خاص العهد
"التهرب الجمركي" يحرم الخزينة مئات مليارات الدولارات سنوياً
فاطمة سلامة
لا شك أن الحديث عن دولة خالية مئة في المئة من التهرب الضريبي هو كلام أقرب الى الخيال. لا تكاد دولة تخلو من هذه الظاهرة، لكنّ النسب تتفاوت بين دولة وأخرى. ويُسجّل لبنان في هذا السياق أرقاماً "صادمة" إذ قُدّر حجم التهرب الضريبي بنحو 5 مليارات دولار في العام 2017 أي ما يوازي 10% من الناتج المحلي الإجمالي. ويُشكّل التهرب "الجمركي" أحد أنواع هذا التهرب. يُحكى عن مئات ملايين الدولارات التي تُهدر سنوياً عبر المطار، المعابر والمرافئ. أساليب عدّة يمتهنها "أصحاب العلاقة" للتهرب من الرسوم الجمركية. أساليب لو جرت مكافحتها لفازت خزينة الدولة بإيرادات مهمة. إيرادات تبدو الدولة في أمس الحاجة اليها وسط موجة الحديث عن إجراءات تقشفية لإنقاذ الوضع الاقتصادي الذي يُلامس "الانهيار" على ذمّة كُثر.
ويكفي في هذا الصدد أن يستذكر وزير الاقتصاد السابق رائد خوري اللقاء الذي جمعه بنظيره الصيني ذات مرّة، والذي أصيب حياله بالذهول بعدما اكتشف صُدفة أنّ قيمة البضائع المستوردة من الصين تُوازي ضعف ما هو مسجّل "على الورق" في لبنان. هذه عيّنة واحدة من آلاف العينات التي تتكرّر على الدوام والتي لا حل لمكافحتها سوى في "المكننة"، برأي خوري. يرسم الأخير خارطة طريق للقضاء على هذه الظاهرة تبدأ من إخضاع عملية الاستيراد والتصدير لآليات الكترونية كخطوة أولى. يُستكمل هذا الأمر بتعاقد الدولة مع شركات عالمية في الخارج، تتولى الأخيرة مهمّة التواصل مع الداخل اللبناني وإرسال تقارير مفصّلة عبر البريد الالكتروني تتضمّن حجم البضائع وقيمتها من البلد المصدّر الى المستورد في لبنان. يرى خوري أن هناك حلولاً كثيرة لمكافحة هذه الظاهرة لكنّ الأهم يتجلى في اعتماد حلول تُخفّف من احتكاك الموظّف الانسان بالتاجر الانسان مع ما يحمله هذا الأمر من "فرصة" للرشوة والمحسوبيات.
وفيما تغيب الاحصاءات "الدقيقة" وتتفاوت التقديرات حول حجم التهرب الجمركي سنوياً، يُشدّد خبراء اقتصاديون على أن قيمة هذا النوع من التهرب الضريبي تتراوح بين 500 مليون دولار و900 مليون دولار سنوياً.
هذه هي الأساليب
وتتنوّع أساليب "التهرب الجمركي" وتتعدّد. وزير المالية الأسبق جورج قرم يستعرض الطرق التي تتّبعها الجهات للتهرب من دفع الرسوم الجمركية ويلخصها بالآتي:
ـ التلاعب بفاتورة البضائع المستوردة لجهة تقديم أسعار بقيمة منخفضة عما هي عليه أصلاً: مثال الاستيراد بقيمة 60 الف دولار وتقديم فاتورة بقيمة 20 ألف دولار.
ـ التلاعب بكمية البضائع المستوردة كأن يستورد التاجر بضائع بوزن معيّن ويُقدّم وثائق تُنقص من كمية "الحمولة".
ـ التلاعب بالنوع المستورد كأن يقول التاجر إنه يستورد ثياباً وأقمشة "مستعملة" وهو في الحقيقة يستوردها جديدة.
ولدى سؤاله عن كيفية مكافحة التهرب الجمركي، يُشدّد قرم على أنّنا بحاجة الى التمتع بـ"حس المسؤولية" و"الأخلاق الاقتصادية" قبل الحديث عن إجراءات مادية. بنظره، فإنّ الدولة الحالية هي دولة كبار الرأسماليين المتحاصصين، الأمر الذي منعها من القيام بدورها كما يجب في هذا السياق، ما حرم الخزينة من إيرادات مهمة خصوصاً في ظل الانكماش المالي الذي تشهده والذي لم يحصل في تاريخ لبنان.