خاص العهد
خلافات الصف الأوّل في "النصرة": من اغتال المنافس الأبرز للجولاني؟
محمد عيد
بعد ايام قليلة من الإفراج عنه بسبب تهم وجهت له بالعمالة لأطراف خارجية قُتل أبو ماريا القحطاني أحد الأضلاع الثلاثة المؤسسين للتنظيم الأكثر إجرامًا في سورية منذ العام ٢٠١١ وذلك عبر عملية انتحارية استهدفت المضافة التي كان متواجدًا فيها في بلدة سرمدا. اغتيال كان من شأنه توجيه الكثير من أصابع الاتهام إلى الجولاني بالرغم من محاولته ومنذ اللحظة الأولى إلصاق التهمة بتنظيم داعش الإرهابي.
فما هي الأسباب التي دفعت الجولاني لاغتيال القحطاني وفق ما أشارت إليه كلّ الوقائع والأدلة؟
الجولاني خطط للتخلص من القحطاني منذ زمن طويل
في الحديث عن ملابسات الاغتيال والجهة التي تقف خلفه قال المحلل السياسي محمود عودة لموقع "العهد" الإخباري إن كلّ الدلائل تشير إلى أن الجولاني هو الذي يقف خلف الاغتيال.
وأوضح عودة أن القحطاني كان يشكّل هاجسًا كبيرًا للجولاني ومنافسًا له على زعامة التنظيم الإرهابي. وعلى الرغم من اعتقاله له العام الماضي إلا أن الحسابات داخل التنظيم لم تكن تسمح بتصفيته فضلًا عن الأوضاع المضطربة داخل مناطق سيطرة الجولاني نتيجة استمرار المظاهرات المناوئة له والدور الخفي الذي لعبه القحطاني من داخل سجنه في تأجيجها، مشيرًا إلى أنه وأمام كلّ هذه العوائق اضطر الجولاني للقيام بكلّ هذه المسرحية والإفراج عنه بعد سبعة أشهر من اعتقاله رغم التهم الكبيرة التي وجهها له من قبل، وفي أقل من شهر قام بتصفيته في المضافة التي تواجد بها في سرمدا عبر ثلاثة عناصر أحدهم انتحاري.
وعن رواية الهيئة بخصوص أن تنظيم داعش هو الذي نفذ الاغتيال استبعد المحلل السياسي هذه المزاعم مؤكدًا أن "داعش" لديها أهداف كثيرة أهم من إراحة الجولاني من طريق ألد خصومه سيما وأن "داعش" قد أعلنت صراحة أنها لم تنفذ عملية اغتيال القحطاني وهي ليست مضطرة لإنكار ذلك لو حصل، بيد أن مسارعة الهيئة ومنذ اللحظات الأولى للاغتيال إلى اتهام "داعش" قبل إجراء أي تحقيق كان لامتصاص ردة الفعل المحتملة من قبل أنصاره ولفت الأنظار عن المنفذ الحقيقي للعملية
وختم عودة حديثه لموقعنا بالتأكيد على أن الجولاني وإن كان قد تخلص من ألد منافسيه إلا أنه لن يسلم من ردود الأفعال المترتبة على عملية الاغتيال بسبب وجود مناصرين للقحطاني والفصائل ومعهم الكثير من مناصري القحطاني من لعبته الدموية ورواياته التي باتت مكشوفة للجميع.
أزمة الجولاني باقية بعد التخلص من القحطاني
بدوره أكد الباحث المختص في الشأن الإسلامي حسام طالب أنه منذ بدء الحرب على سورية كان وجود الاستخبارات العالمية فيها واضحًا على كلّ المستويات الأميركية والبريطانية والفرنسية والألمانية والتركية والإيطالية والناتو بشكل عام والغاية كانت تحويل سورية إلى بلد غير قابل للحياة ولذلك فإن كلّ الجماعات الإرهابية التي دخلت حظيت بدعم خارجي ابتداء مما يسمّى بـ "الجيش الحر" وصولًا إلى كلّ التنظيمات الإرهابية الأخرى.
وفي حديث خاص بموقعنا أشار طالب إلى أن الصراعات التي كانت تحصل بين المجموعات الإرهابية كانت في جانب منها صراعات استخباراتية بين هذه الدول؛ فعندما كان هناك خلاف بين قطر ودول الخليج لاحظ الجميع كيف انتقل هذا الخلاف إلى المجموعات الإرهابية على الصعيد الداخلي وعلى صعيد الفصائل فيما بينها.
