرب على الرغم من كلّ التصعيد في مواقفهم هي إدارك قدرات حزب الله الحقيقية.
أمّا داخليًا، فيؤكد أن العلاقة لم تنقطع مع الأفرقاء المسحيين مع وجود التباين الكبير الموجود في بعض المحطات.
وفي الملفّ الرئاسي، يكرّر الخليل عبر "العهد" استعداد حزب الله لحوار وطني يُفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية، ويرفض اتهام الثنائي الوطني بالاشتراط بحصر ذلك بمرشّحه المعلن، أيْ سليمان فرنجية.
موقع "العهد" الإخباري التقى المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الحاج حسين الخليل، بمناسبة عيد المقاومة والتحرير، وكان هذا الحوار:
* بعد 24 سنة على اليوم الكبير، كيف تستعيد هذا النهار وما سبقه وما أنجز فيه؟
هذا اليوم يمثّل مظهرًا من مظاهر اقتدار المقاومة والوطن. المقاومة وحركة الشعوب ضدّ المحتل أيًا كان أثبتت أنها تستطيع أن تُحقّق إنجازًا ولو بعد عشرات السنين. هذا التراكم من عمليات المقاومة أعطى لبنان صورته الحقيقية وبات يُشكّل حيّزًا في الوسط السياسي والدولي والعالمي. في هذا اليوم، شعر اللبنانيون لأول مرة منذ تأسيس بلدهم بالطعم الحقيقي للاستقلال. لقد أصبح للبنان مكانة على مستوى العالم، وإلّا لكانت كلّ القرارات التي صدرت في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ولا سيّما القرار 425 حبرًا على ورق أو في الأدراج الدولية لا يستطيع أحد أن يُطبّقها لولا المقاومة وتضحيات شهدائها، وهذا ما أوصل لبنان إلى شاطئ الأمان والافتخار.
في عالمنا المعاصر، هناك نموذجان قُدّما على هذا المستوى: الأول في لبنان عام 2000 نتيجة تراكم عمليات المقاومة الإسلامية، والثاني في غزّة عام 2005 عندما انسحب الاحتلال "الإسرائيلي" تحت وطأة عمليات المقاومة الفلسطينية آنذاك.
* هل من ذكرى لديكم حول الخطاب المفصلي الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في بنت جبيل، أو ما سُمّي خطاب بيت العنكبوت في 26 أيار 2000؟
هذا الخطاب هو الذي أسّس للمرحلة اللاحقة. كانت "إسرائيل" في الماضي تُشكّل وحشًا لكلّ العالم العربي وخصوصًا بعد الحروب التي خيضت لتحرير فلسطين أو الأراضي العربية عام 1967. "إسرائيل" كانت تشكّل فزّاعة يخشى الجميع الاقتراب منها، إلى حين أن جاءت المقاومة وأثبتت مقولة السيد نصر الله بأنها أوهن من بيت العنكبوت. وهذا بفعل الدماء والإرادة التي كانت تُميّز المُقاومين.
* ماذا تخبروننا عن الأيّام الأخيرة للتحرير والتدحرج السريع لانسحابات اللّحديين و"الإسرائليين"، وعن متابعة القيادة العسكرية والسياسية في حزب الله لما يحصل، وربّما في جلسات الشورى؟
لم تكن انسحابات اللّحديين والصهاينة مُفاجئة للمقاومة، لكنّها في الوقت نفسه لم تكن على درايةٍ بتاريخ تحقّق هذا الانسحاب. الضربات المُتتالية ضد مواقع جيش الاحتلال والقوات العميلة له أدّت إلى "رفع العدوّ العشرة" والاستسلام والفرار وإعلان عجزه عن الاستمرار تحت وطأة هذه العمليات. كنّا نتابع عن كثب، و"الإسرائيلي" كان يعيش بحالة هلع كبيرة جدًا، ولم يُعطِ فرصةً لجنوده وجيش لحد حتّى يتمكّنوا من الاستعداد للهرب. وهم أيضًا كانوا مصدومين بالانسحاب وهذا دليلٌ على الارتباك الذي كان يُسيطر عليهم.
* قبل أيام مرّت ذكرى استشهاد القائد الجهادي الكبير السيد مصطفى بدر الدين ، السيد ذو الفقار، لو تُحدّثوننا عن دوره في تحرير الجنوب والبقاع الغربي.
عندما نتحدّث عن السيد ذو الفقار فنحن نتحدّث عن أشخاص نادرين في العمل الإسلامي المقاوم. هذا الإنسان عشق المقاومة والعمل الجهادي منذ نعومة أظافره. بالنسبة له، كان العمل المقاوم عابرًا لكلّ التنظيمات الإسلامية وعابرًا لكلّ الحركات أيضًا، لذلك كنّا نراه مع الكل يُشاركهم في همومهم.
