خاص العهد
"العهد" يلتقي محرري ريف حلب الجنوبي: عوملنا بطريقة سيّئة
دمشق ـ محمد عيد
نجح الجيش السوري في تحرير تسعة مختطفين من بينهم طفل وامرأتان كانوا لدى المجموعات الإرهابية في ريف حلب الجنوبي. حرية عانقت أولا وأخيرا ذوي هؤلاء المحررين الذين بقوا لسنوات أسارى الظنون التي تأرجحت بهم على حبال اليأس والأمل قبل أن يتحول الحلم إلى حقيقة ويعم مشهد العناق الطويل ساحة اللقاء المرتقب.
على حبال الأمل
كان اليأس قد بلغ بأم أحمد توفيق صقر مكانا لا قرار له سيما وأن الاتصالات القليلة التي كان الإرهابيون يمنون بها عليها بغية الابتزاز والتشفي أحيانا في السنتين الأوليين لاختطافه قد انقطعت بشكل نهائي، فجاء من يهمس بمسمعها بأن عليها أن توطن النفس على فكرة أن الإرهابيين ربما اختاروا تصفيته سيما وأن نذر معركة إدلب قد لاحت في الأفق. مجرد التفكير بهذا الأمر بقي كابوسا يلازم هذه السيدة لولا نسائم الأمل التي كان قلب الأم ينبض بها ويقتات عليها.
تعد أم أحمد لحظات اختطافه بالسنة والشهر واليوم وربما بالساعات والثواني. انقطاع أخباره لأكثر من سنتين لم يترك لها غير تداول مسبحة الأيام المتشابهة في وقع آلامها، ولكن هاتفا جاء من قيادة الجيش السوري في ساعة متأخرة من اليأس سارع من إيقاع قلبها انتظارا للموعد المرتقب "ترقبوا أخبارا سارة عن بشار". كان هذا هاتف الضابط السوري الذي وضع السيدة المحزونة على سكة الأمل مجددا وهكذا كان
فقد أحمد منذ أربع سنوات وشهرين و18 يوماً. هاجم الإرهابيون المنطقة الصناعية في إدلب، قاتل الشاب ورفاقه طويلا قبل أن تنفد ذخيرتهم فاقتادهم "جيش الفتح" أسرى.
"فرحتي لا توصف والله يفرج هم كل أم أسير تعاني ما عانيته على مدى سنوات، الأمل بالله كبير جدا، لا أصدق أنني عانقت ولدي مجددا".
وكذلك أحمد لم يصدق ذلك، انكب على يدي أمه مقبلا. كان على ما يقول يسمع دعاءها له وهو في سجنه أو سجونه المتنقلة. يقول لموقع "العهد" الإخباري "كانت المعاملة سيئة للغاية، باعونا لثلاث فصائل من "جيش الفتح" لـ"صقور الشام" لـ "أحرار الشام" وصولا لجبهة النصرة وفي كل سجن كانت المعاملة أسوأ من السجن اللي كان قبله".
للتعذيب فنون
تحرير الأسرى كان في معبر العيس في ريف حلب الجنوبي. لكن وصولهم لملاقاة ذويهم تم في مدينة حماة. وصل الباص في ليل اضاءته الزغاريد والابتهالات والدموع التي اختصرت فرحة لم يصمد أمام سطوتها إلا القليلون ممن ربط الله على قلوبهم. كان المحررون يعانقون كل رجال الجيش السوري حتى أولائك الذين لم يكتب لهم المشاركة في التحرير. بدوا ممتنين لتضحياتهم ولو في مناطق أخرى أو لحساب محررين آخرين. من بين المحررين طفل كانت أمه حاملا به في شهرها الأول، لم يقم الإرهابيون وزنا لكونها تعمل موظفة مدنية، فقد كان ميزان القصاص عندهم مرتبطا بولائها للحكومة السورية فعوقبت وابنها الذي فتح عينيه على وجوه التعصب البغيضة، لكن جهله بما يجري حوله كان السياج الذي حمى بقية طفولته، فقد كان حضن أمه هو عالمه الأوحد البعيد عن سطوة هؤلاء.
مازن العبد الله خطفه الإرهابيون في حلب ليقضي بعدها سنتين وثلاثة أشهر في سجن حارم بإدلب "لم أشك بأن الجيش سيحررنا مهما طال الزمن. الخوف الذي كنا نحلظه في عيون سجانينا كان فأل خير بالنسبة لي، وإن كنت أشعر بأنهم وعلى خلفية هذا الخوف نفسه قد يقدمون على تصفيتنا. لكن ثقتنا بالله وبجيشنا كانت في مكانها".
سألنا مازن إن كان يرغب ثانية في العودة إلى إدلب فأجاب من دون تردد "نعم سأزورها برفقة الجيش لتحريرها وبعدها سأجد الوقت المناسب لمعاينة سجني هناك ولكن على قاعدة تنذكر وما تنعاد".
يروي المخطوف المحرر علي عدنان فاضل لموقع "العهد" الإخباري كيف هي طبيعة العلاقات المتشابكة والمعقدة بين الفصائل الإرهابية في إدلب "عجيب أمر هؤلاء يقتتلون بينهم على أتفه الأسباب رغم أنهم جميعا يتبعون نفس الفكر التكفيري. عندما كانت المعارك تشتد فيما بينهم كنا نعتقد بأننا سنذهب ضحايا إطلاق النار العشوائي ولكن الله كتب لنا أن نبقى أحياء لنعاين الحرية مجددا".
لغة الكلام تعطلت أثناء لقاء المحررين بذويهم، نابت عنها الدموع ولحظات التأمل الطويلة من الأمهات في رسم أبنائهن ممن اعتقدن أن سجلهم من الحياة قد انطوى، فلقد كان الإرهابيون بارعين في خلق مناخ الرعب المجاني هذا حين كانوا ولدواع متصلة بنزعتهم السادية يتصلون بأهل المخطوفين بمنتهى الشماتة طالبين منهم أن يسمعوا "النداء الأخير" لأبنائهم قبل أن يدوي صوت الرصاص في الهواء بما يوحي بأنه قد اخترق أجساد الأسرى لتنتهي المكالمة على صوت الأم المفجوعة وهي ترفع صوتها بالاستغاثة والتوسل. كان هذا تسلية الإرهابيين بالمخطوفين وذويهم قبل أن يضع الجيش السوري حدا لهذه التسلية حين كان الجد يسير في ركابه إلى حيث يقبع هؤلاء المستضعفون في سجونهم.