خاص العهد
"العهد" في غوطة دمشق بعد عام على التحرير
دمشق ـ محمد عيد
على ميقات عام من التحرير زرنا غوطة دمشق، في حساب الزمن تبدو مدة عام كفيلة بتقييم ما انتهت إليه الأوضاع في منطقة خرجت من حرب ضروس وفي حساب الزمن أيضا يمكن تقييم ما انتهت إليه النفوس أيضا من جنوح للمساكنة والموادعة، فمع وقف إطلاق النار قبل عام وجد أهل الغوطة في سكوت البنادق وشيوع الأمان فرصة للتأمل بهذا الإنتقال السلس من الحرب إلى السلام، أما المراجعة فقد اختص بها من حمل السلاح دون بقية أهله ممن فرض عليهم منطقه القهري في احتكار المصير، مراجعة جهر بها البعض أمامنا، فيما كان الصمت المشفوع بعلامات الرضا سبيل الآخرين ممن حملوا السلاح للإعتذار لأهلهم أولا ولوطنهم ثانية عما جنته أياديهم.
إعادة إعمار البشر والحجر
لم تعد أسماء البلدات المكتوبة بالخط العريض على شاخصات الطرق مدعاة للخوف والقلق ، فعلى الطريق الدولية الواصلة بين دمشق وحمص ارتكب ارهابيوا حرستا ودوما أبشع المجازر بحق العابرين من مستقلي السيارات الخاصة والعامة وبمن ألزمتهم المروءة بمحاولة انقاذهم ، وصلنا إلى دوما المدينة التي ادخرها الإرهابيون للوثوب على قلب العاصمة دمشق قبل أن يثب أهلها على جلاديهم ويلزمونهم بالرحيل أو المصالحة، كان لافتا تلك العلاقة الحميمية بين أفراد الجيش على حاجز البلدة الرئيسي وبين أهالي البلدة ، أخبرنا أحمد وهو تاجر من دوما بأن عناصر الجيش كانوا في غاية اللطف مع الأهالي "ولم يتصرفوا كمنتصرين بل جعلونا شركاءهم في نصر كان نصرنا أولا وأخيرا " لا تخطئ العين حركة العمران في المدينة ونشاط المؤسسات الخدمية في إعادة المدينة إلى ما كانت عليه قبل الحرب، على غير موعد التقينا أيمن السيد عضو مجلس المحافظة في ريف دمشق كان الرجل يعاين الواقع الخدمي للمدينة لحظة وصولنا "الخدمات تعود بشكل تدريجي، المجلس البلدي يقوم بدوره على أكمل وجه ومجلس مدينة دوما أكبر مثال واللجنة التنموية كذلك تقوم بدور كبير أيضا، القصر العدلي بات جاهزا وهو يقدم خدماته لمعظم مواطني ريف دمشق، كل الخدمات أعيدت والكهرباء عادت بنسبة عالية جدا والهاتف كذلك اصبح جاهزا وهنالك خدمات لا تحصى ورغم أننا خارجون من حرب فإن موضوع النظافة أصبح متقدما لدرجة كبيرة وربما فاق بعض المناطق التي لم تتعرض للحرب أصلا، المحافظة وأعضاء مجلس الشعب فضلا عن الأيادي البيضاء كانوا يدا واحدة، شايفين الحركة وشايفين الناس والبهجة على وجوههم "هكذا حدثنا الرجل مختصرا عاما من العمل الدؤوب، سرنا في دوما نعاين المكان الناس خرجوا للتبضع وعلامات الرضا على وجوههم، ثمة أطفال يقطفون زهور لعب حرموا منه طويلا، سوق الهال كان مليئا بكل ما تشتهيه النفس، عادت دوما سلة غذاء الغوطة كما قال مختارها لموقع "العهد" الإخباري: "بعد عودة الجيش عاد الفلاحون إلى أراضيهم وقامت وزارة الزراعة بواجباتها على أكمل وجه فقدمت للفلاحين الأبقار والسماد والشجر للزراعة، الإنتاج اليوم جيد جدا وأسعاره مناسبة تماما للفلاح وللمواطن على السواء، هنالك بعض الصعوبات ولكنها ان شاء الله ستزول قريبا جدا".
التربية والتعليم أولا وأخيرا
تركنا دوما باتجاه حرستا، نالت المدينة نصيبها الكبير من الدمار قبل أن تنزل الحكمة على مسلحيها في ساعة متأخرة من الهزيمة، كان منظر عمال البلدية وهم ينظفون الشوارع صورة مصغرة عن خلية نحل لا تكف عن العمل، كل الخدمات عادت بقوة، استوقفنا المواطنين لسؤالهم عن الأحوال فرد أحدهم "وضع الخدمات في حرستا أحسن من كثير من المناطق وبالأخر الواحد بلدو الواحد ما ألو غيرها". وثق المخفر كل شكاوي المواطنين عن الأضرار التي لحقت بهم جراء المعارك.
في عين ترما كان لافتا منظر الأطفال وهم يعودون إلى مدارسهم، لم تنقطع صلات وزارة التربية مع المدرسين حتى في وقت الحرب فيما لم تتوقف رواتبهم رغم هيمنة الإرهابيين على قرار التعليم ومنعهم للمدرسين من شرح المناهج الحكومية تقول سمر مديرة إحدى المدارس الإبتدائية لموقع "العهد" الإخباري مضيفة بأن أوامر مشددة جاءتهم من الوزارة لمنع التسرب من المدارس وإعادة كل الأطفال إليها والوقوف على كل حالة أصابتها لوثة من مناهج الإرهابيين التكفيرية" .
مسلحون بلباس الجيش
البعد الإجتماعي لسياسة الحكومة السورية في الغوطة كان حاضرا بقوة، فالتسويات سمحت لحملة السلاح بالعودة التدريجية إلى المجتمع، ولم تسجل حالات انتقام من إرهابيين نكلوا بالأهالي، ترك قرار الفصل في ذلك للحكومة التي رفعت شعار التسامح كعنوان جديد للمرحلة وحسن النوايا كان واضحا في سلوك من التحق من المسلحين بالمؤسسة العسكرية وقاتل مجددا ولكن بلباس الجيش العربي السوري هذه المرة.
كان مضر واحدا من هؤلاء التقيناه بالصدفة وهو يقضي إجازته بين أهله في حران العواميد رفض توصيف البعض له بأنه نقل السلاح من كتف إلى آخر، بل ألقاها أمامنا بكل شجاعة "كنت صغيرا وأقنعوني أن ما قمت به كان صحيحا أما وقد تكشفت بصيرتي عن الحقيقة وعرفت هؤلاء الإرهابيين عن قرب فإنني أرتدي لباس الجيش السوري بإيمان مطلق بصوابية خياري وأتحضر جيدا لمعركة إدلب المرتقبة".
بدت الغوطة بعد مسيرة يوم كامل بين ربوعها الخضراء وكأنها ولدت من جديد، هكذا قال عمر وهو يودعنا " لم نسأل عن إعادة الإعمار والدولة لم تقصر فقد كان همنا الأول والأخير هو العودة إلى بيةتنا لنوقف مسلسل التشرد الطويل الذي استنزف كراماتنا فلاقيمة للإنسان خارج بلدته، هكذا علمتنا تجربة الحرب الطويلة".