خاص العهد
توجه مغاربي وافريقي نحو "البريكس" في مواجهة الهيمنة الأمريكية والغربية
تونس – عبير قاسم
يمثّل الإعلان عن قبول انضمام 6 دول جديدة الى مجموعة البريكس خطوة هامة في سياق تشكّل معسكر جنوبي جديد في وجه النظام العالمي السائد. ويبدو أن توجّه دول المنطقة سواء المغرب العربي او الدول العربية او الدول الافريقية الى الانضمام لمجموعة "البريكس"، وراءه تفكير جدي وعقلاني للتخلص من الهيمنة الغربية والأمريكية خاصة على الاقتصاد وعلى العلاقات الاقتصادية بين الدول. فهذه الدول تسعى الى تنويع علاقتها وشراكاتها والدخول في تكتلات جديدة للتخلص من هذه التبعية باعتبار أن هناك مصالح واضحة يمكن ان تتحقق من خلال الانضمام الى "البريكس".
أهمية استراتيجية
ويقول المحلل والخبير الاقتصادي الجزائري سيف الدين قداش لـ" العهد" الإخباري إن "دول المنطقة تتجه نحو "البريكس" نظرًا لأهميته الاستراتيجية وفي اطار التحولات الاقتصادية العالمية، وفي اطار مجابهة الهيمنة الغربية خاصة المالية وما يتعلق بالقروض". ويردف "فمجموعة البريكس تدير مؤسستين ماليتين جديدتين وهما بنك التنمية الجديد، وصندوق احتياطي الطوارئ، فالأول جاء كبنك لتمويل المشاريع، والثاني كصندوق لتوفير الأموال للدول التي تعاني من ظروف اقتصادية صعبة لانقاذها من الانهيار الاقتصادي".
ويشدّد محدثنا الى أن "هذا التوسع يأتي في إطار الرد على سعي الولايات المتحدة لتوسيع الهيمنة خاصة مع الاستراتيجية الأخيرة التي اعتمدتها لخفض التضخم خلال رفع مستوى الفائدة وعودة الدولار إلى الأسواق الأمريكية بالنظر إلى أن العائد المالي أكبر مقارنة بأسواق الشرق الأوسط وشمال افريقيا أو غيرها". ويضيف قداش "هذا الجانب جعل العديد من الدول تدقّ ناقوس الخطر مثل مصر بسبب الوضع الاقتصادي الصعب. وبالتالي فإن الانضمام للمنظمة يشجعّ على استعمال العملات المحلية للمقايضة التجارية، ويشجع بلدان هذه الدول على التجارة البينية وعلى تطوير المشاريع المشتركة في اطار استراتيجيتها المتكاملة. توجه الدول للانضمام للبريكس يعكس رغبة للانضمام الى معسكر الدول الأكثر نموا للسعي لنمو البلدان من خلال اعتماد الديناميات نفسها لتحقيق النجاعة الاقتصادية".
أما بالنسبة لعدم تمكن الجزائر من دخول المنظمة فأجاب محدثنا "اعتقد أن الجزائر كانت لديها مؤهلات كبيرة لكي تكون في مصاف الدول المنضمة الى "البريكس" من خلال علاقتها التاريخية الاستراتيجية مع الدولتين الرئيسيتين في هذه المجموعة وهما الصين وروسيا. ولكن في السياق ذاته هناك مجموعة من الشركاء -وبينهم الهند - كان لهم رأي آخر في انضمام الجزائر ويعتقدون بانه لم يحن وقت انضمامها باعتبار انها لا يمكن ان تقدم الإضافة النوعية رغم أهميتها الطاقية والنفطية والجيوسياسية. فضلًا عن ذلك فإن المعيار السكاني المتوسط نسبيًا بالنسبة للجزائر وعدم وضوح وضعية الإصلاحات الاقتصادية وعدم حدوث المرونة المطلوبة في أدائها ربما لم يحفّز هذه الدول على ضمّ الجزائر، لأنها بشكل أو بآخر ستكون دينامية النمو فيها ليست بالمستوى المأمول".
ويردف الخبير الاقتصادي الجزائري "ولكن هناك علامات استفهام تطرح لأن الجزائر لديها احتياط يصل الى 80 مليار دولار أمريكي بين احتياط مالي وذهب. والجزائر لديها مؤشرات اقتصادية داخلية متحكم فيها، فالوضع الاقتصادي فيها جيد وتتوفر على مواد طاقية هائلة وموارد طبيعية هامة جدا وهي دولة واعدة"، معربًا عن اعتقاده بأن استبعاد الجزائر من الدخول للبريكس لديه طابع سياسي أكثر منه اقتصادي، وربما هناك من يعتقد بأن سياسات الجزائر لا تتلاءم مع سياسات بريكس لحسابات جيوسياسية".
تونس والجزائر وتنويع الاقتصاد
وتقول الصحفية التونسية ضحى طليق لـ"العهد" إنه تم تأجيل قبول ملف الجزائر بانتظار استكمال باقي الشروط المطلوبة واهمها التنوع الاقتصادي، موضحة أن البعض يرى ان هذا الرفض ناتج عن عدم ارتقاء الاقتصاد الجزائرى الى مستوى شروط بريكس وهو التنوع الاقتصادي وخاصة فيما يتعلق بالتخلص من الاعتماد الكلي على الغاز والنفط وعدم فتح باب الاستثمار الخارجي ايضًا وتحرير المبادرة الخاصة، فيما يرى البعض الآخر أن المشكلة ليست في هذا الجانب فقبول عضويات مثل مصر أو اثيوبيا المثقلة بالديون لا يبرر هذا الرفض والتأجيل. ويبدو أن البعض يعتبر أن انضمام هذا البلد المغاربي اصطدم بالموقف الهندي الذي يعوّل على الجزائر لتحرر أكثر اقتصادها.
أما بالنسبة لتونس وفرضية الانضمام، فتجيب محدثتنا "أنا شخصيًا أعتبر أنه ليست هناك نية للانضمام إلا اذا قامت تونس بإصلاحات عميقة جدية لاقتصادها وتنويعه وفتح الباب أمام المبادرة الخاصة وأن تكون فعلًا لديها مشروع كبير لتنويع الاستثمارات الخارجية، وخصوصًا اصطلاح القوانين المنظمة لهذا الجانب". وتردف طليق "ما يزال الوقت أمام تونس طويلًا لأن تتقدم بمشروع واضح المعالم في هذا الجانب حتى تستطيع الانضمام. فهذه المجموعة الواعدة يُنتظر أن يكون لها ثقل دولي كبير ليس فقط على مستوى الاقتصاد العالمي، ولكن على مستوى تحديد ملامح النظام العالمي الجديد الذي سيكون متعدد الأقطاب وليس أحاديًا أو ثنائيًا"، وفق قولها.