خاص العهد
الغرب يدسُّ السم في عسل المناهج التعليمية
يوسف جابر
ضمن حرب العدو على الوعي، يعود موضوع ضرب القيم والمجتمع إلى واجهة الصراع، فبعد أن خسر الغرب والعدو الصهيوني شتّى معاركهما التي خاضاها ضدَّ لبنان ودول المنطقة ــ سواء في الحرب العسكرية والاقتصادية والناعمة وغيرها ــ يسعى العدو سعيه لضرب النظام التربوي في بلدنا عبر بثِّ سمومه في المناهج التعليمية. يتسلّل الى مدارسنا الراعية لأطفالنا والأساتذة المعنيين بتنمية معارفهم ضمن مخطّط خبيثٍ يستثمر خلاله العدو حربه الاقتصادية على لبنان في حربين. وعليه، يضع المعنيين أمام خيارين؛ إما "انهيار التعليم في ظل الأزمة، أو تمويل التعليم بشروط تمرير أفكارنا".
حجم الهجمة يكبُر ونطاقها يتسع، إلا أنَّ مجتمعنا لا يزال يُظهر تماسكًا في ظل حربٍ تستهدف النسيج الاجتماعي بما يخالف الدين والفطرة. تجليات تلك الحرب برزت واضحة في ورشة تدريب دعت إليها منظمة دولية ــ تضمّ تجمّعًا لنقابات التعليم حول العالم وتُدعى "الدولية للتربية" ــ حول تقبّل الأساتذة "الشاذّين" في المدارس اللبنانية لقاء بدلات مالية لترغيب الروابط والأساتذة بالحضور ما يهدف لضرب جيلٍ من الشباب الصاعد ليحيد عن إنسانيته ويتحوّل الى كائن تجرُّه غرائزه، الأمر الذي يضمن لدول الاستكبار دمار الجيل الذي سيحمل راية مجابهة الاستكبار والهيمنة.
حمادة: إلى الآن كنا حراسًا حقيقيين على المناهج
وحول هذه القضية الخطيرة، يتحدَّث عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الدكتور إيهاب حمادة لموقع "العهد" الإخباري فيشير إلى أنَّ "الغرب يحاول تاريخيًا ضرب قيمنا وزرع قيم جديدة، ونرى أنَّهم حاولوا تقديم الإسلام مشوهًا، ما أدى لحروب في المنطقة".
حمادة، وهو ــ عضو لجنة التربية النيابية ــ يرى أنه "بالتصور الحالي، حاول العدو عبر الحرب العسكرية ــ بظل ما حققناه من انتصارات ــ ولم ينجح، وحاول اقتصاديًا عبر حصارنا وتجويعنا وفرض عقوبات على وطننا ولم ينجح، ليس فقط على صعيد لبنان، بل هذا السلاح استُخدم مع الجمهورية الإسلامية في إيران منذ 40 عامًا، وفي ظل هذا الضغط الاقتصادي حققنا انتصارات، والآن ينتهج الغرب أسلوبًا جديدًا من أساليب الحرب عبر استهداف الأمة في مرتكزاتها، حرب جديدة بأسلوب جديد على هذه القيم التي يمثل القرآن عنوانها الأبرز".
ويشير حمادة إلى أنَّ "لدى الأميركي هدفان أساسيان عبر الجمعيات التي يرعاها وهما استهداف الشباب وتدمير الأسر، وهذان المركبان الأساسيان لأي مجتمع، فالأسرة النواة الأولى لبناء هذا المجتمع، والشباب هم الحاضرون في الصفوف الأولى على مستوى المواجهة وهم حاملو المجتمع من مرحلة لأخرى".
ويوضح حمادة أنَّ "الهدف من وراء الاستهداف هو أن يكون شباننا عبثيين لا يحملون همومًا كُبرى، وأن ينشغلوا باللهو والحريات من دون قيود، ما يجعل الفرد عبثي الوجود ومن دون هدف أو موقف، ويصبح بعيدًا عن كل ما يبني شخصيته وينميها، وأبرز ما يبني الشخصية هو القيم الكبرى التي أتى بها القرآن الكريم والإسلام إضافة للعادات والتقاليد".
ويضيف: "التشخيص أنها حرب من نوع آخر وامتداد للحروب السابقة للسيطرة على هذه المنطقة من خلال السيطرة على الشباب، وعنوان التجهيل هو ركيزة أساسية لضرب الأسرة والشباب ولذلك شهدنا ما شهدناه على صعيد المنطقة ولبنان خصوصًا، ووصلنا ببلدنا إلى مرحلة اللا تعليم على صعيد القطاع الرسمي ومستوى التعليم بالخاص أصبح طبقيًا جراء الضغوط الاقتصادية".
ويلفت إلى أنَّ "من يروّج للشذوذ يستخدم عبارات محببة ليخرجها من صفتها السلبية لإعطائها معنىً إيجابيًا، بينما هي مجرد انحرافات كبرى، تستهدف الأعراف والتقاليد وعلاقة الإنسان ببيئته وتاريخه ما يفرض علينا نوعًا جديدًا من المواجهة أهمها الوعي والعودة إلى قيمنا التي تجعل من الإنسان إنسانًا".
