خاص العهد
"خطة عمان".. عنوان التواصل المستمر على خط سوريا ــ الأردن
دمشق ـ محمد عيد
بعد أسابيع قليلة على زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد، عقد مسؤولون أمنيون وعسكريون سوريون وأردنيون لقاء تشاوريا لبحث خطة متكاملة لوقف تهريب المخدرات، كمقدمة لبحث بقية عناوين الخطة الأردنية المغطاة عربيا، بعدما ساد الاعتقاد بأن حالة من الفتور قد خيمت على هذه العلاقات بعد الزيارة، سيما مع التصعيد الأمريكي الميداني والسياسي تجاه سوريا والرغبة في تجميد ما بات يعرف بـ "خطة عمان".
التفاوض خيار كل الأطراف
يرى المحلل السياسي الدكتور أسامة دنورة ان ما تم التفاهم عليه سابقاً في خطوطه العريضة ضمن اطار "الخطة الاردنية" يقتضي سياقاً طويلاً ومتشعباً من المسارات الفرعية التي تحتاج الى تشاور دائم، بل وتحتاج ايضاً الى عملية تفاوضية مركّبة وصعبة، كونها تتضمن (من وراء الجانبين السوري والاردني) عدداً كبيراً من الاطراف الاقليمية والدولية المنخرطة في الأزمة السورية.
وفي حديث خاص بموقع " العهد" الإخباري أشار دنورة إلى أن هذه العملية التفاوضية، شأنها شأن اي عملية مماثلة، قد تشهد مراحل تتباين في سيرورتها ما بين تقدم مضطرد ومتسارع، او تباطؤ وجمود، وقد تصل الى حد الاستعصاء وحتى الى النكوص، ولكن كل ذلك لا يبدو، حتى الآن على الاقل، انه يغير اعتماد المسار التفاوضي كخيار استراتيجي محبذ لدى غالبية الاطراف لتحقيق فضٍّ لاشتباكٍ دامٍ تميز بقسوته، وطول مداه الزمني، وعقابيله الكارثية.
ولفت دنورة إلى أن ما يدل حتى الآن على الاستمرار في اعتماد هذا الخيار، ان ما أشيع قبل مدة عن جمود المسار وتراجعه بفعل ضغوط غربية معروفة، لم يمنع العودة الى الاجتماع مجدداً على المستوى الاستخباري والعسكري، فبعد ان ساد الحديث عن بعض الاجواء والمواقف غير المؤاتية التي شابت التواصل الاخير ما بين الوزيرين الصفدي والمقداد في دمشق، اعاد اللقاء الأخير على المستويين الأمني والعسكري والتقني التأكيد ضمناً على اعتماد التشاور المستمر، والمسار الذي تم التوافق عليه في قمة عمان، كخيار استراتيجي، وفي هذا السياق يُستدل من لهجة المقداد التفاؤلية في طهران على أن الدبلوماسية السورية لا تزال تراهن على الاجواء الايجابية التي سادت ابان القمة العربية، وعلى عدم خضوع الاشقاء العرب للابتزاز الغربي، اضافة الى حديثه عن اتصالات مع الدول العربية لكي تكون العلاقات معها بعيدة عن الدور الأميركي.
وشدد الدكتور دنورة على أن عناوين التنسيق الامني لهذا اللقاء لا تحجب المضمون الجيوبوليتيكي لمساعي فض الاشتباك، وفي هذا الاطار، فإن ادوات الضغط الامريكي التي تم تنشيطها مؤخراً، بما في ذلك زيادة عدة وعديد قوات الاحتلال الامريكية في شمال شرق سورية، قوبلت بلهجة تحذير وتحدٍ غير مسبوقة اطلقها المقداد من طهران حيث (مكان اطلاق التصريح لا يقل اهمية عن المضمون)، وتضمن تصريح المقداد لأول مرة الحديث عن اجبار الامريكيين على الخروج، فضلاً عن تصعيد اللهجة ازاء ميليشيا "قسد"، ووصفها بأنها "انفصالية ومجرمة".
كما تأتي هذه المواقف المقابلة للتصعيد الامريكي في سياق من التوتر والاحتكاك (غير القتالي) بين الطائرات الروسية والامريكية في الاجواء السورية، وما تلاه من تصريح للرئيس بوتين اكد فيه ان روسيا لا تسعى للصدام مع الناتو في سورية، ولكنها جاهزة لكل الاحتمالات، وهو ما يعني توجيه رسالة حازمة للامريكيين مفادها بأن التصعيد ضد سورية وايران ضمن الجغرافية السورية لا يمكن ان يكون بمنأى عن الخطوط الحمراء الروسية، وهو ما يعني بدوره ان احتمالات التصعيد الامريكية اصبحت اكثر محدودية وتعقيداً.
وأشار دنورة إلى أن الاستعراض المتبادل للقوة، واختبارها احياناً، قد يكون اداةً تقليدية من ادوات العملية التفاوضية، وهو ما يجب ان يتلوه الجلوس مجدداً على طاولة المحادثات لتجنب استمرار تبادل رسائل القوة والتصعيد، بما قد يحمل مخاطر تدحرج الرسائل المتبادلة نحو اشتباك فعلي يعقد احتمالات العودة الى طاولة المحادثات.
لنبدأ بالمخدرات
من جانبها ترى الباحثة السياسية صبا منصور أن الاجتماع الأردني السوري الأخير على المستويين العسكري والأمني اختار البدء في مناقشة موضوع مكافحة تهريب المخدرات لقطع الطريق على كل المزاعم والاتهامات الأمريكية لدمشق في هذا السياق، والتي تزامنت مع مساعي إقرار قانون الكبتاغون ٢ الذي يهدف إلى تبرير الوجود الأمريكي في سوريا عبر مزاعم مكافحة هذه الآفة فضلا عن محاربة الإرهاب.
وأشارت منصور في حديثها الخاص بموقع "العهد" الإخباري إلى أن الولايات المتحدة تحاول التضييق مجدداً على دمشق من خلال اتهامها بقضايا الضلوع في تجارة وتهريب المخدرات، والغاية المعروفة من ذلك تكمن في قطع الطريق على اي حل سياسي لا يناسب واشنطن. مشيرة إلى أن الوجه الآخر لاختيار عنوان مكافحة المخدرات كتوطئة لمناقشة كل العناوين المرتبطة بـ "خطة عمان"، يتمثل في فهم الأردن العميق لعدم وجود رغبة أمريكية في تحقيق اختراقات جدية في ملفات حساسة وخطيرة كالعملية السياسية وقضايا اللاجئين الذين رفعت عمان الصوت عالياً بشأنهم، وعلى نحو غير مسبوق مع قصور المساعدات الدولية بشأنهم إلى حد الانحسار تقريباً.
وختمت الباحثة السياسية حديثها لموقعنا بالتأكيد على أن النقاشات التقنية المتعلقة بوقف تهريب المخدرات بين الجانبين السوري والأردني قد تبدو خيارا اوحدا لمناقشة بنود "خطة عمان" في هذه المرحلة على الأقل، ريثما تتضح الصورة الدولية والإقليمية أكثر بعد قيام واشنطن بتعزيز حضورها المحتل في سوريا وتحصين مواقعها هناك والتهديد باشتباك روسي اطلسي في سوريا، فضلا عن قدرة محور المقاومة على ترجمة تهديداته للأمريكيين والتي أطلقها المقداد من طهران إلى واقع ملموس.