معركة أولي البأس

خاص العهد

في حرب غزة.. وسائل التواصل الاجتماعي: ليَميز الخبيث من الطيّب
27/10/2023

في حرب غزة.. وسائل التواصل الاجتماعي: ليَميز الخبيث من الطيّب

فاطمة سلامة

رُبما يسأل كثر من أصحاب الضمائر الحيّة أنفسهم: ماذا يمكن أن أقدّم لغزة؟ ما هو دوري؟. في الواقع، لكل واحد منا دور مهما كانت وظيفته الأساسية في الحياة. الدعاء الصادق عون، الموقف سلاح، والكلمة الحرة رصاصة. طبعًا، هذا لا يعني أن نكتفي بذلك ونبقى مكتوفي الأيدي. لكن عندما يتعذّر البذل أكثر، يكون العطاء في قمته، فلكل نفس تكليف على قدر وُسعها. 

وفي الوقت الذي تتنوّع فيه جبهات مقاومة العدو، تبرز مواقع التواصل الاجتماعي في الواجهة، ليكون للكلمة والصورة والفيديو الصدى المناسب. تلك المواقع لا شكّ أنها تفوّقت في أحيان كثيرة على وسائل الإعلام التقليدية، وسمحت لكل مواطن أن يُصبح صحافيًا، طبعًا بغضّ النظر عن "الأهلية" والمهنية. وفي هذا الإطار، اندرج قبل سنوات في الكتب والأبحاث الإعلامية التي قاربت الإعلام الجديد مصطلح سُمي بـ "صحافة المواطن" الذي بدت فيه وسائل الاتصال الاجتماعي ركنًا أساسيًا. وبهذا المعنى، بات بإمكان أي شخص أن يكون صحافيًا ينقل رأيه ومشاهداته للعالم ما يجعله قادرًا على التأثير في تكوين وصناعة الرأي العام دونما الحاجة الى امتلاك شهادة جامعية في الإعلام أو الانتماء لمؤسسة إعلامية. 

لدى سؤاله عن استخدامات مواقع التواصل الاجتماعي في حرب غزة، يؤكّد رئيس لجنة خبراء التكنولوجيا في شبكة التحول والحوكمة الرقمية في لبنان الدكتور جمال مسلماني أنّ أي قضية إنسانية محقّة وخاصة في ما يتعلق بقضايا الظلم والتهجير والدمار والقتل التي تعاني منها فلسطين وغزة دائمًا ما تلقى تعاطفًا انسانيًا كبيرًا جدًا، ليس فقط على المستوى المحلي بل الإقليمي والعالمي أيضًا. وعليه، يوضح مسلماني أنّ حرب غزة أوجدت تفاعلًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، ما أدى الى تزايد وتيرة استخدام هذه الوسائل وازدياد المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه ازدياد المجموعات الداعمة لقضايا فلسطين والمناهضة للحرب الدائرة ضد فلسطين وغزة.

وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يشدّد مسلماني الاستشاري المتخصّص بالأمن السيبراني والتحول الرقمي على أنّ المحتوى المنشور يلعب دورًا في التأثير بمعزل عن نوعه اذا كان صورة أو فيديو أو نصًّا مكتوبًا. برأيه، قد يكون المحتوى في بعض الأحيان خجولًا نظرًا لعدم قدرة الآخرين ربما على معرفة كيفية التعاطي مع هذه القضية أو التعامل معها بالإضافة الى بعض "الخوارزميات" والعوائق التي تلعب من خلالها إدارات مواقع التواصل الاجتماعي دورًا سلبيًا لحجب المحتوى ضمن سياسة كم الأفواه الموجودة لدى منصات مواقع التواصل الاجتماعي والتي يكون لها الأثر البالغ جدًا لعدم وصول الكلمة الى مكانها الصحيح. وفق مسلماني، ثمّة تدابير ومعايير وتقنيات كثيرة تلعب دورها لمنع وصول الكلمة التي يجب أن تكون في وجه سلطان جائر. 