ويكشف عضو كتلة الوفاء للمقاومة أنَّه كان هناك خطوة برعاية جمعيات لإدخال مقررات جديدة عبر وزارة التربية لتمرير مناهج تسوّق الكثير من أفكار الحرية الفردية التي تحمل عناوين أخرى منها الشذوذ والابتعاد عن العناوين الكبرى، مبيّنًا أنَّ "المقدمة للمناهج تحكي عن تاريخ لبنان منذ خمسين عامًا، فيما لم يُذكر الاحتلال ولا المقاومة بأي كلمة وكان عنوان الجندرة عنوانًا أساسيًا وكذلك عنوان الحرية الفردية والسلام، وكلها عناوين تخدم المحتل الاسرائيلي والأميركي وتخدم مصالح الغرب الذي يسعى إلى ضرب القيم الموجودة لدينا وتحويل الإنسان إلى شخصٍ بلا حدود لحرياته وأهوائه وتصرفاته من دون رقيب".
ويؤكّد حمادة أنَّنا "تصدينا لهذه المحاولة بموقف ثابت، والنسخة الجديدة الكاملة على مستوى المناهج خرجت متينة وقوية على مستوى القيم والأساليب وبناء الشخصية، وتعاونّا مع وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي الذي كان حريصًا ومتفهمًا". وهنا يحذّر حمادة من أنَّ "هذه الحرب مفتوحة وسط سعي الغرب للدخول بأقنعة مختلفة ولكن إلى الآن كنا حراسًا حقيقيين على المناهج".
ويضيف النائب حمادة: "وزارة التربية هي البوابة، ثمّة أكثر من 8000 جمعية عاملة في المنطقة وفي لبنان خصوصًا، وقد اقترحت تحت عنوان "الضائقة الاقتصادية" تمويل مشروع تطوير المناهج بشروطها الخاصة، حيث عملت على استثمار الواقع المالي والنقدي في لبنان لتحقيق هذا الأمر، وكله مرعيٌّ من الجهات التي تستهدف لبنان".
ويشير المتحدّث إلى أنَّ الغرب عمومًا والسفارات في لبنان والجمعيات في جبهة واحدة يعملون على تحقيق خرق في القطاع التربوي، ويشدّد على أنَّه يجب على اللبنانيين أن يعوا ما يجري، ويجب أن نلتفت إلى أن لا نؤخذ إلى مكان آخر تحت العناوين المالية، وعلى الحكومة التحلي بالوعي وتأمين بدائل مالية، فبظل الواقع المالي قد تجد وزارة التربية نفسها مضطرة لقبول عروضات حتى لا يتوقف التعليم في لبنان".
ويلفت حمادة إلى ضرورة خروج البعض في الداخل من التبعية للغرب، فهم يحملون همّ الغرب ويحملون فكره كشعار ويسوقون له، وهم يُدارون من السفارات، ويضيف "مجتمعنا لا يزال متينًا ولكن عناصر المواجهة بحاجة لتطوير ويجب الالتفات لأدق التفاصيل والتعامل معها بحذر، فهم يحاولون الدخول عبر أي عنوان، بيئتنا متينة وشبابنا واع، ولكن أعمالهم قد تُنتج ولذلك يحب أن يكون لدينا همّة عالية في المواجهة".
الشيخ نور الدين: طروحات "الشذوذ" تستهدف كل المتدينين في العالم
من جهته، يعتبر مدير عام جمعية أمان للإرشاد السلوكي والاجتماعي الشيخ خضر نور الدين في حديثٍ لـ"العهد" أنَّ "الهدف من طروحات "الشذوذ" ليس المسلمين فقط بل كل المتدينين فهو يطال الجميع في العالم ويسعى لضرب القيم السماوية".
ويشير إلى أنَّ "مروجي الفكرة من أميركا وأوروبا يخسرون أكثر منّا، لأن لديهم القابلية فأسرهم معرضة للسقوط والتفكك بشكل أكبر إضافة لوجود قوانين تشرعن ذلك، وهذا سيؤدي لمشاكل اجتماعية بنيوية حقيقية في بلادهم.
ويضيف الشيخ نور الدين: "لا نعتبر هذا ضمن الحرب الناعمة بل هي حرب ضدّ القيم التي تحملها الكتب السماوية. والجدير ذكره أنَّ هناك تحصينًا في مجتمعاتنا لأنها قريبة من الدين ولكن لا يجب أن نطمئن، ويجب أن نحذر من هذا الخطر، ومن هنا يجب أن نمكّن الأسرة لأن الأسرة المستقرة تنفي الانحراف إلا ما ندر"، ويشدّد على أنَّ "الحل الأساسي بحفظ الأسرة والحفاظ على استقراراها، ومتابعة الأولاد".
ويؤكَّد الشيخ نور الدين أنَّ "هذا الجيل استُهدف منذ عام 2000 وخصوصًا بعد عام 2006، فما ظهر للعدو هو أنَّه لن يستطيع تغيير الجيل المؤسّس، لذلك عمل على استهداف الجيل الثاني لضمان انحلاله وإفساده وتغيير اهتماماته، إلا أنَّ "كل مشاريعهم فشلت، الأميركي وحلفاؤه مهزومون".
ويتابع: "لقد عملوا على إغراء المدارس والأساتذة وبأرقام كبيرة من الأموال لقبول مناهجهم، لأن هدفهم في لبنان غزو مجتمع المقاومة حتى يتضعضع وتضعف هذه المقاومة".
وفي الختام، يشدَّد الشيخ نور الدين على أنَّ المجتمع يحتاج لقليل من الوعي لفهم مجريات السابق وربطها بواقعنا الحالي، كما يجب تعبئة الجيل القادم فكريًا وروحيًا ووطنيًا كي لا ينساق خلف غرائزه وأهوائه التي يركز عليها الغرب، ليصبح مؤهلًا لحمل أمانة الجيل السابق وإنهاء هذا الاحتلال.
الحرب الناعمةوزارة التربية والتعليم العالي في لبنانالمناهج التربوية