خاص العهد
العمال والبطالة.. والإصلاح المالي
خاص ـ "العهد"
يعاود علينا عيد العمّال ليحتفل به العاملون في كل أنحاء العالم كما في كل عام. إلا أن العمّال اللبنانيون لا يرون فيه العيد بعد الحديث الدائم عن تخفيض رواتب العاملين في القطاع العام، تقليص مخصصات وتعويضات المتقاعدين، والخطر الدائم بالصرف الذي يعايشه موظفي القطاع العام.
عيد العمال في لبنان يختلف عن باقي العالم، ففيه أرق العاطلين عن العمل يفيض بعد أن فاضت نسبة البطالة في لبنان لتترواح ما بين 46% بحسب تصريح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون العام الماضي وما بين تقديرات متخصصين على أنها 28% بالرغم من أن النسبة المعلن عنها لا تتجاوز ال 10%. بغض النظر عن هشاشة الإحصاءات في الدولة اللبنانية كمرآة لواقع السلطة الحالية من تسيّب وإهمال حتى بإدراج إحصاءات ضرورية لرسم استراتجيات وخطط طويلة الأمد لحلّ أزمة البطالة من جهة ورفع الإنتاجية من جهة أخرى وعن مدى منهجية الدولة بصرف أي استدانة جديدة رغم وضوح عدم مسؤوليتها حتى في إصدار ارقام دقيقة، بغض النظر عن كل ذلك، فما يمكن لمسه من الواقع اللبناني اليومي أن هذه النسب المرتفعة تزيد وما من منجد.
يكفي أن تجول في شوارع بيروت الرئيسية لتحصي عدد المحلات التجارية التي اقفلت أبوابها لتعايش معاناة السوق اللبنانية. لا يمكن الوثوق بأرقام الدولة ولكن تقتصر معدلات النمو في لبنان ما بين 1% و2.5% على مدى أعوام. ولكن وفي ظل انعكاسات ركود السوق العقارية بعد وقف دعم المصرف المركزي لها من خلال قروض الاسكان والذي استمر لأكثر من عشرين عام لتصبح مفتاح النمو والعمالة في البلد، انعكس ذلك على السوق اللبنانية ككل من تجارة إلى صناعة وخدمات لترتفع معدلات البطالة والتي كانت تزيد بالأقل عن 5 أضعاف النسب المقبولة اقتصادياً.
لا يمكن اختزال مشكلة البطالة بالنسب المطروحة، فانعكاسات انخفاض الانتاج إبان السياسة النقدية برفع الفوائد لجذب الرأسمال الخارجي جعلت كلفة الاستثمار الإنتاجي مرتفعة، الفرصة البديلة مربحة ما جعل القطاع المصرفي وإلى جانبه قطاع العقارات سابقا هما قطاعي الأكثر ربحا فالأكثر انتاجا وبذلك محوري التوظيف في القطاع الخاص. بعد تقهقهر قطاع العقارات بات القطاع المصرفي يشكل قطاع التوظيف بشكل أساسي مل جعله يتمادى في صرف الموظفين ومخالفة قانون العمل تحت عنوان إعادة الهيكلة.
كما لا يمكن تجاهل واقع تدفق اليد العاملة الأجنبية دون حصر أو دراسة لحاجة لسوق اللبنانية. علاوة على ذلك، فإن أزمة النزوح السوري وما أرفقته معها من عمالة سورية وخاصة على صعيد المهن، زاحمت بذلك اللبنانيون على فرص العمل رغم قلّتها وزادت الواقع اللبناني سوءا.
أما على صعيد القطاع العام، وفي ظل عدم تصحيح للرواتب والأجور والذي لابد أن يحصل في كل عام كبدل للتضخم الذي يرافق النمو لأكثر من عشر سنوات فبعد أن حصل وأقرت سلسلة الرتب والرواتب يحاول المسؤولين تشليح الموظفين حقوقهم. لا يمكن تحميل الموظفين فشل المسؤولين باحتساب الموازنة اللازمة لإقرار السلسلة. كان الأولى تصحيح الرواتب سنويا دونما بث خضة مالية جديدة في البلد وبعيدا عن أخطاء حسابية توالت بسبب المدة الطويلة بغياب الموازنة والتصحيح. لا يمكن بث خضة جديدة بعد أن التزم الموظفون بالتزامات وقروض وفقا للأجور الجديدة. لا يستطيع لبنان تحمل المزيد من الخضات المالية أو النقدية. في الواقع، القطاع العام مترهل يحتاج إلى استغلال للطاقات المهدورة إضافة إلى هدر الأموال والفساد المستشري فيه ولكن تخفيض الرواتب ليس بإصلاح حقيقي بل الإصلاح يكمن في تمكين هذا القطاع بخدمة المواطنين بشكل أفضل وبرسم سياسات تحفز الإنتاج في مختلف القطاعات لتساهم بذلك بخفض نسبة البطالة.