"الإنسانية" المصطلح الأكثر تداولًا

ومن خلال متابعته للاستخدامات، يلفت مسلماني الى أنّ مصطلح "الإنسانية" هو المصطلح الأكثر تداولًا واستخدامًا حاليًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وتشكّل غزّة المنشأ الأساسي له، اذ بات العالم كله ينادي بالإنسانية. يلي هذا المصطلح "غزّة"، ثم "فلسطين"، و"حقوق الطفل". وحول مستوى الفاعلية، يقول مسلماني: "لا يمكن أن نحدّد بشكل دقيق على أي منصة يمكن التركيز والتفاعل الكبير، ولكن من خلال تجربة حيّة امتدت على مدار 20 يومًا حتى الآن، نرى أن التفاعل متفاوت ما بين "فيسبوك"، "إكس"، "انستغرام" و"تيك توك"، مع الإشارة الى أنّ ثمّة حظرًا أكبر على "فيسبوك" مقارنة بمواقع التواصل الأخرى، ولهذا السبب  نشهد هجرة منه  نحو منصة "تيلغرام" رغم أنها ليست منصة كـ"الفيسبوك" ولكنها شبيهة أكثر بمنصة "الواتساب"". ولا يُخفي مسلماني أنه حتى "الانستغرام" عمد الى حجب بعض المواد لحسابات تنشط لمناصرة القضية الفلسطينية، فيما عمد "واتساب" قبل الحرب الى حجب أرقام وإقفال حسابات.

ثلاثة نماذج

وقد كشفت حرب غزّة، كما أي أزمة أو حدث، أنواعًا مختلفة من المغرّدين، يمكن حصرهم بثلاثة نماذج. النموذج الأول، وهو النموذج الإيجابي في ميزان المعركة مع العدو. يمضي هذا النموذج قدمًا في فضح جرائم العدو، يُمارس جهاد "التبيين" فينشر الصور والفيديوهات والكلمات المؤثرة التي رُبما توازي بأهميتها الرصاصة فتساعد في استثارة وتجييش عواطف الرأي العام، وفضح جرائم الاحتلال ووحشيته الهمجية. وفي هذا السياق، يقول مسلماني  أنّ ثمّة فئة كبيرة تتفاعل اليوم بشكل إيجابي فتنصر القضية الفلسطينية وتترك تأثيراتها، إلا أنه يشير الى مجموعة من هذه الفئة لديها ضعف أو سوء استخدام لهذه الوسائل ما يجعل كلمتها  لا تصل الى المكان الذي يجب أن تصل اليه، فتتداول بمعلومات وصور وفيديوهات قد تؤثّر على حجب المحتوى المنشور والصفحات سواء كانت شخصية أو عامة.

وكما أنّ الكلمة الحرّة والطيبة على مواقع التواصل الاجتماعي تمثّل جهادًا لنصرة فلسطين، تأتي على الضفّة الأخرى الكلمة الخبيثة، فيُحوّل البعض تغريداته ومنشوراته لصالح العدو، وهذا ما يحصل فعلًا في مقاربة البعض لحرب غزّة، وهنا يبرز النموذج الثاني السلبي. في هذا النموذج، يختبئ البعض خلف إصبعه، فتراه من جهة يُبدي عاطفة مزيّفة على أطفال فلسطين، ومن جهة أخرى، يُبرّر وحشية "إسرائيل" فينظر بعين واحدة. يُلقي باللوم على المقاومين الفلسطينيين لخوضهم هجوم "7 تشرين الأول"، ولا يقول إنّ هذا الهجوم هو ردّة فعل طبيعية على إجرام كيان يقتل الفلسطيني صاحب الأرض مئة مرّة في اليوم الواحد. 

وفي هذا النموذج، ترى البعض أيضًا ــ باذلًا لعاطفة "منافقة" ــ يتحدّث عن الوحشية "الإسرائيلية"، وفي الوقت نفسه يُحارب كل من ينتصر لفلسطين. يُعطي الفلسطينيين من طرف اللسان حلاوة لكنّه يروغ كما يروغ الثعلب. هذا ما رأيناه جليًا في الأصوات التي تنتقد حزب الله لمناصرته أهل غزّة واستهداف الجبهة الشمالية لإلهاء وتشتيت الجيش "الإسرائيلي". يُريد هؤلاء أن ينتصروا لفلسطين بالكلام فقط، أما عندما "يجد الجد"، فلا يتركون كلمة خبيثة لا يقولونها عن حزب الله الذي ينتصر ميدانيًا لغزة في وجه "إسرائيل" التي يهاجمونها قولًا لكنّهم يناصرونها فعلًا. ولولا تعدد الجبهات، لكان ربما تحقّق حلم إسحاق رابين الذي عبّر عنه قبل أكثر من 30 عامًا بقوله: "أتمنى لو أستيقظ يومًا وأرى غزة وقد ابتلعها البحر"، فيمحو الإجرام الإسرائيلي غزة دون أن يبتلعها البحر.  