وأضاف أن المرحلة الجديدة هي مرحلة بسط النفوذ والسيطرة ومحاولة الاستئثار بكلّ شيء لأن المساحة التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية لم تعد شاسعة لتستوعب سرقات وتجاوزات هذه المجموعات الإرهابية كما كان عليه الأمر في السابق.
وشدد الخبير في الجماعات الإسلامية في حديثه لموقعنا على وجود صراعات داخل "جبهة النصرة" وأنها كانت بين الأمنيين والعسكريين بداية ثمّ انتقلت لتصبح بين الأمنيين والشرعيين لتصل هذه الخلافات إلى حالة الصدام بين الشرعيين والجولاني نفسه لأنه بدأ يغير من تركيبة جبهة النصرة على الصعيد الأيديولوجي باعتبار أن "جبهة النصرة" تحتوي "القاعدة" والجهاد والإخوان المسلمين والسلفيين والخلاف اليوم بات بين قيادات في "جبهة النصرة" وأبو محمد الجولاني وهذا أخطر أمر تمر به الجبهة، وكان أبو ماريا القحطاني بناء على هذه الصراعات الآنفة أكبر المنافسين لأبو محمد الجولاني على صعيد القيادة وعلى صعيد الشرعيين الذين يوالون أبو ماريا القحطاني أكثر من الجولاني وكذلك الأمر فإن المنافسة كانت كذلك على مستوى الأمنيين لأن القحطاني هو من أسس جهاز الأمن وبالتالي فإن الجميع بدؤوا بالالتفاف حول أبو ماريا القحطاني بمن فيهم العشائر التي البسته "عباءة العشائر" في إدلب قبل اعتقاله من قبل الجولاني بمدة قصيرة فهو على مستوى العشائر كان أقوى بكثير من الجولاني فهو من الموصل والعشيرة التي ينتمي إليها تمتد إلى الداخل السوري والأردني والسعودي وواقعه العشائري يختلف عن واقع الجولاني الذي هو من الجنوب السوري ولا ينتمي إلى عشيرة كبيرة لها امتداداتها الإقليمية وهنا كان مكمن الخطورة من قبل القحطاني على الجولاني الذي لم يستطع تصفيته في السجن بسبب وجود ضغوط كبيرة لإخراجه فعمد إلى إخراجه من السجن وإرسال أحد الانتحاريين لقتله في مضافته في سرمدا.
الخروج من العباءة التركية
وأضاف طالب في حديثه لموقعنا أن هذه الصراعات لم تنته داخل "جبهة النصرة" التي تأكل بعضها البعض اليوم فهي لم تعد ذلك الفصيل القوي المتماسك خصوصًا وأن تركيا تريد إضعاف الجبهة لحساب ما يسمّى بـ "الجيش الوطني" الأكثر ولاء لها خصوصًا وأن هناك اتفاقًا في استانا كان يقضي بالقضاء على المجموعات المصنفة إرهابية وتركيا ستساهم في القضاء على "جبهة النصرة" من خلال تغذية هذه الصراعات داخلها ليس رغبة بتنفيذ اتفاق استانا بل لتقوية ميليشيا "الجيش الوطني" على حساب الجولاني الذي "يفتح خطُّا استخباراتيًّا " مع واشنطن ولندن بشكل واضح وعلني تمثل في زيارة ضباط هذه الاستخبارات إلى الجولاني بالتزامن مع لقاءات إعلامية غربية تصور الجولاني باعتباره شخصية معتدلة.
ولفت الباحث المختص في الجماعات الإسلامية إلى أن الجولاني ورغم ما تمثله تركيا من عمق استراتيجي للمجموعات الإرهابية فإنه يحاول الخروج من عباءتها من خلال رفضه إرسال مرتزقة للقتال إلى جانب حلفاء أنقرة في ليبيا واذربيجان فضلًا عن أن الجولاني يعيق المشروع التركي في السيطرة على كامل الحدود فهو يريد أن يفعل ذلك ولحسابه وهذا الأمر سيؤدي إلى صراعات أوسع وأشمل في الشمال السوري بين "جبهة النصرة" على الصعيد الداخلي وبين "جبهة النصرة" وبقية الفصائل الإرهابية.
وختم طالب حديثه لموقعنا بالتأكبد على أن ما شاهده السوريون في الغوطة الشرقية سيشاهدونه بكلّ تأكيد في إدلب التي باتت اليوم أكبر تجمع للإرهاب المدعوم من الغرب على هذا النحو.
خيارات الجولاني اليوم باتت محدودة جدًّا فهو لا يستطيع أن يحكم كما كان في السابق أو أن يبني الإمارة التي كان يحلم بها.