عندما أصبح حزب الله تشكيلًا رسميًا مُنظّمًا، كان للسيد ذو الفقار دور فعّال جدًا جدًا في مسيرته. لا أحد ينسى دوره في عملية أنصارية عام 1997 حين كشف من خلالها مخطّطات العدوّ وكيف سابقه على الأرض وزرع له الكمائن وتصدّى له بقوّة وببسالة. وكذلك كان له دوره الكبير عام 1996 في تصعيد العمليات ضدّ العدو.
ساهم السيد ذو الفقار في تاريخين مهمين جدّاً من عمر المقاومة: عدوان 1993، وعدوان 1996. ونحن جميعًا نتذكّر كيف خرج حزب الله مُنتصرًا في المحطّتيْن وأرسى عملية الردع والقوّة المضادّة لـ"إسرائيل" وتوزان الردع الاستراتيجي بوجهها، وثبّت معادلة إيلام العدوّ ومنشآته المدنية عندما يُقدم على قصف المدنيين. تحرير الـ2000 كان تتويجًا لكلّ العمليات هذه والانتصارات الكبيرة المُحقّقة.
* بالانتقال إلى الحرب الحالية وغزّة ولبنان، هل ترون أن ما يجري على الجبهتيْن مؤشرٌ من مؤشرات تحرير فلسطين، أم إنها حرب محدودة؟
لا شكّ ولا ريب في أن عملية "طوفان الأقصى" نقلت القضية الفلسطينية من موقع إلى موقع أعلى بكثير. أنا من الناس الذين يعتقدون بأن هذا العمل والفعل الجهادي وفتح الجبهة الكبيرة في غزّة وجبهة المساندة في جنوب لبنان، سيؤسّس للانتصار الكبير الذي سيأتي يومًا ونشهد فيه تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.
ليس عاديًا أو طبيعيًا أن تشهد كلّ الكرة الأرضية حراكًا على جميع المستويات السياسية والعسكرية والثقافية والأيديولوجية والطلّابية وفي المدن الأميركية، ينادي بفلسطين ويرفع علَمها ويدعو إلى إدانة الجرائم الوحشية. هناك تضحيات كبيرة يقدّمها الشعب الفلسطيني في خارطة الانتصار والوعد الإلهي.
* كيف تُقيّمون عمل محور المقاومة ودوره في دعم الفصائل الفلسطينية في طوفان الأقصى؟
ما يقوم به محور المقاومة ممتازٌ وعظيمٌ جدًا. كلّ على قدرته ومسؤوليته القوميّة والشرعية والإسلامية والوطنية سواء في جنوب لبنان مع حزب الله أو مع المقاومة الفلسطينية في غزّة. ما يقوم به حزب الله في جبهة الإسناد هو واجب يلتزم به تجاه القضية الفلسطينية، إذ لا يمكن أن يبقى متفرّجًا أمام ما يُصيب غزّة.
كذلك أبلى اليمنيون بلاءً حسنًا في هذه المعركة، وأصبح كلّ العالم يترقّب ماذا يجري في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن. وفي العراق أيضًا، جميع الفصائل تقوم بدورٍ كبيرٍ جدًا تجاه غزّة، والإخوان في سورية يقدّمون من ناحيتهم المساعدة بما يستطيعون.
هناك عملية تكامل بين كلّ هذه الحركات، والعدو "الإسرائيلي" اليوم يشعر بفداحة الخسارة الكبيرة التي تلحق به على المستوى العسكري والاقتصادي جراء تدخّل حركات المقاومة في المنطقة بمساندة غزّة.
* كيف تُقيمّون المواقف اللبنانية الداخلية إزاء جبهة الإسناد اللبنانية، خاصة أن هناك أصواتًا تقارب المسألة بقياس الخسائر البشرية والمادية؟
في لبنان الموضوع الداخلي مُعقّد. أبسط القضايا تسبّب انقسامات فكيف بقضية دعم الشعب الفلسطيني؟ هناك أهواء مُتعدّدة ومنهم من لا يعتبر الصهاينة أعداءً لا لهم ولا للمسلمين والعرب، وهذا موجود منذ عام 1982. العمل المقاوم في لبنان لم يحصّل إجماعًا على المستوى اللبناني، لكنّ الأعمّ الأغلب يُبارك هذا الوقوف الجريء والقويّ والمشكور وكذلك وقفة حركة أمل في هذه المعركة.
* في السياسة والمفاوضات والاتّصالات، ماذا يمكن أن نقول عن الرسائل التي تصلكم من الخارج متصلة بالحرب الجارية جنوبًا؟
منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر، ترِدنا اتّصالات متفرّقة من العديد من الدول الأوروبية بشكل مباشر، ومن الأميركيين بشكل غير مباشر. كلّ هذه الاتّصالات هدفها واحد وهو تعطيل البندقية التي تُطلق النار على "الإسرائيليين" من جنوب لبنان، ووقف هذه الجبهة بأيّة طريقة من الطرق. هذا دليل كمْ أن العدوّ مفجوع ويُعاني من هذه الجبهة. الرسائل هذه تتضمّن أحيانًا تحذيرات وأحيانًا تهديدات "إسرائيلية". نحن نتعامل مع الموضوع بِقناعتنا ومع المصلحة الوطنية العليا للبنان ومستقبله وللشعب الفلسطيني.
من السذاجة أن يقف الإنسان بموقف المتفرّج وينتظر أن يصفعه أحدٌ، لذلك تحرّكنا وقُمنا بعمل مساند للشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى، وثانيًا بعمل استباقي وكبير بوجه العدو.
من يرِد إرسال رسائله، فأهلًا وسهلًا، نحن نستمع إليها ولكننا نتصرّف بما نقتنع به بناءً على مصلحة لبنان والأمة.
* هل صحيح أن فرنسا أبلغت حزب الله بأن "الإسرائيلي" ذاهب إلى حرب مع المقاومة قريبًا، إذا لم تتوقّف عن مساندة غزّة؟ وما كان جوابكم؟
من الممكن أن تُنقل رسائل كهذه. من دون فرنسا، في الأصل وزير الحرب "الإسرائيلي" يوآف غالانت وغيره من المسؤولين الصهاينة يُطلقون التهديدات للبنان ويتوعّدونه بالدمار. "الإسرائيلي" سيحسب مليون حساب للدمار الذي سيلحق به إذا ارتكب هذه الحماقة وتجرّأ على توسعة الحرب ضدّ لبنان.
في الجنوب هناك حرب حقيقية. العدوّ يعرف ردّة فعل حزب الله وقُدرة دفاعه عن لبنان إذا ما أقدم على هذه الحماقة. وهذه الحقيقة هي من الروادع الأساسية التي منعت "الإسرائيلي" من توسعة الحرب.
* دائمًا يحكى عن مواجهة عسكرية ستتوسّع في الصيف أو ربما في أيلول كما يقول الصهاينة، ماذا تقولون؟
العدو "الإسرائيلي" غير مضمون وغدّار إلى أبعد الحدود. المطلوب أن يكون الطرف المقابل حاضرًا ومُنتبّهًا وواعيًا وغير غافل عن هذه المسائل.
* العلاقة مع الأفرقاء المسيحيين وبكركي، كيف تصفونها؟
العلاقة كانت في السابق عادية وطبيعية. أحيانًا ينخفض إيقاعها ويقوى حسب الأوضاع السياسية وما يطرأ في البلد. الحوار لم ينقطع مع الجميع حتّى في أحلك الظروف، باستثناء القوات اللبنانية التي لا يجمعنا بها أيّ حوار.
العلاقة غير منقطعة مع التيار الوطني الحر، وكذلك بالنسبة لبكركي رغم التباين الكبير الموجود في بعض المحطات، لكن الحوار ما زال قائمًا واللقاءات أيضًا.
* على صعيد رئاسة الجمهورية، الاتهامات الموجّهة للثنائي الوطني هي عدم الجدية في العمل على انتخاب رئيس للجمهورية وربط هذا الاستحقاق بحرب غزّة، كيف تردّون؟
نحن الوحيدون الذين أعلنّا مُرشحًا اسمه سليمان فرنجية، وهذا الحقّ لنا ولكلّ طرف في لبنان، لكن ما ليس حقًا هو أن يُقال إننا لا نريد انتخاب رئيس للجمهورية. منذ اليوم الأول سعينا إلى أن يُنجز هذا الاستحقاق، وكنّا جدّيين في طرحنا، ودعونا الآخرين لتقديم مرشحّيهم.
لكن تُتهمون بأنكم تدعون لحوار على اسم سليمان فرنجية حصرًا؟
ليس صحيحًا. لم نرفض الحوار مع أحد. في الحدّ الأدنى عندما يدعون إلى حوار، يجب أن يكون هناك طاولة حوار ولها مدير، وليس صالونًا للنقاش. إذا كان هناك حوار جدّي، فله بالطبع رئيس وتاريخ ودعوة. الرئيس نبيه بري كان يتصدّى دائمًا لإدارة الحوارات، فإذا أراد المجلس النيابي وأعضاؤه أن يذهبوا إلى حوار من الطبيعي جدًا أن يرأس رئيس البرلمان هذا الحوار.
في أيّة لحظة، يُدعى فيها حزب الله إلى حوار يترأسه الرئيس بري فهو سيُلبّي حتمًا. حزب الله بالتالي لا يعرقل أيّ حوار يتعلّق بالاستحقاق الرئاسي.
السؤال الأخير: ماذا فَقَدَ حزب الله مع رحيل السيد رئيسي؟
فَقَدَ أخًا كبيرًا وداعمًا قويًا وملجأً في المهمّات والصِعاب، ومُساندًا للقضية الفلسطينية ولحقّ لبنان في تحرير أرضه. فقدنا أخًا كان يقف إلى جانب اللبنانيين والفلسطينيين في كلّ الشدائد. نسأل الله أن يُعوّض على الشعب الإيراني وقيادته وعلينا والأمة الإسلامية بمن هو مثل السيد رئيسي.
تصوير: موسى الحسيني
إقرأ المزيد في: خاص العهد
02/12/2024
القرض الحسن: صمود وعمل مستمر رغم العدوان
30/11/2024