وربما لولا العيب والحياء لما نطق البعض الكاذب بكلمة تُناصر فلسطين. كيف يُمكن أن يناصر فلسطين وتفوح من منشوراته رائحة الحقد على شهداء ساروا على درب القدس؟ ليس المطلوب من هذا النموذج الذهاب الى الجبهة للدفاع عن فلسطين. للجبهة آلاف مؤلفة من الرجال الصادقين الذين ينتظرون دورهم بشغف لنصرة المستضعفين، لكن أقل الإيمان والواجب ــ إن لم يُسعفهم حقدهم في كتابة كلمة "طيبة"ــ، فليصمتوا، فليصمتوا لأجلهم قبل أي شيء آخر. وفي تعليق له على هذا النموذج، يقول مسلماني: " إنّ هؤلاء الأشخاص السلبيين غير المناصرين يؤثرون رغم أن مستواهم "دنيء" لكنّ حضورهم خجول، فهم غير قادرين  على الوقوف في وجه الحملة الموجودة بشكل إنساني كبير لدعم القضية الفلسطينية ومناصرة شعبها.

وفي النموذج الثالث، يظهر الرماديون. هذه الفئة تراها صمًّا بكمًا، غير فاعلة في هذه القضية تحديدًا. بمعنى، تراها فاعلة في قضايا أخرى، ولكنها تتجنّب إبداء رأيها في حرب غزّة إما لجُبن أو لسبب ما. وهذه الفئة لا تختلف بطبيعة الحال كثيرًا عن النموذج الثاني على قاعدة "الساكت عن الحق شيطان أخرس"، لكنها تبدو ربما أكثر تصالحًا مع نفسها من النموذج المراوغ، وإن كانت تتحمّل مسؤولية تضييع فرصة التأثير في الرأي العام، وعدم استغلال المنصات التشاركية لما ينفع الناس في غزّة. يصف مسلماني هؤلاء بأصحاب الموقف "الضبابي" الذين يُطلقون على أنفسهم تسمية "الحياديين"، هذا الموقف غير صائب، صحيح أنه "لم ينصر الباطل لكنه من المؤكد أنه خذل الحق"، كما يقول أمير المؤمنين (ع).. 

هل يُحدث التفاعل تغييرًا ملموسًا على الأرض؟ يُجيب مسلماني بالإشارة الى أنّ  التأثير الذي يشكّله المحتوى قد يكون نسبيًا لأننا نتحدّث عن قدرة بشرية تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي، محليًا، عربيًا، وعالميًا، بالإضافة الى سياسات الحجب التي تعتمدها الإدارات. وفق قناعاته، التأثير جيد لإيصال المظلومية التي يعيشها الشعب الفلسطيني وفضح آلية القتل والدمار التي يستخدمها العدو ضد شعب غزة، مع الأمل بأن تصل الكلمة الحرة الى أكبر شريحة من الناس خاصة العالم الغربي الذي لطالما ادعى أنّه مثال للحرية والديمقراطية، فيما نرى تحركًا خجولًا من شعوب تنادي بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

وفي الختام، لا يغفل مسلماني عن الإشارة الى أهمية الحرب السيبرانية الدائرة اليوم والتي تلعب دورًا إيجابيًا ومهمًا لإيصال الكلمة بطريقة الكترونية مختلفة، وقد شهدنا حربًا سيبرانية تُستخدم فيها الوسائل التكنولوجية لإيقاف المواقع الإلكترونية "الاسرائيلية" داخل الكيان ومنشآته ومنشآت الطاقة النووية والكيميائية ومعامل الإنتاج وغيرها. هذه الهجمات ضد الكيان تقول كلمتها وتؤثّر على اقتصاده وهي لا شك مقاومة الكترونية من نوع آخر.

تويترفايسبوكواتساب

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة